طاهيات إماراتيات سفيرات النكهات المحلية إلى العالم

لم يعد المطبخ الإماراتي مجرد مساحة لإعداد الطعام، بل تحول إلى ساحة للإبداع، وحوار الثقافات، وأصبح صوتاً يُعبّر عن الهوية والتراث بأسلوب معاصر، يصل إلى العالم. وفي ظل الدعم، الذي تحظى به المرأة الإماراتية بالمجالات المختلفة، برزت مجموعة من الطاهيات اللواتي اتخذن من الطبخ منصة لتقديم الإمارات بقصصها و

لم يعد المطبخ الإماراتي مجرد مساحة لإعداد الطعام، بل تحول إلى ساحة للإبداع، وحوار الثقافات، وأصبح صوتاً يُعبّر عن الهوية والتراث بأسلوب معاصر، يصل إلى العالم. وفي ظل الدعم، الذي تحظى به المرأة الإماراتية بالمجالات المختلفة، برزت مجموعة من الطاهيات اللواتي اتخذن من الطبخ منصة لتقديم الإمارات بقصصها ونكهاتها، وحولن الأطباق الشعبية إلى رسائل دبلوماسية وثقافية. هنا، تستعرض «زهرة الخليج» حكايات شغف ملهمة لطاهيات إماراتيات، أصبحت لكل واحدة منهن بصمتها الخاصة في هذا المجال، وهن: الشيف سمية عبيد، والشيف أروى لوتاه، والشيف علياء آل علي، وهدى وميثه الغفلي.

  • سمية‭ ‬عبيد‭

سمية‭ ‬عبيد‭:‬

أمي‭ ‬معلمتي‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الطهي‭ ‬والابتكار

في المطبخ، حيث تلتقي الحرفة بالشغف، تصنع الشيف والإعلامية الإماراتية، سمية عبيد، عالمها الخاص، بين النكهات والألوان، وقصص المذاق. فقد جمعت بين مهارتها في الطهي، وحضورها الإعلامي المؤثر، فصارت وجهاً مألوفاً، وسفيرة للعديد من العلامات التجارية العالمية، إلى جانب نشاطها المجتمعي والتطوعي، الذي يعكس التزامها بالمسؤولية الاجتماعية. تقول سمية: «منذ طفولتي، كان المطبخ عالمي الأول، وأمي هي قدوتي في الطهي والابتكار. فقد كنت أراقبها تصنع الأطباق بحب وذكاء، وكانت كل وصفة تعدها درساً في الذوق والبساطة. ومنها تعلمتُ أن الطهي ليس اتباعاً للوصفات، بقدر ما هو إبداع ينبض من القلب». ومع مرور الوقت، نمت الموهبة، وارتقى الشغف إلى احتراف؛ لتصبح سمية اليوم من أبرز الأسماء التي تجمع بين الأصالة والابتكار في المطبخ الإماراتي.

روح.. وأصالة 

ترى سمية عبيد أن الأطباق الإماراتية ليست مجرد مأكولات، بل هي سرد حيّ لثقافة شعب وتاريخه، فتحكي عن بيئة الأجداد، وارتباطهم بالبحر والصحراء، وعن روح الضيافة المتأصلة في المجتمع الإماراتي.. تقول: «أطباقنا تعكس حكايات المكان، حيث لكل مكوّن قصة، ولكل نكهة جذور ضاربة في الذاكرة». ويمتاز المطبخ الإماراتي بتنوعه وثرائه بالبهارات، التي تختلف وصفاتها من بيت إلى آخر، ما يضفي شخصية فريدة على كل طبق. فهذا التميز جعل المطبخ الإماراتي محط اهتمام السياح، ومرتادي المهرجانات الغذائية الدولية، الذين يُعجبون بتنوع النكهات، وثراء المائدة الإماراتية.

