أسماء بالحمر: أجسد التطور السريع لمشهد الإمارات الحضري

تكرس الفنانة التشكيلية الإماراتية، أسماء بالحمر، إمكاناتها؛ للتعبير عن فنها بطريقة غير تقليدية، مستلهمة من العمارة الإماراتية نهجها في التعبير عن أفكارها، وتحويلها إلى أعمال فنية، باستخدام تقنيات التركيب، والطباعة التجريبية، والفيديو، ونمذجة ثلاثية الأبعاد؛ لاستكشاف الفضاءات الهجينة، والتفاعل بين ال

تكرس الفنانة التشكيلية الإماراتية، أسماء بالحمر، إمكاناتها؛ للتعبير عن فنها بطريقة غير تقليدية، مستلهمة من العمارة الإماراتية نهجها في التعبير عن أفكارها، وتحويلها إلى أعمال فنية، باستخدام تقنيات التركيب، والطباعة التجريبية، والفيديو، ونمذجة ثلاثية الأبعاد؛ لاستكشاف الفضاءات الهجينة، والتفاعل بين الزمان والمكان؛ لتتمكن من تقديم تجربة مغايرة إلى الجمهور؛ تمنحه القدرة على استحضار الذكريات من زاوية شاعرية وتأملية. 

«الفنان دائماً في حالة تجديد وتطوير في طريقة قراءة أفكاره، أو المشاهد من حوله».. هذا ما عبرت عنه أسماء بالحمر، خلال حوارها مع مجلة «زهرة الخليج»، وقد حصلت الفنانة الإماراتية، المتعددة التخصصات الفنية، على شهادة البكالوريوس في الفنون البصرية من جامعة زايد، ودرجة الماجستير بالفنون الجميلة في تصميم المنسوجات من جامعة رود أيلاند للتصميم، بروفيدنس، لتصبح أستاذة مساعدة في كلية الفنون والصناعات الإبداعية بجامعة زايد، وتم اختيارها، مؤخراً، بين الفنانين الخمسة، الذين اختيروا؛ للمشاركة في الدورة الأولى من مشروع الفن في الأماكن العامة (دبي للثقافة.. وآرت دبي).. إليكم نص الحوار:

  • عباية من Manaal al Hammadi

حدثينا عن مسيرة تطورك العلمي بالمجال الفني!

كنت أعشق الفن منذ الصغر لذلك تخصصت بمجال الفنون الجميلة في المرحلة الجامعية عندما التحقت بجامعة زايد، وكانت فترة ثرية بالتعلم، حيث تتلمذت على أيدي كبار الأساتذة، الذين كانوا دوماً يبدون إعجابهم بموهبتي والتزامي الدراسي وشغفي بتلقي العلم وتطوير مهاراتي الفنية، وعندما تخرجت قاموا بترشيحي للحصول على منحة «سلامة بنت حمدان للفنانين الناشئين»، التي تقدمها «مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان»، بالتعاون مع كلية رود آيلاند للتصميم، حيث تلقيت تعليماً وتطويراً فنياً مكثفاً على مدى 10 أشهر، تلك الفترة التي ساهمت في حصولي على الزمالة المؤهلة للتقديم على رسالة الماجيستير، وبالفعل تمكنت من الحصول على درجة الماجستير بالفنون الجميلة في تصميم المنسوجات من جامعة رود أيلاند للتصميم، وعقبها عدت إلى دولة الإمارات وتم تعييني بمنصب أستاذة مساعدة في كلية الفنون والصناعات الإبداعية بجامعة زايد، شعرت حينها أنني رجعت إلى بيتي، وكانت فرصة رائعة أن أنضم إلى أساتذتي السابقين الذين أكن لهم كل التقدير والاحترام.

فرصة ذهبية

من خلال تجربتك، هل يؤثر الدوام الوظيفي على المسيرة الإبداعية للفنان؟

بالعكس لا أرى ذلك خاصة عندما يكون العمل في نفس المجال الفني، وأكبر دليل على ذلك أن كبار الفنانين هم أساتذة في الجامعات، فالتدريس يمنح الفنان فرصة البحث والتطوير كل يوم وسط الطلاب، كما أن له ميزة كبيرة بالنسبة للفنان، وهي أن ساعات الدوام متغيرة حسب جدول الحصص، وهذا الأمر مفيد جداً للفنان لأنه بطبيعته لا يحب الروتين، كما أن التدريس مهنة موسمية، ولهذا لدينا فرصة إيجاد الوقت للتفرغ لمشاريعنا الفنية وحضور المعارض العالمية. وفيما يخص تجربتي بالعمل في جامعة زايد فإنها رائعة ومميزة جداً، حيث توفر الجامعة أستوديو خاصاً لكل أستاذ في الجامعة، ما يمنحه القدرة على متابعة أعماله الفنية في أوقات الفراغ بين المحاضرات، كما تتيح الجامعة فرصة ذهبية للطلبة للاحتكاك المباشر مع الأساتذة خارج إطار المحاضرات الرسمية، والتعرف على الوجه الآخر لهم كفنانين، وخوض تجربة التعايش ومتابعة الأعمال الفنية، منذ بداية الفكرة حتى مرورها بالبحث والتجارب وإضفاء مشاعر الفنان حتى خروج العمل بصورته النهائية.

