وها نحن في قلب موسم الربيع الذي بدأ في شهر فبراير ولن ينتهي قبل شهر مايو، الطقسُ جميل والزهور الملونة تجذب النظر وتعزّز الراحة النفسية، ولكن هذا له ثمن، فثمة أعراض مزعجة بدأ بعضكم يشعر بها، في الأنف والعين وفي التنفس والجلد. حبوب اللقاح التي تنتجها الأشجار والأعشاب والورود تنطلق في هذا الموسم في الهواء لتخصيب النباتات الأخرى وحين تصطدم بالجسم تبدأ أعراض حساسية فصل الربيع في الظهور. في الأساطير شائعات كثيرة عن علل الحساسية الكثيرة وعن علاجات طبيعية قد لا تخطر في بال. لكن، ماذا يقول الطب عن أعراض الحساسية والربو في هذا الفصل؟ وكيف السبيل إلى عبوره بأقل أعراض حساسية ممكنة؟ وهل حساسيّة الربيع ربيعيّة فقط أم قد تشتدّ في الربيع وتنسحب إلى الفصول الأربعة؟

حين نقول حساسيّة ربيعيّة معناه استعداد الإنسان للتعامل مع بيئته بشكلٍ غير طبيعي، بمعنى أنه قد يولد مع استعداد جيني لهكذا تعامل غير طبيعي، الجينات إذاً هي المسؤولة عن أي ظواهر جسدية: أنفية، جلدية، أو تنفسية. 

الاختصاصي في أمراض الحساسيّة والمناعة الدكتور الياس خيرالله الذي يعالج مرضى حالات الحساسيّة بين بيروت وباريس يقول: «إن حساسيّة حبوب اللقاح تؤثر على الأغشية المخاطية للأنف والعينين، ويظهر هذا على شكل سيلان واحتقان في الأنف وحكة في العينين وفي الأنف والأذن الداخلية وفي سقف الحلق. هذا ما تتسبب به الحساسية المفرطة لحبوب اللقاح المنتقلة عبر الهواء. وعندما تلمس مسبّبات الحساسية الغلوبولين المناعي المرتبط بالخلايا داخل أنسجة الملتحمة والأنف المخاطية تفرز الأنسجة مركبات مثل الهستامين واللوكوترين مما يتسبب بأعراض الحساسية المُزعجة». 

سؤالٌ بديهي يُطرح: ماذا عن جديد علاجات الحساسية في العالم؟ يجيب الدكتور خيرالله: «هناك علاجات بيولوجية جديدة تُعتمد عند ظهور أعراض شديدة severe، بعد أن تكون قد استنزفت كل العلاجات الأوليّة المعتمدة، وتتمثل بعلاج يُطلق عليه إسم العلاج المناعي، ويتضمن حقن الحساسية حيث تحتوي كل حقنة حساسية على كمية من مادة محددة أو مواد تحفّز التفاعلات التحسسية وتكفي لتحفيز جهاز المناعة. هذه المادة، بحسب الطبيب خيرالله، تستخدم نفسها في علاج أمراض المفاصل وحتى بعض أنواع السرطانات. 

أمراض الحساسية، برأي طبيب، مشكلة كبيرة ترسخ في عقل كثير من البشر، إذ يعتقد الناس أن أي عارض جلدي يستجد سببه تهيج حساسية. وهناك من يظنون أن الحساسية ستخفّ مع التقدم في العمر، عند سن البلوغ، لكن ما يحدث اليوم أن بعض الحالات تصل إلى عيادة طبيب الحساسية من مرضى متقدمين في السنّ. ويشرح خيرالله: في مثل هذه الحالات نسأل المريض الذي عانى فجأة من حساسية ما، قد تكون من الأكل، أو جلدية، وقد تكون بسبب وجود عثّ أو حشائش معينة. والسؤال الأول الذي نطرحه في مثل هذه الحالات على المريض: هل بدلت نمط حياتك؟ هل تناولت طعاماً لم تتناوله من قبل؟ هل انتقلت إلى سكن جديد؟». 

هل هناك علاج جذري للحساسيّة؟ يجيب خيرالله: «الحساسيّة قد تهدأ لكنها لا تزول نهائياً، وهنا يجب على المريض أن يكتشف طبيعة الحساسية لديه فإذا كانت بسيطة يكون العلاج بسيطا. قد تكفي حبّة دواء لتهدأ الحساسية. في المقابل، هناك حالات شديدة قد يستلزم علاجها فترة طويلة، وهنا قد يجري استخدام العلاجات المناعية. تقوية المناعة أساسية ولها دور كبير في العلاج. 

  • الربو والحساسية

التغيير المناخي العالمي الذي نشهده يؤثر على البشر ويعزّز حالات الحساسية. 