وجه مشرق عالميًا

تؤكد سمية عبيد أن الطاهية الإماراتية، اليوم، تحظى بدعم متنامٍ، سواء من المؤسسات الرسمية التي توفر برامج التدريب والتطوير، أو من خلال الفرص التي باتت الفنادق والمطاعم العالمية تمنحها.. توضح: «نشهد، اليوم، جيلاً من الطاهيات الإماراتيات، اللاتي فرضن حضورهن محلياً وعالمياً، بفضل مهاراتهن وقدرتهن على الابتكار، ما عزز الثقة بموهبة المرأة الإماراتية في قطاع الطهي». وتضيف أن الشيفات الإماراتيات أصبحن سفيرات حقيقيات للنكهة الإماراتية، فيقدمنها بفخر واعتزاز في المحافل الدولية، ويعملن على ابتكار أطباق تجمع بين الأصالة والحداثة، بما يناسب الأذواق العالمية، دون أن يفقد المطبخ المحلي هويته.

أطباق تحكي قصصاً

تفتخر سمية بتمثيلها دولة الإمارات في مهرجانات ومعارض دولية متخصصة، إضافة إلى مشاركاتها الإعلامية من خلال برامج الطهي التلفزيونية، التي حملت - من خلالها - النكهات الإماراتية إلى موائد العالم، وعن هذا تقول: «أشعر بأنني أحمل مسؤولية ثقافية في كل طبق أقدمه؛ فالطعام وسيلة فعالة لتعريف الآخر بثقافتنا، وقيمنا، وحبنا للضيافة». إن شغف سمية عبيد لا يتوقف، بل يدفعها، دوماً، إلى تطوير مهاراتها، وتوسيع خبراتها، من خلال الاطلاع المستمر، والمشاركة في الفعاليات الدولية المتخصصة. وتطمح إلى ترك بصمة إماراتية مميزة في عالم الطهي، عبر تعزيز حضور الأطباق الإماراتية في المطاعم العالمية، وتقديمها بلمسة عصرية، تحترم الموروث، وتواكب العصر.

رسالة

تنصح الشيف الإماراتية، سمية عبيد، الراغبين في دخول هذا المجال بأن يتحلوا بالصبر، وبالتعلم المستمر؛ فالمطبخ لا يعترف بالركود، بل يتطلب شغفاً يومياً بالتجربة، والاكتشاف، فتقول: «المطبخ ليس وصفة مكتوبة فحسب، بل فكرة تنبض بالحياة. فعلى كل طاهٍ أن يكون مستعداً للابتكار، ومتصالحاً مع الخطأ، وقادراً على تحويل كل تجربة إلى درس جديد؛ لأن الطهي رسالة وهوية، وقبل أن نُطعم الآخر؛ علينا أن نقدم له جزءاً من قصتنا».

  • أروى‭ ‬لوتاه‭

أروى‭ ‬لوتاه‭:‬

المطبـخ‭ ‬مسـاحة‭ ‬للحـوار‭ ‬الثقافي

في عالم الطهي، تتقاطع الحرفة مع الفكرة، وتصبح النكهة مرآة للهوية، وهذا ما تؤمن به الشيف الإماراتية أروى لوتاه، التي تسعى إلى إعادة صياغة قصة المطبخ الإماراتي بلغة معاصرة، تحافظ على الجذور، وتضيف إليها روح الحداثة. وبين دراستها للفن والتصميم، وتخصصها في تسويق الأغذية، كوّنت أروى معجمها الخاص، الذي يجمع بين البصر والحس، وبين الذوق والفكرة؛ ليصبح الطبق عندها رسالة بصرية وذوقية في الوقت نفسه. ومنذ سنواتها الأولى، كانت أروى لوتاه طفلة تحدّق في أيادي والدتها وجدتها، وهما تطبخان، فأدركت - بالفطرة - أن المطبخ ليس مجرد مكان لإعداد الطعام، بل مساحة للتعبير عن الذات، ومسرح لحكايات البيوت. ومع الوقت، اكتشفت أن الطبق يمكن أن يكون لوحة تحمل فكرة، أو رسالة تحكي حكاية أرض وشعب. تقول أروى: «كل ما نتعلمه يضيف إلينا بعداً جديداً في المطبخ؛ فالفن علمني كيف أرى التفاصيل، وكيف أصيغ التكوينات البصرية للأطباق. أما دراسة الأغذية؛ فعمقت معرفتي بالخامات والتقنيات، وجعلتني أكثر فهماً لمواد الطهي من حيث التكوين والقيمة، فحتى التخصصات البعيدة عن الطبخ توسع أفق الطاهي، وتغذي قدرته على الابتكار».