  • عباية من Aquillora

على أي شيء تستند ممارساتك الفنية؟

تستند ممارساتي الفنية على فضولي العميق حيال تأثير الهيكل العمراني في الذاكرة الجغرافية المحلية، حيث أستخدم تقنيات التركيب، والطباعة التجريبية، والفيديو، ونمذجة ثلاثية الأبعاد؛ لاستكشاف الفضاءات الهجينة، والتفاعل بين الزمان والمكان، كما لديَّ قناعة كبيرة بأن المكان الذي نعيش فيه مهم لإحساسنا بهويتنا؛ لذلك أتأمل من خلال أعمالي مشاعرنا تجاه المشاهد التي نراها في الإمارات، والطريقة التي نتذكرها بها، وأستشعر التغيرات الكبيرة التي حدثت فيها، لاسيما مؤخراً.

لماذا اتسمت أعمالك الفنية بالدمج بين الفنون والبحوث الثقافية والعالمية؟

تيقنت مبكراً أن استلهام الفكرة من الشعور أمر غير كاف لإنتاج أعمال ثرية في الفن المعاصر، لذلك اتجهت لدعم أفكاري وتنميتها بالمجال البحثي، وذلك لتكوين أعمال فنية تمزج بين الشكل التكويني للعمل الفني ومدى ملامسته للواقع وارتباطه بالبيئة المحيطة وإشكاليتها الحالية أو التصورية للمستقبل، وقد تحقق ذلك في أعمالي عبر إيجاد نقطة انطلاق فكرية وبحثية.

ما المراحل التي تمر بها أعمالك الفنية حتى رؤيتها النور؟

تأتي المرحلة الأولى عندما تثير اهتمامي ظاهرة بصرية معينة، أقوم على إثرها بعمل دراسات بحثية عنها والاستعانة بخبرات المتخصصين سواء في المجال المعماري أو الهندسي أو مصممي الديجيتال، وعقب البحث والاستنتاجات تأتي المرحلة الثانية والتي أطلق عليها «اللعب الجاد»، هذا المسمى الذي استوحيته من الفنان التشكيلي محمد أحمد إبراهيم، الذي تمكن من التعبير بدقة عن هذه المرحلة، وهي مرحلة التجربة التي أبحث من خلالها عن أفضل طريقة لتنفيذ الفكرة سواء بمجسم ثلاثي الأبعاد أو ثنائي الأبعاد أو خزف أو في لوحة ورقية أو على القماش أو بفيديو وغيرها، وكذلك الخامات المناسبة لترجمة الفكرة، إذ يمكن أن تستغرق مني هذه المرحلة عدة أسابيع في الأستوديو أفكر وأطبق حتى أصل للنسخة المرضية من العمل، وبعد الانتهاء تأتي المرحلة الأخيرة التي أضيف خلالها مشاعري على العمل، فإذا لم يتحقق العنصر الثالث، واكتفينا بترجمة البحث بشكل حرفي، سيخرج عمل توعوي.

وحدة وتعاون

شاركت مؤخراً في إنتاج المنحوتة الفنية «اتحاد الفنانين»، حدثينا عن هذه التجربة؟ 

كنت ضمن 5 فنانين تم اختيارهم من بين أكثر من 250 فناناً استقطبتهم الدعوة المفتوحة التي أطلقتها هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة» بالتعاون مع «آرت دبي»، لتنفيذ عمل تركيبي فني تحت عنوان «اتحاد الفنانين»، وعند الإعلان عن اختيارنا ودعوتنا للإعلان عن التصميم الفائز، فضلنا التعاون معاً لإنتاج عمل تركيبي واحد يمزج بين أفكارنا الإبداعية ورؤانا الفنية، ويمكننا من توظيف ممارساتنا الفنية المختلفة، ويعبر في الوقت ذاته عن مفهوم الوحدة والتعاون بيننا.

