كيان أكرم الجاف: الزراعة التزام أخلاقي واستثمار في الاستقرار

في زمن تتعاظم خلاله التحديات البيئية والمناخية، تبرز أهمية الأمن الغذائي كأحد الأعمدة المحورية لاستقرار المجتمعات، وازدهارها. وفي قلب هذه الرؤية، تؤسس دولة الإمارات شراكات استراتيجية مع منظمات دولية كبرى، وفي مقدمتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)؛ لتحقيق تحول حقيقي في النظم الغذائية و

في زمن تتعاظم خلاله التحديات البيئية والمناخية، تبرز أهمية الأمن الغذائي كأحد الأعمدة المحورية لاستقرار المجتمعات، وازدهارها. وفي قلب هذه الرؤية، تؤسس دولة الإمارات شراكات استراتيجية مع منظمات دولية كبرى، وفي مقدمتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)؛ لتحقيق تحول حقيقي في النظم الغذائية والزراعية. وبمناسبة اليوم العالمي للبيئة، الذي يوافق الخامس من يونيو كلَّ عام، التقت «زهرة الخليج» الدكتور كيان أكرم الجاف، رئيس بعثة المكتب الإقليمي الفرعي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، لدول مجلس التعاون الخليجي واليمن، ومقره أبوظبي، لاستعراض أهم المحطات في هذه الشراكة، ورؤيته للمستقبل الزراعي بالمنطقة:

  • كيان أكرم الجاف: الزراعة التزام أخلاقي واستثمار في الاستقرار

بدايةً.. ما الذي شكّل دافعك الشخصي للانخراط في قضايا الأمن الغذائي، والتنمية الزراعية؟

كان والدي، الدكتور أكرم الجاف، أحد الرموز البارزة في قطاع الزراعة، وكان قدوة حقيقية، ورجلاً سابقاً لعصره؛ فقد كان يردد، دائماً: «حينما تغادر منزلك، تذكر مَنْ أنت، وابن مَنْ، وماذا تمثل». هذا المبدأ شكّل الأساس، الذي بنيت عليه مسيرتي المهنية والإنسانية. وبمرور الوقت، أيقنت أن الأمن الغذائي حجر الزاوية في بناء مجتمعات مستقرة، تصون كرامة الإنسان. وفي هذا السياق، تبقى رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه؛ حينما قال: «أعطوني زراعة.. أضمن لكم حضارة»، مصدر إلهام متجدداً، يعزز إيماننا بأن الزراعة ركيزة حضارية، وإنسانية.

تحسين الإنتاجية

ما أبرز المحطات والاعتبارات، التي صاحبت تأسيس مكتب «الفاو» في أبوظبي؟

تم تأسيس المكتب الإقليمي الفرعي للمنظمة في أبوظبي عام 2010، وكانت التحديات تتمثل في: تحسين الإنتاجية الزراعية، وتلبية الاحتياجات الغذائية. وقد تطورت أولويات دول مجلس التعاون الخليجي بشكل ملحوظ؛ مع تزايد الوعي بأهمية الاستدامة البيئية، خاصة في مواجهة تحديات، مثل: تغير المناخ، وندرة المياه؛ فأصبح التركيز منصباً على تحقيق الأمن الغذائي بشكل مستدام، مع مواصلة تحقيق التقدم في ابتكار حلول متكاملة، مثل: تحسين سلاسل الإمداد الغذائي، وتعزيز تنوع الإنتاج الزراعي، ودعم تقنيات الزراعة الحديثة، التي تساهم في تحسين استخدام المياه.

حدثنا عن أبرز تجاربكم الناجحة!

إحدى التجارب البارزة، كانت التعاون مع دولة الإمارات؛ لإنشاء مركز التميز الإقليمي لتحويل النظم الغذائية. ويُعد هذا «المركز» منصة استراتيجية؛ لتعزيز الابتكار والإصلاح الغذائي في المنطقة، ما يعكس التزام الدولة الجاد بدعم الأمن الغذائي.. إقليمياً، وعالمياً.

صِفْ لنا الشراكة بين دولة الإمارات، ومنظمة «الفاو»!

