شعاع زينل: لهجتنا مرآة لهويتنا وتراثنا الثقافي
من منطلق إيمانها العميق بأن اللغة واللهجة عنصران جوهريان في بناء الهوية الوطنية، تبرز شعاع فريد عبدالرحمن زينل، كإحدى الشخصيات الرائدة في مجال تعليم اللهجة الإماراتية، بخبرة تجاوزت العقدَيْن في ميادين التعليم. وتكرّس زينل جهودها؛ للحفاظ على الموروث اللغوي الإماراتي وتعزيزه، من خلال مبادرات تعليمية مبتكرة، تُجسّدها في كتابها الرائد «Yallah Emirati Arabic»، الذي يُعد جسراً ثقافياً يربط الناطقين بالعربية، وغير الناطقين بها، باللهجة الإماراتية، كما يُمثل خطوة مهمة لتمكين المغتربين الإماراتيين من التحدث بلهجتهم المحلية؛ ما يعزز شعورهم بالانتماء إلى مجتمعهم. في حوارها مع «زهرة الخليج»، نسلط الضوء على تفاصيل رحلتها، والتحديات التي واجهتها، وخططها لتوسيع تأثير كتابها.. وتالياً نص الحوار:
بدايةً.. حدّثينا عن خلفيتك المهنية، ومشوارك التعليمي، والعملي! حصلت على درجة البكالوريوس في التربية، تخصص اللغة الإنجليزية، من جامعة الإمارات. وأصبحت معلمةً في مدارس التعليم الثانوي بمدينة دبي، لمدة عشر سنوات، قبل أن أتولى منصب وكيلة مدرسة. لاحقاً، انتقلت إلى «العمل الحر»، فبدأت بتقديم دروس تعليمية في اللهجة الإماراتية لغير الناطقين بالعربية، وكذلك للناطقين بها، من خلال جلسات تدريبية في الشركات، والمؤسسات الثقافية.
انتماء.. وتماسك
ما الذي ألهمك تأليف «Yallah Emirati Arabic»، وما الرسالة التي تسعين إلى إيصالها من خلال «الكتاب»؟
استلهمت الفكرة من طلابي، مقيمين ومواطنين، الذين يواجهون تحديات في فهم اللهجة، فشجعوني على إصدار كتاب لتعليم اللهجة الإماراتية بطريقة واضحة ومتدرجة، تضمن سلامة اللهجة نحوياً وتعبيرياً، بجانب الاعتماد على التقنيات المختلفة. رسالتي هي الحفاظ على لهجة بلادي، خاصة بين المغتربين الإماراتيين، ما يعكس انتماءً قوياً، وتماسكاً ثقافياً، حتى أثناء العيش خارج الدولة؛ ويجعلهم جزءاً من مجتمع متجانس.
-
شعاع زينل: لهجتنا مرآة لهويتنا وتراثنا الثقافي
هل هناك تجربة شخصية أثرت في قرار التفرغ لتعليم اللهجة الإماراتية؟
بداية رحلتي التعليمية في تدريس اللهجة الإماراتية، كانت على سبيل التجربة، فلم أكن أسمع مسبقاً عن معلم لهجة محلية في الميدان التعليمي، وكان الأمر يقتصر على معلم اللغة العربية؛ فكانت هذه المعضلة تؤرقني، وتشعرني بأنني انتقصت من مكانة اللغة العربية الفصحى بجعل «اللغة البيضاء» تحل محلها كمنهج تعليمي. لكن مع ازدياد الطلب على تعلم اللهجة الإماراتية، وشغف الطلاب بها، ووجود جمهور كبير مغرم بلهجتنا من الجنسيات كافة؛ بدأت أرى الأمر من منظور مختلف. أما التجربة، فكانت قبل 12 عاماً، عندما عملت مع مجموعة من المهندسين بشركة استشارات هندسية، ورغم تنوع جنسياتهم، إلا أنهم كانوا ملتزمين بحضور دروس اللهجة الإماراتية، وقد شعرت بشغفهم، ورغبتهم في التعلم؛ ما جعلني أدرك أهمية تعليم اللهجة كرسالة ثقافية وإنسانية. منذ ذلك اليوم، أخذت على عاتقي تدريس اللهجة الإماراتية كمعلمة مستقلة.
كيف تم تصميم الكتاب؛ ليكون شاملاً، ومتدرجاً، في مستوياته التعليمية؟
صمّمت الكتاب بطريقة منهجية، فقسّمته إلى وحدات تعليمية متدرجة تبدأ بالأساسيات، مثل: النطق، وقواعد النحو، ثم تتوسع؛ لتشمل مواضيع أكثر عمقاً، وتعقيداً. وكل وحدة تحتوي على أمثلة عملية، وتعبيرات شائعة، تُستخدم في الحياة اليومية؛ ما يعزز ارتباط المتعلم بالواقع الإماراتي. كما أنني ضمّنت صفحات الكتاب روابط صوتية (QR Codes)، تتيح للمتعلمين ممارسة مهارات السمع والنطق بطريقة تفاعلية.