  • الأزياء من NAFS

ما الفكرة التي قامت عليها المنحوتة الفنية؟

 يستكشف العمل الفني «اتحاد الفنانين» الواقع في منطقة الحضيبة مقابل متحف الاتحاد، العلاقة بين التوازن والمتانة، وتجسد جوهر الاتحاد وتفرد التجربة الإماراتية، وتعبر عن المفهوم العميق للوحدة بين إمارات الدولة، وهو ما يتجلى في الركائز السبع التي يقوم عليها العمل، وقد استلهمنا فكرته من عملية بناء «العريش» التي تعكس الجهد الجماعي والتعاون والتضامن والتماسك والمساواة، وتتطلب في الوقت نفسه الالتزام والتوازن الذي يجسده تناغم سعف النخيل، والحبال التي تعبر عن الترابط بين إمارات الدولة والنسيج المجتمعي، وهو ما يتماشى مع طبيعة متحف الاتحاد الذي يوثق لحظات ميلاد الاتحاد وحكايات الوطن ونهج الآباء المؤسسين الملهمة.

إذا تطرقنا إلى معرض «فراغات مصمتة».. كيف يمكن وصفه من حيث الفكرة الرئيسية والمفهوم؟

معرض «فراغات مصمتة» ينبثق من رؤى وإدراكات حول الذاكرة الجماعية للمكان، فقد سعيت إلى تجسيد التطور السريع للمشهد الحضري، ودمج العناصر المعمارية في مفهوم يحاكي التوتر بين تحولات المناظر الطبيعية، والبيئات الحضرية الديناميكية، ورصد بعض اللحظات التي قد تعتبر هامشية. وكمثال على ذلك، المرور بمواقع قيد الإنشاء، ورؤية ملامح تكوين البنيان من حين إلى آخر. ومن زاوية أخرى، أرى أن هناك ارتباطاً بين التطورات الحرفية، وتغير الخامات، وهو سبب رئيسي في تحولات تكوين البنيان، وتغيره شكلياً. ومن خلال المعرض، أردت أن أعرض تلك النماذج من زاوية شاعرية وتأملية. 

من ألهمك فكرة الأعمال، التي قدمتها في «المعرض»؟

عند حديثي مع والدتي، وسماعي إياها وهي تسرد ذكرياتها عن منطقة ما في دبي، لم تكن كما هي اليوم، فهي الآن مليئة بالمباني، والأسواق، ومراكز الأنشطة. عندها، قررت استحضار تلك الذكرى، وتلك المنطقة، وقد نجحت في ذلك، وكانت تجربة سريالية لا تصدق. تأملت، خلال «المعرض»، تاريخ الإمارات ومعالمها التي صنعها الإنسان عن طريق الإشارة إلى ثلاثة مشاهد من أغنية مصورة لأحد الفنانين صدرت في بداية السبعينيات؛ فقد عبر كل مشهد عن وجه ثقافي مختلف من تلك الفترة، ودارت أحداث بعض المشاهد بالفيديو في حي الحمرية السكني، بالقرب من شاطئ «الممزر» في دبي، ونرى من خلال الأغنية تأويلاً وطنياً للحداثة، حيث تعبر الهياكل الأسمنتية عن العمارة الغربية، والأنماط الإسلامية الحديثة. بينما عكست مشاهد أخرى الحالة العاطفية الصادقة، التي يظهرها الفنان أثناء أدائه أغنيته التي صورت داخل استوديو، بحيث يذكرنا الفراغ الكئيب بالجبال، التي تتخللها قنطرتان حمراوان، يتوسطهما وهج خفيف من اللونَيْن الأخضر والبرتقالي. كما رأينا، خلال تجوالنا داخل «المعرض»، هذه التأملات والتجارب، عبر منحوتة جدارية لافتة للنظر، منقوشة بأنماط إسلامية جديدة، كانت بمثابة مجاز بصري قوي عن النسيج الحضري في الإمارات ضمن معاملها الجغرافية الطبيعية، كما التقطت الأعمال جوهر الزمن، والحركة، بشكل ملموس.

  • الأزياء من NAFS

كيف عكس معرض «فراغات مصمتة» تطور مسارك الفني؟

عكس «المعرض» تطور ممارساتي الفنية، من خلال تفحصي للتقاطعات بين الزمان والذاكرة المكانية، واتجاهات ممارسات العمارة، حيث سعيت إلى إلقاء الضوء على تشكيل الهوية البصرية للإمارات، وخضت، أيضاً، تجارب العمل بمواد لم أقم باستخدامها في أعمالي من قَبْلُ، مثل: الخشب، والجص. لكن فلسفتي التجريبية في العمل الفني تلهمني عدم احتكار المادة أو التقنية في ممارسة العمل، والتعاون مع المتخصصين في مجالات متعددة؛ لكسب الخبرة، وتطبيق العمل بأنسب طريقة، أو تقنية، ممكنة. 