سردية الصحراء.. والبحر

تقوم فلسفة الشيف الإماراتية، أروى لوتاه، على أن الأطباق الإماراتية ليست مجرد وصفات، بل مرايا تعكس ملامح البحر، والصحراء، والجبال، وحكايات السفر والتجارة. ففي كل لقمة، ذاكرتنا الصامتة تنطق: «بيت قديم، ورحلة غوص، وتجارة عبر المرافئ.. هي قصة وطن تُروى دون كلمات». وترى أن الطاهية الإماراتية، اليوم، تحمل مسؤولية مزدوجة: أن تكون وفية لجذورها، وقادرة على تقديمها بلغة يفهمها العالم؛ فالموروث لا يُحفظ بترديد ذاته، بل بترجمته - بذكاء - إلى خطاب معاصر، يحترم الأصالة دون أن يتكلس في قوالبها. وتمتاز المائدة الإماراتية - كما تصفها أروى - بالبساطة، التي تخفي عمقاً في النكهات. فالبهارات التي وصلت من أسفار بعيدة، والمكونات التي تشبه الأرض، وتقاليد الاجتماع حول السفرة، تصنع - جميعها - توليفة فريدة من القرب، والكرم، والقصص. وتؤمن بأن الحداثة في الطهي ليست خطرة؛ إذا انطلقت من فهم عميق لروح الطبق؛ فالطاهي الذي يتقن جوهر المذاق ومصادره، يعرف كيف يجدد دون أن يطمس، ويبتكر دون أن يزيّف؛ لأن الابتكار - في نظرها - وسيلة لحماية الموروث، لا طمسه.

نافذة على العالم

شاركت أروى في العديد من الفعاليات الكبرى داخل الإمارات، فقدمت أطباقاً تطورت وصفاتها؛ لتجمع بين التراث، والمعاصرة.. تقول: إنها لمست فضولاً جميلاً من الشعوب الأخرى تجاه المطبخ الإماراتي، وإن التحدي الحقيقي لا يكمن في النكهة وحدها، بل في طريقة التقديم؛ لأن «الناس يحبون أن يتذوقوا شيئاً جديداً؛ إذا قُدم إليهم بصدق وحب، وإذا كانت خلفه حكاية تُروى». وتشبّه الطعام بالأداة الدبلوماسية القادرة على فتح أبواب بين الثقافات، حيث السياسة تعجز؛ فكل طبق رسالة مفتوحة على العالم؛ فتقول: «هذه قصتي.. وهذه أرضي.. وهذه يدي الممدودة إليكم». وترى أن للطهاة الإماراتيين، اليوم، دوراً محورياً في رسم صورة الإمارات بأذهان الزوار من خلال الضيافة والمائدة، وأن كل طبق إماراتي يُقدم إلى السائح نافذةٌ يرى منها تاريخنا، وكرمنا، وهويتنا.

مساحة للإبداع

يحمل طموح أروى لوتاه مشروعاً يتجاوز المطبخ التقليدي، فهي تسعى إلى تأسيس مساحة إبداعية متجددة، تكون مأوى للأفكار والأشخاص الذين يؤمنون بأن الطهي ليس مجرد مهنة، بل لغة للتعبير، والحوار مع الآخر. وتنصح كلَّ من يرغب في دخول هذا المجال بالتحلي بالصبر، والحرص على التعلم المستمر، والتجربة، والخطأ، والمحاولة من جديد، وعلى احترام المكونات، وتقدير من سبقه في الحرفة، فتقول: «الطبخ ليس وصفة فحسب، بل فكرة، وروح، وهوية. ويجب أن يدرك كل طاهٍ أن ما يقدمه على الطبق جزء من ذاته، وحكاية في كل لقمة».