حبوب اللقاح التي تنبعث من بعض الحشائش والأزهار في فترة الربيع، تتطاير مع الهواء، وتبقى بمستوى أجسادنا وتؤثر علينا، أمرٌ آخر يتسبب به التغير المناخي يتمثل بأن فصل الربيع أصبح أطول، وهذا يلعب دوراً في زيادة حالات الحساسية، كما أن الرطوبة تؤثر أيضاً ومثلها الغبار، واستخدام المكيفات مدة طويلة من دون تنظيف نظام الفلترة يؤثر بقوة على من لديهم استعداد للإصابة بالحساسية. 

نبقى مع طبيب الحساسية لسؤاله عن نسبة المرضى عالمياً؟ يجيب: «تشير التوقعات إلى أن العالم مع حلول سنة 2030 سيعاني نصف سكانه، أي 50 في المئة منهم، من أحد أنواع الحساسية». 

هناك من يخلط بين الربو والحساسية، فهل هما بالفعل واحد؟ «الحساسية، في التعريف العام، هي استعداد الإنسان للتعامل مع بيئته في شكل غير طبيعي، والجينات، هي المسؤول الأول عن أي ظواهر جسدية في الجهاز التنفسي أو في الجلد، والتي تأتي في شكل ربو أو أكزيما. وإذا كانت عوارض الحساسية قد تظهر في مواسم معينة، في الربيع وفي الخريف وفي موسم اللوز والباذنجان والفول وعند تفتح البراعم وفي فترات هبوب الغبار، فإن الربو يكون في أحيان كثيرة، شكلاً من أشكال تطور الحساسية مصحوباً بنوبات ضيق تنفس متكررة، تؤثر على الممرات الهوائية المؤدية من الرئة وإليها وفي حال لم يتم التعامل معها، في شكل صحيح قد تؤدي إلى انسداد كامل في الرئتين وربما إلى الموت». 

ما دور الوراثة هنا؟ هل الحساسية وراثية تتناقلها العائلة من الجد إلى الأب إلى الابن؟ «الحساسية، كما سبق وقلنا، استعداد جيني وراثي. فإذا كان أحد الوالدين مصاب بها يكون الطفل مستعداً للإصابة. وإذا كان كلا الوالدين مصابين، يكون الطفل حتماً مصاباً. وأود أن ألفت هنا، إلى أن الأم أكثر قدرة من الأب على توريث طفلها حساسيتها، ولا يوجد حتى الآن، تفسير علمي لهذه الحالة». 

5 أسئلة 5 أجوبة

1 . هل يمكن أن يتحسس الإنسان من نوع معين من الأعشاب دون غيره؟

هذا يحدث طبعاً، ثبت أن بعض الأعشاب تحتوي على عناصر محسسة متشابهة، ومن يتحسس من أحدها، يعود ويتأثر بها كلها. نذكر أن عائلة النباتات تزيد عن ألف ومئتي صنف في العالم لكن القليل منها يعتبر محفزاً للحساسية. 

2 . تطوّرت إصابتك إلى ربو؟ تحاول أن تتكيف مع تطور الحالة بعلاجات متوافرة ونصائح من الأصدقاء والجيران؟ 

تمهل، فأنت قد تحتاج إلى طبيب في الحالات التالية فوراً:

-أصبح تفوهك بالكلمات صعباً.

-تحول لون شفاهك وأظافرك إلى أزرق غامق.

-تفتح أنفك كثيراً عند التنفس. ظهور تقلصات وانحدارات بين أضلعك عند التنفس.

-حدوث تسارع في دقات قلبك.

-لم تعد قادراً على التحرك بسهولة والمشي 

3 . هل يجب التوقف عن تناول دواء الحساسيّة إذا شعرتم بتحسن؟

معظم أدوية الحساسية تعمل بشكلٍ أفضل إذا تمّ تناولها يومياً، بدءاً من أسبوع إلى أسبوعين قبل بدء موسم الحساسية. فعندما يكون الدواء موجوداً في الجسم فإنه يعمل بشكلٍ أكثر فعالية عندما تتعرض لمسببات الحساسية. بكلامٍ آخر، يفيد جداً أن تفهم توقيت أعراض الحساسية لديك. 

4 . كيف يمكن التمييز بين الزكام العادي وسيلان الأنف بسبب الحساسية؟

تشبه أعراض التحسس أعراض الرشح، بينها سيلان الأنف والسعال ووجود بلغم مع فارق أن لا حرارة في حالة الحساسية.

5 . متى تتحول الحساسيّة إلى ربو؟

كل حساسية قادرة أن تتحول إلى ربو، ويمكن أن تظهر أو تختفي عند حدوث تبدلات هورمونية في الجسم، وحظوظ النساء، في هذا الإطار، أكبر لأنهن يمررن بتغيرات هورمونية أكثر من الرجال، سواءً عند البلوغ أو الحمل أو في مرحلة انقطاع الطمث.