علياء السويدي: الفشل محطة من محطات الحياة

تؤمن الدكتورة علياء السويدي، استشارية طب الأسرة ومرشدة التربية الواعية، أن رحلة التربية يجب أن تكون ممتعة، وخالية من التأنيب. مؤكدة، في حوارها الخاص مع «زهرة الخليج»، سعيها المتواصل إلى تعزيز الثقافة الداعمة لبناء أسري مستقر، وتمكين الوالدين من معرفة الأساليب الصحيحة، التي تساعد أفراد الأسرة على موا

تؤمن الدكتورة علياء السويدي، استشارية طب الأسرة ومرشدة التربية الواعية، أن رحلة التربية يجب أن تكون ممتعة، وخالية من التأنيب. مؤكدة، في حوارها الخاص مع «زهرة الخليج»، سعيها المتواصل إلى تعزيز الثقافة الداعمة لبناء أسري مستقر، وتمكين الوالدين من معرفة الأساليب الصحيحة، التي تساعد أفراد الأسرة على مواجهة التحديات السلبية، وإتقان المهارات الأساسية، والمفاتيح المهمة للتعامل مع الأبناء، وإقامة علاقات صداقة ومحبة في ما بينهم، وتحقيق التوازن والمرونة في التعامل معهم. كما تحدثنا الدكتورة علياء السويدي عن كيفية تعرف الأهل إلى شخصية أبنائهم، وأساليب التعامل مع غضب الأطفال، ومع الأبناء كثيري الخلافات، والوسائل الممكنة لضبط انفعالات أولياء الأمور، وأهم الطرق لمساعدة الأبناء على بناء شخصية قوية وواثقة.. وتالياً نص الحوار:

  • علياء السويدي

كيف يمكن للأهل التعرف إلى شخصية أبنائهم، ومساعدتهم في اكتشاف ذواتهم؟

من المهم جداً أن يفهم المربي أن كل طفل فريد في شخصيته وتكوينه، وهذا الأمر يلعب دوراً كبيراً في عملية التواصل مع الطفل، فليس كل الأطفال متشابهين؛ حتى لو كانوا إخوة؛ لذلك يجب ألا تُطبق عليهم القوانين الأسرية نفسها. وإذا كان المربي واعياً، فهذا أمر مهم لفهم طفله منذ اليوم الأول له في الحياة، ومن هذه الأمور: هل هذا الطفل يحمل سمات توتر عالية أم منخفضة؟ هل هذا الطفل في مرحلة الرضاعة مضطرب جداً، كثير البكاء، نومه غير منتظم، كثير الحاجة للالتصاق بعنصر الأمان؟.. فكل هذه السمات تعطي انطباعاً مبدئياً عن سمات هذا الطفل. ومع مراقبة تطور الطفل وتفاعله مع بيئته، يمكن للمربي فهمه بشكل أفضل. هذا الأمر في غاية الأهمية خلال المرحلة العمرية المبكرة من الولادة، وحتى عمر 7 سنوات، حيث إن الطفل يكون حقيقياً وتلقائياً وعلى فطرته. من هنا، يمكن للمربي أن يعرف ما يصلح لهذا الطفل بالتحديد، والطريقة المناسبة للتواصل معه.

هل العقاب وسيلة صحيحة لضبط السلوك؟

مبدأ التربية الواعية بعيد كل البعد عن آلية العقاب. فالعقاب مبني على إحداث ألم نفسي أو جسدي للطفل؛ بغرض أن يتعلم درساً ما، أو يبتعد عن سلوك معين. من وجهة نظر المربي هذا الأمر مبنيٌّ على رغبته في الحفاظ على الطفل، وجعله شخصاً صالحاً وجيداً. لكن للأسف ما يصل للطفل أمر مختلف تماماً. إذ يشعر بعدم الحب، وعدم الثقة بالمربي. العقاب وسيلة آنية لضبط السلوك، لكن أثرها على المدى الطويل غير داعم للطفل، فقد يتعود الطفل أن يتجنب هذا السلوك فقط؛ ليرضي المربي، أو ليتجنب الألم، وليس اختياراً أو اقتناعاً بهذا الأمر، وهذا يجعل الطفل يلجأ إلى الكذب، أو إخفاء هذا السلوك عن المربي. كذلك، العقاب المتكرر يعلم الطفل ألا يصارح والديه؛ خوفاً من ردة فعلهما، ويلجأ إلى أقرانه، خاصة في مرحلة المراهقة ليفتح لهم قلبه، ويتلقى منهم الإرشاد الذي لا يكون في معظم الوقت صحيحاً. ومن الأهداف الرئيسية للتربية الواعية إيجاد قاعدة أمان وحب يلجأ إليها الطفل أو المراهق؛ في حال تعرضه لأي موقف أو تحدٍّ، وشعوره بأنه محتاج إلى الدعم والتفهم والإرشاد، دون أن يتعرض للنقد الجارح، أو التخويف، أو الرفض.