  • علياء‭ ‬آل‭ ‬علي‭

علياء‭ ‬آل‭ ‬علي‭:‬

المطبـخ‭ ‬ركـن‭ ‬الطفولة‭ ‬المفضل

في ذاكرة الشيف الإماراتية، علياء آل علي، يحتل المطبخ مكانة خاصة، ليس فقط كمساحة للطهي، بل كركن طفولي دافئ، احتضن أول ملامح شغفها. فهناك، بين أصوات القدور، ورائحة البهارات، نشأت تراقب والدتها، وشقيقاتها، يعددن أنواعاً عدة من المأكولات؛ فغدت تلك المشاهد اليومية درسها الأول في الطهي، ولحظاتٍ غرست في قلبها عشقاً يكبر معها حتى اليوم. علياء، خريجة جامعة زايد، تخصص «علوم البيئة والاستدامة»، اختارت الجمع بين تخصصها العلمي وعملها بمجال صناعة الأغذية، لكنها لم تكتفِ بذلك، بل دفعتها الرغبة العميقة في الاحتراف إلى دراسة دبلوم فنون الطهي في «المركز الدولي لفنون الطهي» (ICCA) بدبي؛ لصقل موهبتها وفق المعايير العالمية، وتحويل الشغف إلى مسار مهني. فلم يكن عشقها للمطبخ مجرد هواية عابرة، بل رافقها حتى مرحلة العمل المهني، حيث انخرطت في أحد مصانع إنتاج الأغذية، فاطلعت على تفاصيل صناعة الغذاء، من تقنيات التصنيع، إلى معايير الجودة والسلامة. فهناك أيقنت أن المطبخ موطنها الحقيقي، فقررت السير في طريق الاحتراف، مدفوعة بطموح أن تكون شيفاً تضع بصمتها الخاصة. كما حصلت على منحة «دبي الثقافية»؛ لتنضم إلى نخبة من الطهاة الإماراتيين في المعهد الدولي لفنون الطهي بدبي، وتبدأ رحلتها الاحترافية متسلحة بالعلم، والشغف!

أفق من الانضباط.. والابتكار

بالنسبة لعلياء آل علي، تعد الدراسة الأكاديمية لفنون الطهي أكثر من مجرد تعلم وصفات وتقنيات؛ فهي مدرسة للحياة، تُنمّي مهارات الالتزام، والتفكير التحليلي، وإدارة الوقت، والعمل تحت الضغط. فالمطبخ - كما تصفه - بيئة ديناميكية، تتطلب دقة في التنفيذ، وتخطيطاً؛ لأن كل طبق مشروع متكامل، يحمل رسالة في كل تفصيلة. وتعي أن الأطباق الإماراتية ليست مجرد وجبات، بل سرد حي لتاريخ وثقافة الأجداد؛ فالمكونات المحلية البسيطة، الممتزجة بتوابل مستوردة من ثقافات متعددة عبر الزمن، صنعت نكهة إماراتية فريدة، تروي حكاية الانفتاح والأصالة معاً؛ وحتى طريقة التقديم في الصحون الكبيرة تجسد روح الكرم والتلاحم، التي تميز المجتمع الإماراتي. وتضيف: أن مسؤولية الشيف الإماراتي، اليوم، لا تقتصر على تقديم الأطباق التقليدية فحسب، بل بالحفاظ على أصالتها، من خلال توثيق الوصفات، ووضع معايير دقيقة، مع تقديمها في إطار معاصر، يناسب ذائقة الأجيال الجديدة؛ فالتجديد - بالنسبة لها - لا يعني التخلي عن الجذور، بل مزجها بروح الحاضر.

