شيخة عبيد: الإماراتية لونت محيطها بإبداعات أناملها

تجسد شجرة النخيل مدى تمسك دولة الإمارات بتراثها الأصيل الذي يرتبط بشكل وثيق بتلك الشجرة المباركة، التي أبدع أهلها في الاستفادة من كل ما تجود به، بعدما دخلت في جوانب الحياة المختلفة عند الإماراتيين قديماً، فبنيت البيوت من سعفها، ودخلت في الزينة وصناعات مختلفة، فكان لها التأثير القوي في الماضي والحاضر

تجسد شجرة النخيل مدى تمسك دولة الإمارات بتراثها الأصيل الذي يرتبط بشكل وثيق بتلك الشجرة المباركة، التي أبدع أهلها في الاستفادة من كل ما تجود به، بعدما دخلت في جوانب الحياة المختلفة عند الإماراتيين قديماً، فبنيت البيوت من سعفها، ودخلت في الزينة وصناعات مختلفة، فكان لها التأثير القوي في الماضي والحاضر.

  • شيخة عبيد

تحكي الوالدة شيخة عبيد، حامية التراث من مركز الصناعات التراثية والحرفية، التابع للاتحاد النسائي العام، في حديثها مع مجلة «زهرة الخليج»، قصة من قصص التراث الإماراتي، وتسرد حكاية أهل الإمارات مع شجرة النخيل، وكيف تمتعوا بكل ما تحمله من خيرات؟ والتي كانت سبباً رئيساً في انتشار كثير من الحرف والمهن الشعبية التقليدية بالدولة، لتبرز معها إبداعات المرأة الإماراتية، وكان خير مثال على ذلك حرفة «سفّ الخوص»، والذي يقصد به تشكيل سعف النخيل في أشكال تلبي احتياجات الحياة.

الوالدة شيخة عبيد، لها باع طويل في حرفة «سفّ الخوص» تخطت الـ40 عاماً، والتي تعلمتها منذ الصغر، وهي تشارك في المهرجانات التراثية، حيث تمارس عملها بدقة وإتقان، وتحرص على تعليمها لصغار السن، ومؤكدة أن هذه الحرفة تحتاج إلى الكثير من الصبر. في حوارنا التالي نتعرف منها على مسيرتها في صناعة حرفة «سفّ الخوص»، ودورها الثري في الحفاظ على المهن التراثية الإماراتية.

  • الإماراتية لونت محيطها بإبداعات أناملها

حدثينا عن بداية تعلمك حرفة «سفّ الخوص»!

تعلمتها من أمهاتنا في الماضي، اللاتي استطعن حينها الاستفادة من كل جزء من أجزاء النخيل. ومع المشاهدة والمعايشة تمكنت من احتراف مهنة الأجداد لتتوارث عبر الأجيال.

اجتهاد وتميز

تميزت المرأة الإماراتية بالقوة والعطاء، كيف تجسدت مظاهر هذه الصفات قديماً؟

تجسدت من خلال امتهان المرأة الإماراتية العديد من المهن التي لونت محيطها بإبداعاتها وإنجازاتها، فهي لم تقف مكتوفة الأيدي أمام كثرة الأعباء الملقاة على عاتق الرجل، الذي كان يقضي الأيام والشهور في التنقل والعمل من مكان إلى آخر سعياً لكسب الرزق، بل إن المرأة أظهرت اجتهاداً وتميزاً في الكثير من الجوانب، وزاولت بعض المهن والحرف التي وإن لم تكن منتوجاتها تحقق مردوداً مادياً كبيراً، إلا أنها توفر الاحتياجات الأساسية للمنزل، وذلك إلى جانب واجباتها في تربية الأبناء والاهتمام بشؤون البيت. وكانت حرفة «سفّ الخوص» من أبرز الحرف التي زاولتها المرأة في الماضي.

