خلود الجابري: لوحاتي مرآة صادقة لمشاعري

لم يكن الرسم مجرد هواية عابرة لدى خلود الجابري، بل أداة لفهم الذات والعالم، ومساحة لتوثيق ما لا يُقال بالكلمات. وبين دراستها للإعلام، واشتغالها المبكر بالفنون التشكيلية، من خلال «المجمع الثقافي» بأبوظبي، تشكّلت تجربتها في تفاعل دائم بين الصورة والمجتمع، والذاكرة والخيال. في هذا الحوار، تتحدث الفنانة

لم يكن الرسم مجرد هواية عابرة لدى خلود الجابري، بل أداة لفهم الذات والعالم، ومساحة لتوثيق ما لا يُقال بالكلمات. وبين دراستها للإعلام، واشتغالها المبكر بالفنون التشكيلية، من خلال «المجمع الثقافي» بأبوظبي، تشكّلت تجربتها في تفاعل دائم بين الصورة والمجتمع، والذاكرة والخيال. في هذا الحوار، تتحدث الفنانة التشكيلية الإماراتية عن علاقتها بالهوية، وكيف تتحوّل الخامات البسيطة إلى لغة بصرية، وعن مشروعها الفني الجديد، الذي يستكشف فكرة «الصمت» كقيمة إنسانية، ووسيلة للتعبير العميق، خاصة من منظور المرأة.. وهذا نص الحوار:

  • خلود الجابري: لوحاتي مرآة صادقة لمشاعري

كيف بدأت علاقتك مع الفن، وهل هناك موقفٌ ما شكّل بدايتك؟

هناك ذكريات كثيرة في طفولتي، بمنطقة «فريج المرر» في دبي. وقد بدأ شغفي بالرسم في السابعة من عمري، عندما طلبت مني معلمتي في «مدرسة الخنساء الابتدائية» أن أرسم «عروس البحر». كانت تلك أول لحظة، أشعر فيها بالسعادة؛ لكوني أرسم، دون أن أعرف لماذا؛ فقد شعرت بأن هناك شيئاً خاصاً يربطني بهذا العالم.

دافع

درستِ الإعلام والفنون معاً.. كيف أثر ذلك في مسيرتك الفنية؟

نعم، درست الإعلام في جامعة الإمارات بمدينة العين، وتعمقت - خلال دراستي - في التصوير الفوتوغرافي، والإخراج الصحافي. هذا المزيج ساعدني في صقل حسي البصري، ومنحني خيالاً أوسع. حينها، أعددت وأخرجت فيلماً عن عرض الأزياء العربية، فكان ذلك دافعاً لصنع شيء جديد، ومبتكر.

هل كانت هناك نقطة تحول حقيقية، شعرتِ خلالها بأنكِ وجدتِ صوتك الفني؟

 بدأت مسيرتي الفنية، حينما التحقت بـ«المجمع الثقافي» عام 1985، وكنت من أولى طالبات الفن التشكيلي في «المرسم الحر»، ثم أصبحت مسؤولة قسم المعارض عام 1989؛ فكنت أنظم الكثير من المسابقات والمعارض السنوية، وصنعت كل هذه المحطات مني شخصية فنية. وهناك، بدأت أكتشف لغتي الفنية الخاصة، وصار الفن بالنسبة هو الحياة.

أعمالكِ تتميز بـ«الكولاج».. كيف تصفين العلاقة بين المادة والخيال؟

العلاقة بين المادة والخيال، في أعمالي، تشبه «رقصة صامتة»، لا تُرى، لكنها تُحس. عندما أعمل بـ«الكولاج»؛ أشعر بأنني أجمع أجزاءً من الذاكرة، من الحياة والمألوف، ثم أحررها من معناها الأصلي؛ لأصنع منها عالماً جديداً. فالمادة، سواء كانت قماشاً تقليدياً، أو ورقاً ممزقاً، أو خيوطاً، أو صوراً قديمة، بالنسبة لي لغة صامتة، تحمل - في طياتها - ذاكرة، وملمساً، وروحاً، لكنها تحتاج إلى خيال، يربطها بسياق جديد، خارج حدود الواقع. فالخيال يمنح هذه المواد حياة جديدة، وهو الذي ينسج بينها حواراً غير مرئي، يجعل من الأشياء البسيطة رموزاً ثرية، تكون أشبه بكتابة شعر بصري.

  • خلود الجابري: لوحاتي مرآة صادقة لمشاعري

ما الخامات الأقرب إليكِ، وهل تحمل رمزية معينة؟

أحب تجربة كل شيء، لكن الألوان المائية والحبر هي الأقرب إلى روحي؛ ربما لأنني نشأت قرب البحر، وألوانه تشبه الحرية، والانسياب، وهذا ينعكس على اختياراتي.