نجاحات بطعم تراثي

ضمن إنجازاتها، شاركت الشيف الإماراتية في إعداد قائمة طعام مبتكرة (كانبيه)، مزجت فيها النكهات الإماراتية بالعالمية، بالتعاون مع المركز الدولي لفنون الطهي، وقدمتها في فعاليات نظمتها هيئة دبي للثقافة والفنون، فلاقت هذه الأطباق استحسان الحضور من مختلف الجنسيات، وكان التفاعل - مع تجربة الدمج بين النكهات التقليدية والحديثة - رائعاً؛ ما أثبت أن الطهي جسر ثقافي عالمي. طموحات علياء آل علي لا تقف عند حدود الشيف المبدع، بل تتجاوزها إلى بناء مسيرة مهنية عميقة، تبدأ بإنشاء مطعمها الخاص، الذي يعيد تقديم المطبخ الإماراتي بروح عصرية صحية ونظيفة، تراعي جودة المكونات، كما تطمح إلى تمثيل المطبخ الإماراتي في المحافل الدولية، والمشاركة في مسابقات وفعاليات الطهي العالمية؛ لتكون صوتاً للنكهة الإماراتية، وسفيرة لثقافتها.

قيم أصيلة

ترى علياء آل علي أن الشيف يمكن أن يكون دبلوماسياً بامتياز، من خلال ما يحمل - عبر أطباقه - من رسائل عن الثقافة، والقيم، والضيافة الإماراتية الأصيلة. فكل طبق تقدمه في محفل دولي نافذة تُطل - من خلاله - الإمارات على العالم، ووسيلة لحوار ثقافي بلا لغة، فقط نكهات تروي حكاية شعب. وتنصح علياء كلَّ من يرغب في دخول عالم الطهي بألا يكتفي بالشغف، بل يرافقه بتعلم مستمر، واطلاع دائم على الجديد في التقنيات والأساليب، وبضرورة التدرّب اليومي، والتعلّم من أصحاب الخبرة. وتؤكد أن التجربة الحقيقية لا تُصنع من الكتب وحدها، بل في المطبخ كذلك، بين نار الطهي وضغط الوقت. كما تشدد على أهمية بناء شبكة علاقات مهنية، من خلال حضور المعارض والفعاليات، فهي بوابة التطوّر.. والفرص!

  • هدى‭ ‬وميثه‭ ‬الغفلي‭

هدى‭ ‬وميثه‭ ‬الغفلي‭:‬

مطبخنا‭ ‬رسـالة‭ ‬عشـق‭ ‬إلى‭ ‬العالم

في ركن صغير من ذاكرة الطفولة، حيث كانت رائحة الهيل والزعفران تعبق أرجاء البيت، وملامح الأم تنسج بحبها قصص المطبخ، نشأت الشقيقتان هدى وميثه عمر الغفلي، حاملتين معهما شغفاً متوارثاً، تحوّل من مجرد مراقبة إلى شغف حقيقي، ومن المطبخ العائلي إلى منصة تحكي للعالم حكاية الإمارات بلسان الطهي. بالنسبة لهما، المطبخ ليس مجرد مهنة، بل هوية تُعبّران عنها بأطايب الأطباق، وفن يُحكى بلغة النكهات التي تمسك بخيوط الحكاية من جذورها إلى قلب الحاضر. كانت بداية الشغف في سنوات الدراسة الجامعية بإسبانيا، حين قررتا، في رمضان، أن تجمعا صديقاتهما الأجنبيات على موائد إماراتية الطابع، والروح. لم يكن الأمر مجرد دعوة إلى الطعام، بل جلسة سرد لقصص نكهات الوطن، فانبهرت صديقاتهما بتفرد المذاق وأصالته. تلك اللحظة العابرة في مطبخ الغربة كانت الشرارة الأولى التي جعلتهما تدركان أن المطبخ يمكن أن يكون جواز سفر ثقافياً، ورسالة لا تحتاج إلى ترجمة. تقول هدى وميثه: «إذا كان العالم قد عشق الباستا الإيطالية، واحتفى بجرأة المطبخ المكسيكي.. فلماذا لا نأخذ هذا العالم إلى مطبخنا الإماراتي، ونكهاته التي تحمل - بين تفاصيلها - كرم الضيافة، وروح البيت؟!».