ما أهم العناصر الثقافية، التي حرصتِ على إبرازها في كتابك؟
اللهجة الإماراتية مرآة تعكس تاريخ وثقافة وهوية الدولة. في الكتاب، أدرجت قصصاً من طفولتي، وقمت بدمجها في دروس الفعل الماضي. كما أدرجت عاداتنا وتقاليدنا وموروثاتنا الشعبية، ضمن وحدات تعليمية خاصة. على سبيل المثال، تناولت كيفية الترحيب بالضيف، وفن التعبير والرد في المناسبات المختلفة. واستفدت، أيضاً، من وحدة الزي الوطني كوسيلة لشرح درس الوصف؛ ما أضاف بُعداً ثقافياً إلى المحتوى التعليمي. بالإضافة إلى ذلك، تناولت - في مقدمة الكتاب - كيفية ولوج بعض الكلمات الدخيلة إلى لهجتنا المحلية، كالكلمات الهندية والفارسية والإنجليزية والبرتغالية؛ فهذا التنوع اللغوي يعكس التفاعل الثقافي، الذي شهدته الدولة عبر العصور.
ما أبرز التحديات، التي واجهتك أثناء تأليف الكتاب؟
التحدي الأكبر كان اختلاف اللهجات بين مناطق الدولة؛ فحاولت استخدام مفردات بسيطة ومفهومة للجميع. كما أن كتابة اللهجة الإماراتية بالحروف الإنجليزية (transliteration) كانت تحدياً آخر، حيث كنت أهدف إلى تسهيل القراءة على المتعلمين غير الناطقين بالعربية.
فخر.. وامتنان
كيف كانت ردود الأفعال حول كتابك، وما أبرز التعليقات التي أثرت فيك؟
كانت ردود الأفعال إيجابية جداً، خاصة من الإماراتيين، الذين كانوا بانتظار هذا النوع من الكتب التعليمية؛ لإهدائها إلى محبي اللهجة الإماراتية، من غير الناطقين باللغة العربية. كما كانت رسائل التهنئة، التي وصلتنا، معبرة جداً، فكانت مليئة بالفخر والامتنان لهذا العمل الذي بُذِلَ فيه جهدٌ كبيرٌ للحفاظ على هويتنا، وقد ساهم في بناء جسر للتواصل مع الثقافات الأخرى. كذلك، أعتبره مرجعاً للجيل الإماراتي الجديد. أبرز التعليقات التي وصلتنا، كان رسالة شكر وتقدير من طالب روسي، يعبر فيها عن استمتاعه بتعلم لهجتنا بطريقة واضحة ومفهومة.
حدثينا عن تجربتك في تقديم محاضرات تعليمية، موجهة إلى العائلات، والطلاب!
تقديم المحاضرات حول اللهجة الإماراتية كان من أكثر التجارب إلهاماً، خاصة عند مخاطبة أولياء الأمور حول أهمية ترسيخ اللهجة لدى الأبناء، ودورها في تعزيز هويتهم. ومن خلال هذه اللقاءات، أصبحت جزءاً من الحوار المجتمعي، وأسهمت في رفع مستوى الوعي بقيمة اللهجة المحلية في النسيج الثقافي الوطني.
كيف تواكبين التطورات الحديثة في مجال تعليم اللغات، وما الابتكارات التي تنوين إدراجها مستقبلاً؟
أتابع التطورات التكنولوجية باستمرار؛ لأنني أرى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم يمكن أن يكون له تأثير كبير في تسهيل تعلم اللهجة. كما أفكر في تطوير تطبيقات تعليمية، تساعد الطلاب في ممارسة اللغة بشكل تفاعلي. كذلك، أود تطوير تطبيقات تحتوي على تمارين لغوية، وألعاب ذهنية؛ لتسهيل حفظ العبارات المحلية، وتصحيح الأخطاء النحوية؛ ما يزيد فرص تحسين المهارات.
ما نصيحتك للمتعلمين الجدد، الذين يرغبون في تعلم اللهجة الإماراتية؟
أنصحهم بالصبر، والثقة بالنفس؛ فاللهجة الإماراتية ليست بالصعوبة التي قد يتصورها البعض، والشعب الإماراتي بطبيعته مضياف ومتعاون، ويشجع الآخرين على التعلم والممارسة، وأفضل طريقة لإتقانها هي التحدث بها، والانخراط في المجتمع، دون خوف من الخطأ.
هل هناك خطط لتوسيع نطاق تأثير كتابك، وتعليم اللهجة الإماراتية؟
اليوم، تعدُّ وسائل التواصل الاجتماعي أداة فعالة لتسويق أي منتج؛ لذا قمت بإنشاء حساب مفتوح على «إنستغرام» باسم «Yallah.Emirati.Arabic»، وربطته بدروسي عبر الروابط المتاحة على منصة «يوتيوب». كما تعاونت مع المراكز الثقافية والتعليمية، ووسائل الإعلام؛ لتسليط الضوء على أهمية الكتاب في الحفاظ على ثقافتنا. كذلك، تم طرح فكرة جديدة من قِبَل السفارات؛ لإقامة جلسات حوارية مع مجموعة من طلاب اللغة العربية من دول مختلفة؛ بهدف معرفة الكلمات والمصطلحات المستخدمة في اللهجة الإماراتية؛ فهذه الجلسات تعزز التواصل الثقافي، وتوسع نطاق تأثير الكتاب.