منذ فجر التاريخ، ارتبط الفن بوجدان الإنسان، فكان وسيلة للتعبير، وأداة للتواصل، ومرآة تعكس ثقافة الشعوب وتحولات المجتمعات.. وفي هذا السياق، تبرز آمنة الحمادي، الفنانة الإماراتية التي اختارت الكاريكاتير ساحةً للتعبير، ووسيلةً لخدمة الوطن. تؤمن آمنة بأن القلم قد يكون أبلغ من أي خطاب، وأن الفن رسالة ومسؤولية. في هذا الحوار، تكشف لـ«زهرة الخليج» عن بداياتها، ورؤيتها لهذا الفن، ومسؤولياته، وتحدياته...
شغف متجذّر
هل بدأ الكاريكاتير لديك كموهبة أم كمهنة؟ وكيف كانت البدايات؟
لم يكن الكاريكاتير بالنسبة لي مجرد موهبة أو هواية، بل كان دوماً شغفاً عميقاً، نشأ منذ الطفولة وتطوّر مع الوقت إلى رسالة ومهنة. بدأت علاقتي بالفن في سن مبكرة، عندما وجدت في الألوان وسيلة للتعبير، ثم تعزز هذا الشغف خلال دراستي للفنون في جامعة الإمارات، حيث تعرّفت على الكاريكاتير كأداة تختصر الواقع في فكرة بصرية مؤثرة. انطلقت مهنياً من مجلة «ماجد»، في شبكة أبو ظبي للإعلام، وهناك ابتكرت شخصية «أمونة المزيونة»، التي أعتز بها كثيراً، لأنها تمثل مزيجاً من الإبداع والرسالة التربوية. ثم انتقلت إلى صحيفة «الاتحاد» كرسامة كاريكاتير، أتابع الأحداث الوطنية والعربية والعالمية، وأترجمها برسوم ناقدة تعبّر عن الواقع بأسلوب فني مؤثر، في قوالب سياسية، اجتماعية، اقتصادية ورياضية.
-
آمنة الحمادي: الكاريكاتير فن ورسالة لخدمة الوطن
أمارس الكاريكاتير اليوم كفنّ حيّ يواكب نبض المجتمع، ويُسهم في رفع الوعي، ويعبّر عن نبض الناس وقضاياهم بلغة صامتة لكنها ناطقة بالمعنى والرسالة. باختصار، الكاريكاتير في حياتي هو مسار اختارني كما اخترته، وأراه امتداداً لفكرٍ يطمح أن يكون جزءاً من هوية وطنٍ يسعى دائماً للمركز الأول.
هل ترين أن الكاريكاتير من الفنون الصعبة؟ ولماذا؟
نعم، وبكل تأكيد. فالكاريكاتير يتطلب مهارة في إيصال فكرة قوية بأسلوب بصري بسيط ومباشر. هو فن يعتمد على الذكاء والاختزال، وعلى الفنان أن يختصر موقفاً معقداً في عدد محدود من العناصر. التحدي الأكبر يكمن في أن تترك أثراً عميقاً من خلال خطوط قليلة. كما أن الكاريكاتير فن مسؤول؛ لأنه يتعامل مع قضايا حساسة تتطلب وعياً سياسياً وثقافياً، وحساً فنياً عالياً، واحتراماً لثقافة المجتمع وحدوده.
هل ابتكار أفكار جديدة للكاريكاتير أمر سهل؟
يتوقف نجاح فن الكاريكاتير على عدة عوامل رئيسية، في مقدمتها، ثقافة الفنان ووعيه، ومدى قربه من نبض الأحداث، إضافة إلى قدرته على استيعاب الفكرة وتجسيدها في عمل فني يحمل رسالة واضحة تلامس المتلقي. وكلما كانت الفكرة أكثر عمقاً ورمزية، وبساطة في الأسلوب والخطوط، كلما ارتفعت قيمة العمل. أحرص دائماً على أن تكون رسوماتي انعكاساً للواقع، وأن تحمِل رسالة تُسهم في رفع الوعي. وهذا يتطلب متابعة مستمرة، وحساً عالياً بالتقاط اللحظة وتحويرها إلى فكرة مرسومة.