  • الاتصال العاطفي هو المفتاح لتحقيق تعاون الطفل

تواصل شعوري

إلى أي مدى يؤثر الاتصال العاطفي مع الأبناء في تحفيز تعاونهم؟

الاتصال العاطفي هو المفتاح لتحقيق تعاون الطفل. فالطفل يريد أن يقوم بالفعل الإيجابي بفطرته؛ لأنه يمنحه شعوراً جيداً عن نفسه. لكن، للطفل مفاتيح يجب أن يعيها كل مربٍّ: أولها: فهم شخصيته والاستجابة لحاجاته النفسية. فالطفل، دائماً، متعطش ليرى ويسمع ويفهم، إذ إنه يحب أن يتكون لديه شعور جيد حول الأمر الذي يريد فعله، لأن تطور دماغه في المرحلة المبكرة من حياته مبني - بشكل رئيسي - على المشاعر. فالتفكير المنطقي، والحجج والبراهين والمحاضرات، أمور لا يفهمها هذا الطفل. وللأسف الكثير من المربين يتعاملون مع الأطفال كما يتعاملون مع الناضجين، ويتوقعون منهم التجاوب بشكل مباشر. لذلك، يجب على المربي أن يعرف شخصية طفله، وكيف يتواصل معه شعورياً لتحقيق التعاون.

كيف يكون الوالدان مرشدين مثاليين لأطفالهما؟

أفضل طريقة لإرشاد الطفل، هي أن يكون المربي قدوة حقيقية لما يرشد إليه أبناءه؛ فإذا كان يريده أن يتحلى بقيم وصفات معينة؛ فعليه أن يلتزم بها أولاً؛ فالطفل يتعلم الصدق عندما يرى والديه صادقين معه، ويتعلم الحلم عندما يرى والديه قادرين على ضبط انفعالاتهما تجاهه، ويتعلم النظام عندما يرى والديه منظمين، ويحترمان الوقت، ويتعلم عن الصحة عندما يرى والديه يهتمان ويوفران الخيارات الصحية، ويفتخران بأهميتها ويعززانها. فالطفل تصله الطاقة وليس الأوامر، فهو يقلد والديه، ويتشرَّب منهما السلوكيات، بالملاحظة والتكرار.

ماذا يعني الوقت النوعي للطفل؟

 الوقت النوعي هو وقت مخصص لكل طفل بشكل منفرد، يعطي فيه المربي كامل الانتباه للطفل لفترة زمنية محددة، بحيث يسمح للطفل باختيار نشاط ما لقضاء الوقت معه. الوقت النوعي يمنح الطفل حرية الاختيار، والقيادة التي تغذي لديه شعور الأهمية، وأنه مسموع ومُقدَّر من قِبَل أهله. من المهم أن تكون هناك نوعية للوقت مع الطفل، فقد يكون المربي حاضر جسدياً داخل المنزل، لكنه ليس متصلاً شعورياً.

إذا كان الأهل يعانون سرعة الانفعال وصعوبة ضبطها.. كيف يمكنهم السيطرة على هذه المشكلة خلال تعاملهم مع أبنائهم؟

من أكثر التحديات التي تواجه المربين خلال عملية التربية هي عملية ضبط الانفعالات؛ لذلك من المهم أن ينتبه المربي إلى هذه المشكلة لديه، ويبادر بتعلم كيفية فهم مشاعره وتوجيه انفعالاته؛ لأنه بذلك يمنح الطفل شعوراً بالأمان والحب، ويكون قدوة يمتثل بها الطفل. ومن المهم أن يتعامل المربي مع مشاعره من خلال إدارة الحوار الداخلي، والقيام بالاختيار الواعي عند التعرض لموقف مستفز من الطفل، وأن يتجنب ردود الأفعال السريعة، وغير المنظمة.

إرادة قوية 

هل يمكن تغيير شخصية الطفل؟

من الأفضل ألا يتم تغيير شخصية الطفل الفطرية والحقيقية، بل أن يتغير المربي ليتلاءم مع هذه الشخصية، ويكتسب المهارات اللازمة ليفهم شخصيته، وكيف يؤثر في طفله بطريقة مناسبة لشخصيته، فالطفل القوي الإرادة يحتاج من والديه إلى تفهم هذه السمة فيه، وعدم مقاومتها عن طريق التحكم، بل يجب إعطاؤه حرية القرار المناسبة لعمره، فبمجرد معرفة المربي طبيعة الطفل سيتخلى عن بعض التوقعات، وسيستبدلها بتوقعات أخرى واقعية، وملائمة لهذا الطفل بالتحديد.

