هند خليفات: أبحث عن العمق لا الضجيج

في تجربة تلفزيونية، جمعت بين القرب الإنساني، والبساطة العميقة.. قدّمت الإعلامية، هند خليفات، برنامج «قهوة مع هند» على «شبكة أبوظبي للإعلام»، الذي يعد نموذجاً للبرامج الحوارية الرمضانية، بعيداً عن الصخب، والافتعال؛ ليصبح حديث الجمهور، ونقّاد الفن، على حد سواء؛ لتصل إلى قلوب المشاهدين من خلال صوت هادئ

في تجربة تلفزيونية، جمعت بين القرب الإنساني، والبساطة العميقة.. قدّمت الإعلامية، هند خليفات، برنامج «قهوة مع هند» على «شبكة أبوظبي للإعلام»، الذي يعد نموذجاً للبرامج الحوارية الرمضانية، بعيداً عن الصخب، والافتعال؛ ليصبح حديث الجمهور، ونقّاد الفن، على حد سواء؛ لتصل إلى قلوب المشاهدين من خلال صوت هادئ، وحضور صادق، ونقاشات تمسّ جوهر الإنسان. هذه التجربة ليست سوى امتداد لمسيرة متعددة الأبعاد.. فهند كاتبة، وفنانة تشكيلية، ومدربة في فنّ التواصل، تؤمن بأن الفن حالة، وأن الإعلام الحقيقي لا يعلو بالصوت، بل بالمعنى. في هذا اللقاء مع «زهرة الخليج»، تتحدث خليفات عن رحلتها الشخصية والمهنية، ودور الفن والكتابة في تشكيل رؤيتها للعالم، وتجربتها الإعلامية التي أعادت تقديمها إلى الجمهور:

  • هند خليفات: أبحث عن العمق لا الضجيج

بداية الرحلة

من هند خليفات، وكيف تكوَّنت هويتك المهنية، بين: الإعلام، والفن التشكيلي، والكتابة؟

أنا امرأة تكتب، وترسم، وتروي الحكايات، وتُجيد صناعة القهوة. إنني من مواليد البتراء جنوب الأردن، وأحمل درجة «الماجستير» في الإعلام، وأقيم في بلدي الثاني الإمارات بعاصمتها المتجددة دائماً أبوظبي. إنني لا أتعامل مع الفن كمهنة، بل كحالة تجلٍّ، فأكتب كفنانة، وأرسم كفنانة، وأتحدث بروح فنانة تعشق الأصالة، والتفرّد، والبساطة، في الوقت ذاته!

لاقى برنامجكِ «قهوة مع هند»، الذي عُرِضَ على قناة أبوظبي رواجاً كبيراً.. ما سرّ هذا الحضور؟

«البرنامج» جاء بتوقيع فريق محترف من «شبكة أبوظبي للإعلام». كنا نريد أن نقدم شيئاً يشبه رصانة وأصالة أبوظبي؛ فلم نلهث خلف «الترند»، أو الإثارة، بل قدمنا جلسة حقيقية، فيها: قهوة، وذاكرة، وإنسان. كنت أستمع إلى الضيف بروحي، وأتوحّد مع طاقته، وأجيد صناعة قهوته، وآخذه في جولة داخل ذاكرته، وأمسك «بيد قلبه» رويدًا رويدًا، وأغدق عليه بكثير من القهوة، والفن، والرسومات. والنتيجة كانت حباً كبيراً من الجمهور العربي داخل الوطن وخارجه، وقد حصد «البرنامج» المراتب الأولى في استطلاعات عدة.

على مدى حلقات «البرنامج».. من الضيوف الذين تركوا أثراً خاصاً لديكِ؟

كل ضيف ترك نقشًا وبصمة في روحي، وكثيرون منهم أصبحوا من الأصدقاء الأعزاء. لكن، ليس سرًا إن قلت: إن لقائي بالقامة الإنسانية الثرية، الأستاذ أيمن زيدان، كان منعطفًا داخل «البرنامج»، وأيضًا داخل روحي؛ فقد كان الحوار خارج أي إعداد أو تحضير، وكنا في حالة تماهٍ إنسانية عميقة، تداعى هو بَوْحًا، ونسيت أنا الكاميرات حينها.. للحظات!

  • هند خليفات: أبحث عن العمق لا الضجيج

هل كنتِ تتوقعين هذا النجاح، وكيف تعاملتِ مع التفاعل الجماهيري؟

كنت واثقة من أثر التجربة، لكن حجم التفاعل فاق التوقعات؛ فقد كان «البرنامج» مساحة روحية أكثر منها إعلامية. ولمستُ ذلك من تعليقات الجمهور، ومن ضيوف أكدوا أنهم شعروا بالراحة، والانتماء، خلال التصوير.

كيف أثر نجاح «البرنامج» في هند خليفات؟

صراحةً.. أصبحت أكثر حساسيةً تجاه وَقْع الكلمة، وأكثر إيمانًا بأن مقولة: «الجمهور عايز كده» كذبة كبرى، صدّرها لنا بعض تجار الفن والإعلام؛ فحين تملأ طبق الجمهور بطعام حقيقي؛ لن يلتفت إلى فتات الحلوى الضارة ذات النكهات الاصطناعية!

الألوان تتكلم

الفن التشكيلي حاضر بقوة في حياتك.. كيف تعكس أعمالُك هويتَك؟

الفن مرآة لهويتي البدوية العربية؛ ففي وجوه أبطالي ملامح قاسية، وعيون كبيرة، كما تغيب الأشياء المادية، وتحضر الروح والإنسان؛ لأن الفن وسيلة لاختبار مشاعر غير قابلة للنسيان. أرى العالم من خلال روحي، كوجوه مطمئنة، تختبر مشاعر مختلفة، لكنها موجودة، وفارقة، وقادرة على التعبير، والتحدث، وقَوْل كلمتها، وجوه لا يمكن نسيانها، ولا طيها، فالعالم الذي أحلم به ذو شعور، ووجود، وبساطة أنيقة.

