معرض «محلي».. نافذة موسوعية تطل على خضرة الأرض

نافذة موسوعية تطل على خضرة الأرض
لا يدخل الزائر إلى معرض فني فحسب، إنما يدخل إلى موسوعة مثرية للمعرفة، عن النباتات المحلية الموجودة أصلاً على أرض الإمارات. فكل دائرة وكل مربع وكل عمود في المكان، يخبرك عن نبتة قد تكون سمعت بها، وأخرى لم تعرف عن وجودها قبل المعرض. تشعر خلاله وكأنك في سفينة تبحر على رمال الإمارات، فترى نبات السمور هنا

لا يدخل الزائر إلى معرض فني فحسب، إنما يدخل إلى موسوعة مثرية للمعرفة، عن النباتات المحلية الموجودة أصلاً على أرض الإمارات. فكل دائرة وكل مربع وكل عمود في المكان، يخبرك عن نبتة قد تكون سمعت بها، وأخرى لم تعرف عن وجودها قبل المعرض. تشعر خلاله وكأنك في سفينة تبحر على رمال الإمارات، فترى نبات السمور هنا، والنخلة هناك، واللبان على الجدار الشمالي، وتستظل بعرض خاص عن شجرة الغاف المعمرة، ويأخذك الانبهار بطريقة العرض، والنبات الذي كنت تسمع باسمه في بلادٍ أخرى، مدركاً أنه زاحفٌ من الأرض التي تخطو عليها كل يومٍ، إلى بلادٍ أخرى.

  • تنظيم معارض فنية

لماذا معرض «محلي»؟

تخبرنا عائشة العسيري، معاونة القَيِّمة على المعرض، عن سبب اختيار النباتات المحلية في الإمارات، موضوعاً لهذا المعرض، الذي يأتي تزامناً مع عام الاستدامة في الدولة، قائلة: «ارتأينا في إدارة الفعاليات المجتمعية بالمجمع الثقافي، تحت إدارة سمية السويدي، تنظيم معارض فنية تتناول موضوعاً محلياً، بدأناها هذا العام باختيار النباتات المحلية، التي تنبت أصلاً في الإمارات، على أن ننظم في السنوات القادمة معارض تتناول الحيوانات المحلية، والحياة البحرية بكل أجزائها، إذ نهدف من خلال هذه المعارض إلى تثقيف العامة بما هو موجود على أرض الدولة، بالتعاون مع مصورين وصانعي فيديو، وفنانين في مختلف المجالات».

الفنانون المشاركون

يشارك في المعرض عشرون فناناً، من المواطنين والمقيمين على أرض الإمارات، من المهتمين بالنباتات وبعض المتخصصين في تصويرها، فنجد مثلاً في مدخل المعرض أعمدة مضيئة ذات خمسة أبعاد، تعكس تفاصيل شجرة القرم، التي تنبت على سواحل الدولة، للفنان والمهندس الإيطالي ماتيا غامبارديلا، ويعرض خلفه فيلمٌ تصويري للقرم كذلك، للمصور إدغار كاماتس، الذي اختير بسبب اهتمامه بهذه الشجرة، ورحلاته ممارساً التجديف بالكاياك على شواطئ القرم في أبوظبي، حيث يمكن للزائر الشعور أثناء مشاهدة العرض بالسباحة المذهلة بين أشجار القرم هناك.

أما ريم الهاشمي، وهي إحدى العاملات في دائرة أبوظبي للثقافة والسياحة، فقد اختار المجمع الثقافي دعم موهبتها الفنية، من خلال إشراكها في المعرض، وتشجيعها على إبراز إبداعاتها في مجال يختلف عن عملها، وقد اختارت شجرة النخيل القزم، الذي ينبت بقلة في الإمارات الشمالية وحفيت، لتمثيله في عمل فني يعتمد على الوسائط المتعدد، معتمدة على ثقافتها في فن تلوين القماش الياباني، والخيوط التي تسيل على الخلفية، مشكلة أغصان النخلة وجذعها.