  • عملية «سفّ الخوص»

كيف تتم عملية «سفّ الخوص»؟

 حرفة «سفّ الخوص» لا تتطلب أدوات أو مستلزمات، وإنما الخبرة والإبداع، إذ تحتاج إلى التركيز والمتابعة، حيث تقوم النساء بتنظيف الخوص ويشرخ، وكل كمية من سف الخوص تأخذ لوناً مختلفاً، ثم تنقع أعواد الخوص في الماء لتليينها، وتسهيل جدلها وتشكيلها، ومن ثم تشذب وتقص الزوائد منها لتصبح جاهزة لكي يتم استخدامها في صناعة العديد من الأدوات بطريقة يدوية خالصة. وتتميز الحرف اليدوية التي مارستها النساء في الإمارات قديماً بالابتكار والعناية بالتفاصيل الفنية الدقيقة، وهي تحتاج مهارات عالية في التنفيذ للحفاظ على جمالياتها.

هل كان هناك وقت معين بالسنة لمزاولة هذه المهنة الشعبية؟

 لا بل تستمر عملية السف عند النساء طيلة أيام السنة، إذ تدخل منتوجاتهن في الاستخدامات اليومية، ومنها سفرة الطعام التي يطلق عليها البعض «السرود»، كما ابتكرن السلال والحقائب والمهفات «المراوح» والحصير «البساط»، وكذلك «الجفير والقفة والمزماة» التي تستخدم لنقل التمر أو الرمل في الماضي، وغيرها من الأشياء التي يقبـل الأشخاص على شرائها في وقتنا الحاضر ليزينوا بها مساحـات مـن منزلـهم الحديـث.

رحلة إبداع

ماذا عن طقوس ممارسة المهنة في السابق؟

إن النساء في الماضي كن يمارسن حرفة «سفّ الخوص» في الصباح والمساء، وذلك بعد إنجاز واجباتهن المنزلية، إذ يتوجهن إلى منزل إحدى جاراتهن ويحضرن القهوة والتمر، لتبدأ بعد ذلك رحلة الإبداع ممزوجة بـ«سوالف الفريج»، ويتوقفن بين الحين والآخر لاحتساء القهوة، وتعود بعض النساء إلى بيوتهن حين يقترب أذان الظهر من أجل تحضير وجبة الغداء، والمرأة التي أوجدت من ينوب عنها في ذلك، تكمل عملها مع صاحبة المنزل التي تضطر لإيقاف النسج بين الحين والآخر لتطمئن على «الطبخة» التي تحضرها هي الأخرى.

  • استدامة الحرف التراثية

هل ما زالت تمارس الحرفة؟

نساء كثيرات من مختلف الفئات العمرية يتقن حتى اليوم صناعات يدوية مختلفة من سعف النخيل، ويتخذنها مهنة لهن. وقد تعلمنها من الجدات والأمهات، لما لها من أهمية من كشف واقع حياة الأمهات في الماضي، وكيف استطعن تطويع الخامات البسيطة لإنتاج أدوات ومقتنيات تلبي احتياجاتهن، وتسهل عليهن الحياة.

ما دوركم في استدامة الحرف التراثية عبر الأجيال؟

أؤمن بالواجب الذي يقع على كاهلنا لتأريخ تراث آبائنا وأجدادنا وحياتنا الأولى، لذا نعمل على غرس روح العمل في نفوس أبناء الجيل الحالي وربطهم بالماضي وتذكيرهم بالمهن الأصيلة. وهذا ما نقوم به من خلال عملنا في مركز الصناعات التراثية والحرفية التابع للاتحاد النسائي العام، الذي يحرص على التواجد في المهرجانات التراثية المحلية والدولية، وكذلك يحرص على عمل دورات تثقيفية لطالبات المدارس، بهدف الإلمام بالعادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة التي تعزز هوية الموروث في نفوسهن، وتغرس قيم الولاء والانتماء.