  • هند خليفات: أبحث عن العمق لا الضجيج

الاستدامة.. كيف تظهر في أعمالك الفنية؟

قبل أعوام، كنت قد كتبت مقالاً عن «أبناء الاستدامة»، عنا نحن، وكيف كانت الاستدامة تبدأ من ملابس إخوتنا الأكبر منا، التي نعيد ارتداءها، ومن قوارير العطر الفارغة، التي تصبح - بلمسةٍ فنيةٍ - مزهريةً، أو تحفةً فنيةً، ومن علبة السمن، التي تتحول إلى «تنكة» نزرع فيها الريحان، والمريمية. الاستدامة، في أعمالي، تكمن في أنه يمكن للوحاتي - المرسومة من فحم، أو حبر أسود - أن تكون معلقة على جدار، أو على غلاف كتاب، أو مطبوعةً على طبق أو فنجان، أو على قميص أو فستان. إن أعمالي طيعة، وقابلة للتحول، فأرسم - عادة في معظم الأعمال - على قماش الكتان الخشن، والورق المصنوع من القطن.

الإعلام.. صوت الداخل

ما الذي يجعل أسلوبكِ الإعلامي قريباً من الناس؟

ربما؛ لأنني أتحدث بلهجة أمي وجداتي، وأتصالح مع عيوبي، فأنا طبيعية، ولا أشعر بفقدان الأبعاد من الشهرة لو حدثت، كما لا أتاجر بالعلامات التجارية؛ لأنني على يقين أن تجارتي رابحة، وأن جواهري وعلاماتي منقوشة في روحي، ودومًا أعمل على إثراء ثقافتي، وتطوير اشتباكي المعرفي.

هل ساهم العمل الإعلامي في تشكيل وعيكِ الشخصي والاجتماعي، وكيف غيّركِ كإنسانة؟

العمل الإعلامي جعلني أكثر اتزاناً وسلاماً، واهتماماً بإثراء روحي، فصرت أمارس «اليوغا»، وأقرأ أكثر، وأعيش بتأنٍّ بين الثقافات. وأيضاً أسافر وأرتحل بين المدن؛ فالإعلام الحقيقي إلهام، وليس خبراً فقط.

  • هند خليفات: أبحث عن العمق لا الضجيج

صرّحتِ بعمرك الحقيقي على الهواء.. أليست هذه جرأةً منك؟

أبداً، فالطبيعي جداً أن نتصالح مع عمرنا، ونتعامل معه بأريحية، فماذا سينقص من مكانتي لو صرحت بعمري الحقيقي (46 عاماً، وثلاثة أشهر)؟!.. حينما يرافق سنين العمر سعيٌ حقيقيٌّ إلى تخفيف تأثير هذه السنين، والاستمتاع بالحياة، تكون رصيداً حقيقياً لروح ثرية، وخبيرة، ومدهشة.

ما الرسالة، التي ترغبين في إيصالها إلى المرأة العربية بظهوركِ الإعلامي؟

العالم بحاجة إلى البساطة الذكية، والاحترام الحقيقي؛ فلا داعي لافتعال الصراعات، أو لحمل ثِقَل التوقعات. فحينما نتصالح مع ذواتنا، نصبح أجمل وأقوى.

هل يصنع الألمُ الإنسانَ، وما اللحظات الأكثر تشكيلاً لشخصيتك.. السعيدة أم القاسية؟

التجارب الصعبة نقوش مهمة في النفوس، ودائمًا أقول: «نحن نباتاتٌ صحراويةٌ، ولسنا نباتاتٍ حقليةً». أنا من بيئة شبه بدوية، وكبرت في مدن بسيطة معظم حياتي، لكن اللحظات القاسية - التي تعاملت معها بروح قوية - منحتني سلامي النفسي، وتصالحي مع ذاتي.. وربما قوتي!

  • هند خليفات: أبحث عن العمق لا الضجيج

نافذة داخلية

روايتك «نيرفانا» كانت تجربة خاصة.. ما الذي دفعكِ إلى كتابتها؟

 «نيرفانا» - التي أستعد لإعادة طباعتها مجددًا، هنا في أبوظبي - كانت مرحلة تشافٍ، وثّقتها على الورق، من شخوص، وأبطال، ومدن، وقصص حب، ومشاعر عميقة، وسيناريو. وآمل أن تتحول إلى عمل سينمائي ذات يوم. كما بدأت، مؤخراً، كتابة روايتي الجديدة «قلب حافٍ وخلخال»، وأتمنى أن ترى النور مطلع العام المقبل.

هل تكتبين؛ لتفهمي نفسك، أم العالم؟

أكتب؛ لأفهمني، ولأتواصل مع مَن لا يعرفني؛ فالكتابة «حبل سري» بين الأرواح. وتكفي قراءتي من قِبَل شخص في آخر العالم لا يعرفني، فيشعر بأنه ليس وحده.

أخيرًا.. ما الذي تنتظرينه من محطتك المقبلة؟

أن أتعلم أكثر، وأستمع أكثر، وأقدّم موسماً جديداً أكثر عمقاً من «قهوة مع هند»، مهما كانت رقعة انتشاره. وأتمنى أن تظل قهوتنا محملةً بالبهجة.. والصدق.. والسلام!