كما يتوسط الساحة الأولى للمعرض، كرسي شاطئ، تعلوه شاشة تعرض فيلماً تصويرياً لشجرة الغاف المعمرة، محاطة بأغصان خفيفة مغطاة بالورق المشابه لورق الغاف، تتدلى حول الشاشة، لتمنح الزائر شعوراً بأنه يستظل بالشجرة، ويستريح من حرارة الأجواء، مع أهله وأحبائه، وفي الساحة الأخرى عرض تصويري لحسن الحوسني لشجر النخيل، الذي اكتشف بعد بحث ودراسة بأنه وُجد على الأرض منذ أكثر من 5000 عام، وبأنّ نخيل الرطب خاصة، أصله من الإمارات.

  • نبتة العرفج

كل جدار من جدران المعرض خصص لفنان، يعرض ما التقطته عدسته لنبتة من النباتات المحلية في الإمارات، في دوائر، بعضها يتحرك، ليعرض صورتين للنبتة، بين نبتٍ أخضر، وزهرٍ أصفر، وشجرٍ تغطي أغصانه الشائكة شمساً على وشك الغروب، بأسلوب جديد يختلف عن المعارض الأخرى.

ولم يكن الأدب بعيداً عن عمل ميثة العميرة، التي تناولت نبتة العرفج، النبتة التي كانت من الشجيرات الشائعة في شمال شرق الإمارات، ولكنها اختفت بسبب الرعي الجائر في العديد من المواقع، حيث استعرضت من خلال عملها الذي شكلته بالوسائط المتعددة، كلمة العرفج، وهي تتسلل إلى القصائد والحكم، صافّةً إياها على لوحة تشبه مربعات الشطرنج، بالإضافة إلى تغليفها لوحةً أخرى، بالورق الذي ينمو حول هذا النبات ذي الفروع المتناثرة والمعقدة.

الدوائر، نافذة مطلة على النباتات

تقول عائشة العسيري عن سبب اختيار الدوائر على غير عادة المعارض في استخدام الإطار المربع والمستطيل للمعروضات: «نحن في سعي دائم لأن نمنح الزائر بالإضافة إلى المعرفة، والفن، القدرة على الاستمتاع بالأعمال المعروضة، أن يرى العمل من وجهة نظره هو، وأن يكون بأسلوب قريب إلى قلبه. فأحد الزوار مثلاً طلب السماح بأن يخلع نعليه أثناء تجوله في المعرض، ليشعر بأنه يمشي على العشب، وكانت تجربة ممتعة بالنسبة له. تغيير شكل عرض الأعمال، يجعل لكل زائر نظرة مختلفة عن الآخر إليها، وإحساساً مختلفاً».

  • موسوعة الفنانين

«انستقرام» موسوعة الفنانين

بالإضافة إلى تشجيعهم العاملين معهم في الدائرة، فإن المجمع الثقافي، ومن أجل تنظيم المعرض، لم يكتف بالبحث عن النباتات الأصلية في الإمارات، ولم يستند في تنظيمه على الفنانين الذين يحوي قاعدة بيانات لهم، وإنما بحث عن الفنانين من خلال تطبيق «انستقرام» بسبب وجود الفنانين بقوة فيه، وعرضهم المميز لإبداعاتهم، خاصة أولئك المهتمين بتصوير النبات، والطبيعة. وتخبرنا العسيري، أن من الفنانين المشاركين الذين اكتشفوا عن طريق البرنامج، حسن الحوسني، الذي لم يكن يعدّ نفسه من الفنانين، ولكن بعد الاطلاع على ما يبثه في حسابه على انستقرام، وتقييمه، دُعي من قبل المجمع الثقافي من أجل المشاركة، دعماً له ولإبداعه، ورحب بالفكرة وفرح بها.

أهمية المعرض

كل عمل معروض، ليس صورةً فحسب، فبجانبه يجد الزائر معلوماتٍ عن النبتة، وأماكن وجودها، وطولها، وظروفها البيئية، وفائدتها، فيشعر بأنه يدخل إلى عوالم كتابٍ قيّم، بأوراق كبيرة، يتمشى بمحاذاتها، متعرفاً على كل ما ينبت في أرضه، هي طريقة مثلى لكي يخبر بها الزائر بأنّ هذه الأرض لم تكن للنخيل والغاف وشجرة السمر فحسب، وإنما هي أرض غنية بكل نبتة ذات قوام جميل ومزهر. المعرض يبدأ في الربيع، ويحمل صور الزهور على جدرانه الخارجية، ليشعر الزائر بالحياة، قبل أن يستوعبها أكثر بين أركانه الداخلية.