نتوقف؛ لنتأمل البساطة العميقة للوجود، حيث يتلاشى الصخب، فيتسلل السؤال الأبدي: ما الذي يجعلنا بشراً؟.. هل هو العقل الذي يفكر، أم القلب الذي يشعر، أم الروح التي تتطلع؟ 

في داخل كل واحد منا قصة، هي مزيج من الأحلام والآمال، والأخطاء والانتصارات. بينما نسير على طريق الحياة، نتشابك مع روايات الآخرين. فالإنسانية هي هذا النسيج، المحبوك من خيوط المشاعر والأفكار، واللحظات والذكريات، وهي درس في التواضع والتعاطف، ودعوة إلى رؤية العالم من خلال عيون الآخر، وإدراك أننا - في جوهرنا - لسنا مختلفين كثيراً. فلنا أن نتعلم، ولنا أن نحب، ولنا أن نتأمل. وفي كل ذلك، لنا أن نكون أكثرَ إنسانيةً.

أما الواقع، فإنه ينبئ بأن في كل أرجاء العالم تتصاعد رائحة الصراع، ودفع البشر بعضهم بعضاً نحو المزيد من التصارع على البقاء، وكأننا نستعيد سيرة الأوائل، الذين لم يمتلكوا من المعرفة وأدوات الحضارة إلا ما حافظوا به على بقائهم في صراعهم مع الطبيعة والموجودات الأخرى. لكننا في العصر الحديث نعيش صراعاً للبقاء ضد بعضنا بعضاً؛ فما أحوجنا الآن إلى أن تعيد البشرية بلورة مفهوم الإنسانية، ودمجه مع الوعي لخفض حدة تلك الصراعات إلى أدنى مستوياتها، وماذا لو كان لديّ حلم بأن نخفضها إلى الدرجة صفر؟!

مفهوم الإنسانية يشير إلى القيم والمبادئ، التي تدعم الاحترام، والعناية بكرامة الأشخاص ورفاهيتهم، ويتضمن هذا المفهوم احترام حقوق الإنسان، والتعاطف مع الآخرين، والعدالة الاجتماعية، واللطف. 

الإنسانية تعبر عن التعاون والتآزر بين الناس، وتركز على الجوانب المشتركة بين البشر، بغض النظر عن الجنسية، أو العرق، أو الدين.

لا بد أن ندرك أن حق كل إنسان في الحياة هو المركزية الرئيسية، التي نحتاج إلى تأصيلها في ثقافة المجتمعات، بدءاً من الطفل لينمو وعيه على الإيمان بهذا الحق المطلق والحتمي، مع إدراك أن هذا الحق يجب ألا يدفعنا نحو الصراع؛ فكثير من المجتمعات والثقافات الانعزالية تعيش أوهام الفوقية بأنواعها، سواء فوقية عرقية، أو دينية، أو طائفية، أو حضارية، أو تاريخية. هذه الثقافات تدفعها الفوقية، ونعرات الاستعلاء، إلى غرس بذور الصراع؛ لتنمو على أغصانها أرواح مشوهة أنانية، لا ترى حقاً للآخر في الحياة، وتنمي معها عنصرية مقيتة، تنثر الغبار على الإنسانية كمفهوم قيمي جامع للبشرية.

إن العقل في المفاهيم الإنسانية يحظى بأهمية بالغة، حيث يُعتبر الأداة الأساسية للمعرفة والفهم. ويُؤَكّد على الاستدلال العقلاني والتفكير النقدي كوسيلتين للوصول إلى الحقيقة، وفهم العالم. ومن ثم تقدير العلم كأداة لتحسين الظروف الإنسانية، والدفع باتجاه تأمين حق الجميع في الحياة بكرامة. 

نحتاج أن نعود إلى مقدمة المقال، ونتوقف لنتأمل هذا الواقع، وسط الضجيج والصخب اللذين يجتاحان العالم، ونُخرج الإنسانية من تحت ركام الصراعات؛ لنستعيد بعضاً من وجه الحياة المشرق!