فن يحمل مسؤولية
تخصصتِ في الكاريكاتير السياسي، وهو من أكثر الأشكال حساسية.. كيف تتعاملين مع هذه المسؤولية؟
فن الكاريكاتير هو أداة، شأنه شأن أي أداة أخرى؛ يمكن أن يُستخدم بشكل إيجابي أو سلبي. أتعامل مع الكاريكاتير السياسي كفن ملتزم، يحمل رسالة واضحة دون أن يتجاوز الخطوط الحمراء. أؤمن بأن الفن يجب أن يكون أداة إيجابية تحترم حرية الآخرين، وتمارس النقد البناء بوعي. لدي قناعة بأن السخرية الذكية أقوى من التهكم الجارح، وأن الهدف من النقد هو الإصلاح، لا الهدم. لذلك أحرص على تقديم أعمال تحترم ثقافة المجتمع، وتعكس تطلعاته، مع التزام واضح بالمسؤولية والاحترافية.
-
آمنة الحمادي: الكاريكاتير فن ورسالة لخدمة الوطن
ومن هذا المنطلق، علينا كفنانين أن نكون جزءاً من تحقيق الأهداف الاستراتيجية لمؤسساتنا ومجتمعاتنا، كلٌ في مجاله. والإمارات نموذج ملهم في دعم الفن والمبدعين، وأتقدّم بجزيل الشكر والعرفان للقيادة الرشيدة على جهودهم الكبيرة في تحويل الفن إلى رسالة حضارية راقية.
ما العمل الذي تعتبرينه الأقرب إلى قلبك من بين أعمالك؟
كل عمل رسمته يحمل جزءاً من روحي، فكل لوحة رسمتها كانت تعبّر عن فكرة عشتها أو رسالة آمنت بها، لكن، إذا كان عليّ أن أختار، فأنا أميل أكثر للأعمال الوطنية والإنسانية التي قدمتها، لأنها الأقرب إلى قلبي، فهي ليست مجرد رسومات، بل رسائل عميقة ومدلولات قوية تجسّد نهج الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، وتعكس رؤيته في التسامح، والبناء، والإنسان أولًا. هذه الرسومات تمنحني شعوراً عميقاً بالفخر والمسؤولية، لأنها لا تعبّر فقط عن قضية آنية، بل عن مبادئ راسخة.
كيف تصفين حضور المرأة في مجال الكاريكاتير؟
رغم أن الكاريكاتير كان يُنظر إليه سابقاً كفن «مشاكس»، وقد لا يتناسب مع طبيعة النساء بسبب ما يثيره من ردود أفعال، إلا أن الواقع تغيّر. اليوم، نعيش في ظل قيادة تمنح المرأة المساحة الكاملة للإبداع، وأصبح من المهم أن يكون للفكر النسائي صوت في هذا المجال. المرأة قادرة على تقديم رؤية مختلفة، تجمع بين الذكاء والعمق والرقة، وهذا ما يثري فن الكاريكاتير. فالفن لا يكتمل دون صوت المرأة، وخصوصاً حين يكون هذا الصوت واعياً ورقيقاً، وعميقاً في آنٍ واحد.
إنجازات محلية وعالمية
ما أبرز الإنجازات التي حققتها آمنة الحمادي في مجال الفن الكاريكاتيري؟
أفتخر بأنني من أوائل رسامات الكاريكاتير السياسي على مستوى الدولة والمنطقة، وهو شرف ومسؤولية في آن واحد. مثّلت دولة الإمارات في معارض دولية في الصين، الهند، المغرب، تونس، إيطاليا، وغيرها، ونلت عبرها جوائز وتكريمات أعتز بها كثيراً، منها: جائزة «أم الإمارات» من غرفة تجارة أبوظبي، جائزة «تعابير فخر» من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، جائزة «ياس للتميز» من أبوظبي للإعلام، جائزة تريم عمران للصحافة – فئة الكاريكاتير الصحفي.
-
آمنة الحمادي: الكاريكاتير فن ورسالة لخدمة الوطن
وكنت ضيفة شرف في الملتقى الدولي الرابع للكاريكاتير في جمهورية مصر، وضيفة شرف في الملتقى الدولي الأول للكاريكاتير في جمهورية تونس، كما تم اختياري كرائدة إماراتية في معرض «رواد الكاريكاتير» في القاهرة.
كما ترأست لجان تحكيم في مسابقات كاريكاتير دولية، وكنت ضيفة شرف في ملتقيات عربية، وأصدرت ثلاثة كتب متخصصة تُعد من المراجع في هذا الفن. وما زلت أؤمن أن الطريق مستمر، وأن الفن الحقيقي لا يتوقف عن التعلّم والعطاء.