إنها شراكة نموذجية على مستوى الرؤية والإنجاز؛ فالإمارات شريك استراتيجي يدعم مبادرات «الفاو»، الهادفة إلى تحقيق الأمن الغذائي، وتعزيز الزراعة المستدامة، وتحسين سبل العيش في المناطق المتأثرة بالتحديات البيئية، وتتميز هذه الشراكة بتكامل الأهداف بين الطرفين، والتزام مشترك بتحقيق أثر طويل الأمد.

ما أهمية ممارسات الزراعة المستدامة في المنطقة؟

الزراعة المستدامة حجر الزاوية؛ لتحقيق الأمن الغذائي في منطقة الخليج، بتبني تقنيات ذكية، وممارسات حديثة؛ تمكّن دولنا من زيادة الإنتاجية الزراعية. وهنا، أود الإشارة إلى تكريم سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية (أم الإمارات)، من قِبَل «الفاو»، خلال احتفالات «المنظمة» بمرور 80 عاماً على تأسيسها؛ تقديراً لجهود سموها المتميزة في دعم قضايا الزراعة والأمن الغذائي، وتأكيداً على الالتزام العميق بالاستدامة البيئية، والإنسانية، في المنطقة.

  • كيان أكرم الجاف: الزراعة التزام أخلاقي واستثمار في الاستقرار

ركيزة أساسية

ما دور الابتكار التكنولوجي في النهوض بالإنتاج الزراعي؟

التكنولوجيا ليست رفاهية، بل ضرورة لمواجهة التحديات، التي تواجه نظمنا الزراعية والغذائية، لا سيما في المناطق التي تعاني شح الموارد الطبيعية. في «المنظمة»، نعتبر التكنولوجيا ركيزة أساسية في تحقيق الأمن الغذائي، وقد ساهمنا - بالتعاون مع هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية - في تطوير خطة عشرية للزراعة المستدامة بإمارة أبوظبي، وترتكز هذه الخطة على دمج التقنيات الحديثة، وتبني ممارسات زراعية ذكية مناخياً، ورفع كفاءة استخدام المياه والطاقة.

ما دور التعليم، والتوعية، في نشر الممارسات الزراعية المستدامة؟ 

التعليم، والتوعية، عاملان أساسيان في تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة. وتسهم «الفاو»، في ذلك، من خلال برامج تعليمية وتدريبية، أبرزها مدارس المزارعين الحقلية، التي تتيح تبادل الخبرات والابتكارات، وتُحسن تقنيات الزراعة المستدامة، والوعي بأهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية، كما في دولة الإمارات، حيث أنشئت أول مدرسة مزارعين حقلية للنساء؛ لتمكين المرأة في المجال الزراعي.

كيف تحقق التوازن بين التحديات المهنية، والتزاماتك الشخصية؟

العمل في المجال الإنساني يتطلب قدراً كبيراً من الالتزام. وفي هذا الجانب أستمد توازني من دعم عائلتي، فزوجتي وبناتي مصدر طاقتي، والشغف بالقضية التي أعمل لأجلها يمنحني القدرة على الاستمرار والتوازن، حتى في ظل الضغوط المتزايدة.

كيف تساهم «الفاو» في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030؟

تلعب «المنظمة» دوراً محورياً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة في مجالات: الأمن الغذائي، والزراعة المستدامة، والحد من الفقر. ولا يمكن تحقيق أهداف 2030، من دون التركيز على تحسين نظم الإنتاج الزراعي، وتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود في وجه الأزمات. وتعمل «الفاو» على دمج التنمية المستدامة في السياسات الزراعية؛ من خلال دعم الابتكار، وتنفيذ برامج تهدف إلى توفير غذاء آمن، ومستدام، للجميع. ويتطلب تحقيق هذه الأهداف التنسيق بين الحكومات، ومؤسسات القطاع الخاص، والمنظمات الدولية.

ما رؤيتكم لمستقبل الزراعة، والأمن الغذائي، في دول مجلس التعاون الخليجي؟

 رغم التحديات البيئية، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي تمتلك فرصاً كبيرة؛ بفضل الرؤى الاستراتيجية، والتكنولوجيا المتقدمة، مثل: الزراعة المائية والذكية في دولة الإمارات. إن المستقبل يعتمد على تبني التكنولوجيا، وتحسين إدارة الموارد المائية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد؛ لتعزيز الاكتفاء الذاتي.