هل هناك أسئلة وجودية معينة، تحاولين استكشافها من خلال أعمالك؟

نعم، لوحات كثيرة من أعمالي تنبع فعلاً من تساؤلات داخلية، أطرحها على نفسي، وهي ليست مجرد تساؤلات عابرة، بل تمتد إلى تساؤلات وجودية، تحاول فهم موقع الإنسان في هذا العالم، ومعنى الحياة، ومرور الزمن، وحتى العلاقة بين الروح والجسد. أحياناً، أحاول التعبير عن مشاعر المرأة وذاتي، أو القلق الوجودي كإنسانة، والتحديات التي نواجهها. كما أبحث عن معنى الهوية، والانتماء الحقيقي للأرض والوطن، والتعبير عنه بالفن، من خلال لوحات خالدة تحكي قصص نجاح الإنسان، الذي يعيش على أرض الخير، والجمال!

بين الحزن والفرح

كيف تعكس لوحاتك مشاعركِ، خلال لحظات معينة من حياتكِ؟

إنها مرآة صادقة لمشاعري، فرحاً، أو حزناً؛ فقد تكون الألوان حادة كأنها تبوح بألمٍ ما، وقد تكون حالمة. في لحظات الحزن، لا أحتاج إلى الكلام، وإنما أكتفي بأن أضع فرشاتي على القماش، وأترك لها حرية التعبير. وفي لحظات الفرح، تنساب الألوان كأنها ترقص. إن الفن، بالنسبة لي، دواء ودفتر يوميات صامت.

كيف تعبر أعمالك عن الهوية الإماراتية؟

 هويتي الإماراتية تنبض في كل عمل فني أقوم به، فهي تسكن في التفاصيل، والألوان الرملية، والظلال التي تشبه «خيوط الضوء» في بيوت الطين القديمة، والملامح التي تحمل مزيج البداوة والتمدّن. إنني أستوحي من تراثنا، والحكايات التي سمعتها من جدتي، ونقوش السدو، وصمت الصحراء، وحتى من صوت البحر؛ عندما يهمس في «ليل الخليج». كذلك أستحضر في لوحاتي، كثيراً، رموزاً من تراثنا، مثل: البرقع، والخوص، والبحر، وبيوت الطين؛ فهي ليست رموزاً فقط، بل تجسيد للخصوصية والروح والانتماء.

هل يمكن أن يكون الفن التشكيلي أرشيفاً للثقافة؟

نعم، فالفن التشكيلي أرشيف بصري عميق، يوثق ليس فقط الشكل، بل الإحساس والذاكرة أيضاً. ولوحاتي تقول: «هذه أرضي، وهذا شعوري بها، وهذا ما أخاف أن يضيع؛ إن لم أرسِهِ في لون وخط».

  • خلود الجابري: لوحاتي مرآة صادقة لمشاعري

ما الذي يميز تجربة الفنانة الإماراتية عن نظيراتها في الوطن العربي؟

تجربتنا تنبع من تقاطع بين الأصالة والتحول السريع؛ فنحن نعيش في وطن يحترم تراثه، ويتجه إلى المستقبل بقوة وحزم، ونحمل صوتاً أنثوياً، يعبّر عن التغير والتحول المجتمعي بطريقة فريدة. إن الفنانة الإماراتية لا تقلد، بل تبتكر ضمن مساحة تحترم الموروث، وتحتضن الحداثة. وتجربتنا، أيضاً، تستند إلى بيئة فريدة بصرياً وروحياً، ففيها: الصحراء، والبحر، والمدن المتحوّلة، والقصص الشعبية، وكلها مصادر إلهام تمنحنا صوتاً مختلفاً، وهادئاً أحياناً، لكنه عميق وذو معنى كبير.

ما الإرث الفني، الذي تطمحين إلى تركه؟

أتمنى أن يكون فني مرآة لعصرنا، ومصدر إلهام للأجيال؛ لفهم الجمال في التفاصيل، والتعبير الصادق عن الذات، والهوية. كما أطمح إلى تأسيس متحف خاص، يعرض تجربتي كمساهِمة فكرية وثقافية إماراتية؛ لأنني أمتلك الكثير من الوثائق، والصور، والمقتنيات. كذلك، أريد أن أترك أثراً صادقاً، يحمل شيئاً من الذاكرة، والروح، وهذه الأرض الطيبة!

هل لديكِ مشروع فني مستقبلي، تعملين عليه حاليًا، وما شاغلكِ الإبداعي في هذه المرحلة؟

أعمل على مشروع بعنوان «صوت الصمت»، أستكشف به كيف يمكن للصمت أن يتحول إلى لغة بصرية، وأستخدم فيه خامات من البيئة الإماراتية، وتقنيات الطبقات الشفافة، والحفر اللوني، بالإضافة إلى لمسات من الخط العربي التجريدي، في محاولة لتقديم لوحات تتحدث عن روح المرأة المعطاءة. أتمنى أن يكون هذا المشروع بداية لحوار أعمق مع المتلقي، ليس فقط حول الفن، بل حول كل ما نحمله في دواخلنا من خير.