كيف نتعامل مع الطفل العنيد؟

أولاً تصنيف الطفل وإعطاؤه صفة معينة، هو برمجة لا واعية من المربي، تجعله يرسم صورة سلبية لهذا الطفل في عقله، دون الأخذ بعين الاعتبار درجة نضج هذا الطفل وتطوره، وكذلك افتقاره إلى الكثير من المهارات الحياتية، فيظل يركز فقط على السمة التي تستفزه من هذا الطفل، وينمي في داخله مقاومة ورفضاً وعدم استعداد لاستقبال هذا الطفل ورؤيته بمنظور مختلف، لذلك نحن لا نحكم على الطفل، وإنما نوجه السلوك، ونعرف الحاجة التي يريد أن يوصلها إلينا، من خلال كونه عنيداً، أو صعباً، كما نصفه، وبمجرد معرفتنا ما يحتاج إليه الطفل نستطيع أن نتواصل معه بطريقة داعمة لنفسيته، ولسلامنا النفسي.

  • تغيير شخصية الطفل

تصنيف المشاعر

ما الطريقة المثالية للتعامل مع غضب الأطفال؟

يجب أن نفهم أولاً لماذا يغضب الطفل؟ وهل نصنف مشاعر الطفل الكبيرة على أنها أمر سيئ، أم حالة طبيعية يمر بها جميع الأطفال للتعبير عن مشاعرهم، لأن الطفل في مراحل حياته المبكرة يعتمد - بشكل رئيسي - على الدماغ البدائي، فهو المسؤول عن المشاعر غير المنظمة لدى الطفل، ومعرفتنا ذلك تمكننا من تفهم قصور قدرات الطفل عن ضبط انفعالاته، فلا نقابلها بالحدة نفسها أو نقاومها، بل نسمح لها بالوجود بكل أمان وتفهم، لأن الطفل يُخرج طاقة كبيرة في هذه اللحظة تساعده على العودة إلى التوازن. تتصف مشاعر الأطفال، بشكل عام، بحدتها العالية، ومدتها الزمنية القصيرة؛ لذلك يجب على المربي أن يحتوي الطفل في هذه اللحظة، دون الحاجة إلى الاستجابة لطلبه، وبعد ذلك يساعده على توجيه انفعالاته؛ بتعليمه بعض المهارات المناسبة لعمره.

كيف يتعامل الأهل مع الأبناء كثيري الخلافات في ما بينهم؟

بدايةً، يجب أن يتفهم المربون أن الصراعات بين الإخوة أمر وارد جداً، وأنهم معظم الوقت متفاهمون في ما بينهم. لكن إذا كان الأمر يؤدي إلى إيذاء جسدي أو لفظي؛ فهنا يجب على المربي أن يوقف عملية الإيذاء، ويوصل إلى الطفل أن هذا الأمر غير مقبول، ومن المهم جداً عدم الانحياز إلى طفل دون آخر؛ فهذا الأمر يزيد تكرار السلوك السلبي، بل يجب أن ننتهز الفرصة للتواصل الشعوري مع كل طفل، ومعرفة حاجته النفسية وتأكيدها، وأيضاً تعليمه بعض المهارات الاجتماعية، مثل: التعاطف، والمشاركة، والتعبير عن نفسه بطريقة مقبولة، دون أن نلقي على أي طفل حكماً أو تصنيفاً أو انتقاداً جارحاً.

كيف يمكن مساعدة الأطفال على بناء شخصية قوية وواثقة؟

الوعي، والتطور الشخصي للمربي، هما الأساس لبناء شخصية قوية وواثقة لدى الطفل، فعندما يفهم المربي طفله، ويتعلم مهارات اتصال واعية مبنية على الحب والتعاطف، وليس التخويف والترهيب؛ هنا سيشعر الطفل بالأمان، وسيستطيع أن يعبر عن شخصيته بحرية، وسيتعامل مع محيطه بفضول أكثر نابع من حب الاكتشاف والتطور، ولا يهاب فيه الفشل، بل سيعتبره محطة من محطات الحياة، التي تحتاج منه إلى أن يتطور وينضج من خلالها، وليس وصمة عار تقيده، وتمنعه من التقدم، وعندما يتربى الطفل مع مربٍّ يتعامل مع الحياة بأريحية وقبول، يفهم أن العالم غير مخيف؛ فيستطيع أن يرفع سقف المخاطرة والخروج من منطقة الأمان، وهو متصل دائماً بقوته الداخلية، ويعرف أن قيمته الذاتية تنبع من إيمانه بذاته وقدراته، وليست من تقييم الآخرين له.