بيئات حضرية

 كيف عبرت التقنيات الفنية، والخامات التي قمت باستخدامها في معرضك، عن الفكرة المرجوة؟

أنتجت ست لوحات على الكانفاس المتعدد الخصائص، أو «المكس ميديا»، حيث استلهمت بعض الأنماط، التي تستخدم في العمارة التقليدية، خاصة في البيوت الشعبية، وقمت بتصميمها ورسمها بشكل يوحي بتعرض تلك الأنماط للحركة، أو ما يشبه حالة العبور بجانبها، كأنني أقدم إلى الزائر مشهد وقوف الحركة. هذا العنصر نفذته بأشكال عدة في «المعرض»، مثل: استخدام تقنيات التصميم الحديثة للنحت، توازياً مع الطريقة التقليدية، كأنني أسمح لليد والصناعة الحديثة بالحوار عن طريق استخدام الخشب. واستخدمت، أيضاً، مادة الجص المعروفة بسرعتها في تجسيد القوالب، حيث أطرح الأسئلة من خلال هذا العمل، وأعرض فلسفة القالب الأصلي والنسخة وتكرار الأنماط، فالنمط يستخدم كرمز؛ لتجسيد التوتر، وتطور البيئات الحضرية.

هل أثر معرضك «فراغات مصمتة» في جمهور المجتمع الإماراتي، وكيف عزز التجربة الفنية؟

ألهم «المعرض» جمهور المجتمع الإماراتي، وفتح أبواب الحوار حول تاريخ العمارة، والعلاقة بين الإنسان والمكان، وتأثير المساحات الطبيعية والبنيان في الذاكرة، ما عزز التفاعل والتفكير العميق حول هذه القضايا المهمة. وقد اهتم مَجمع 421 للفنون بإتاحة المجال للزوار من كل الأعمار، وأصحاب الهمم، لخوض تجربة مميزة، من خلال توفير كتيبات لكل فئة؛ لتسهيل فهم فكرة «المعرض»، والتفاعل معه. 

  • عباية من Manaal al Hammadi خاتم من Begum Khan

بصفتك أحد المشاركين في برنامج التطوير الفني، الذي ينظمه مَجمع 421 للفنون، بالشراكة مع معهد الفن الناشئ.. كيف يساهم المَجمع في تعزيز تجربة الفنانين المحليين، وتوفير منصة لهم للتعبير عن فنهم؟

من خلال مشاركتي في برنامج التطوير الفني، في مَجمع 421 للفنون، توفرت لي الأبحاث التي احتجت لها، كما أتاح البرنامج فرصة إقامة الحوارات البناءة مع خبراء الميدان، وفرصة توفر منصة للاستكشاف والتجربة. كما أتاحت لي التجربة فرصة تطوير المفاهيم، وتنفيذ المشروع على أرض الواقع، معززة بجلسات جماعية للتقييم والملاحظات وحلقات للنقاش، ساهمت في غنى تجاربنا كفنانين، وتعزيز مسيرتنا الفنية. وبوجود هذا الدعم، تمكنت من تطوير فكرة «المعرض» من مرحلة الفكرة، وحتى تشكيل الأعمال الفنية، وإنتاج المواد النصية. وقد ساعدتني هذه التجربة على التفكير كثيراً في ردود الفعل تجاه أعمالي والتواصل والتفاعل بمختلف الأشكال مع مجتمعاتنا، وطريقة تفاعل مختلف المجتمعات مع معارضنا.

ما أحلامك وطموحاتك؟

أتمنى أن أكون عنصراً فعالا في المشهد الفني بدولة الإمارات، والمساهمة في إيصاله للعالمية، بحيث يكون لدينا موسم للفنون مثلما هو موجود بإيطاليا ونيويورك وسويسرا، لذلك أجتهد وإخواني وأخواتي من أبناء الوطن لبلوغ هذا الحلم القريب المنال، خاصة ونحن على أرض الإمارات.. أرض الفرص وتحقيق الأحلام.

معارض محلية.. وعالمية

شاركت الفنانة التشكيلية، أسماء بالحمر، في العديد من المعارض محلياً وعالمياً، مثل: بينالي الشارقة 2023، والمعرض الجماعي «شموس متبخرة» في بازل بسويسرا 2023، والمعرض الجماعي «أحاديث الحنين» في معهد مسك للفنون بالرياض 2022، ومعرض «علاقات الضيوف» في مركز جميل للفنون بدبي. كما أقامت معرضاً فردياً بعنوان «فراغات مصمتة» في أبوظبي، سلطت من خلاله الضوء على عمارة الإمارات، وتأثيرها في الذاكرة الجغرافية للمناظر الطبيعية، ويعد نتاج مشاركتها في دورة 2023، من برنامج التطوير الفني، الذي ينظمه مَجمع 421 للفنون، بالشراكة مع معهد الفن الناشئ.