رابطة الأخوة

لم يكن الشغف وحده كافياً؛ لذلك اختارت الشقيقتان أن تسلكا درب المعرفة الأكاديمية؛ فحصلتا على دبلوم فنون الطهي تخصص المعجنات. ولم تكتفِ هدى بذلك؛ فتابعت دبلوم المطبخ الحار، إلى جانب دراستها المتخصصة في الأطعمة النباتية والصحية. أما ميثه، فانشغلت بتعلم تفاصيل الحلويات الصحية، حيث كانت تبحث - في كل صنف - عن التوازن بين الطعم والصحة، والأصالة والحداثة. وفي مطبخهما، تعززت العلاقة الأخوية بقوة لا تشبهها شراكة أخرى؛ فوجود هدى يمنح ميثه طاقة وأماناً، ووجود ميثه يمنح هدى معنى الشراكة في النجاح. تقول هدى: «ربما يظن البعض أن بيننا تنافساً. لكنَّ الحقيقة أننا ندعم بعضنا في كل تحدٍّ جديد». أما ميثه، فتؤكد: «المطبخ مع شقيقتي ليس مكاناً للطهي فحسب، بل فضاء للإلهام، والابتكار.. والضحك أيضاً».

ذاكرة تنبض بالنكهات

تؤكد الشقيقتان الإماراتيتان أن المطبخ الإماراتي ليس مجرد أطباق تنتقل من جيل إلى آخر، بل إرث عاطفي وروحي، يحمل حكايات الجدات، وأصالة المجالس، ورحابة الكرم. ومن هنا تولدت قناعتهما بأن مسؤولية الشيف الإماراتي لا تقتصر على تقديم الطعام، بل على حفظ الموروث الثقافي، وترجمته بلغة العصر، مع الحفاظ على جوهر النكهة، وروح الضيافة. فهما لا تسعيان إلى تجديد المطبخ، بل تريدان تقديمه بأسلوب يليق بالذائقة العصرية، مع احترام عمق المذاق؛ لأن الأطباق لديهما ليست مجرد طعام، فهي مشهد بصري، وطعم يحمل بصمة القلب، ورسالة تحتفي بالهوية. ومع ما تعيشه الشقيقتان من نجاح، إلا أن لديهما حلماً لا يعرف سقفاً؛ فتطمحان إلى المشاركة في برامج الطهي العالمية مثل «ماستر شيف»، لتحملا اسم الإمارات في هذا المحفل الدولي بروح تليق بثراء مطبخها، كما تتطلعان إلى افتتاح مطعم خاص بهما، يكون عضويّ الطابع، ويقدم مزيجاً من الأطباق الإماراتية والعالمية، بحس صحي معاصر، يراعي المكوّنات النقية، ويصون الطعم الأصيل.

رؤية مشتركة

تقول هدى وميثه: «نحلم بأن ننشر الوعي بأسلوب حياة متوازن، وأن نرسّخ فكرة أن الأكل ليس مجرد وقود للجسد، بل رسالة حب واهتمام بالنفس. وهكذا يصبح المطبخ أسلوب حياة، ومساحة يومية نعبّر فيها عن وعينا بأن الصحة لا تنفصل عن المذاق، وأن كل طبق يمكن أن يكون حكاية حب للجسد، والروح، معاً». ووسط هذا الشغف، تظل الشيف ميره النقبي (سفيرة النكهة الإماراتية)، قدوتهما الملهمة في هذا العالم؛ فهي التي مزجت الأطباق التقليدية باللمسة العصرية؛ فحملت المطبخ الإماراتي إلى محافل العالم، برؤية فيها احترام للتراث، وابتكار يليق بالحاضر. إن الطهي - في نظر الشقيقتين - ليس مجرد مقادير توزن، بل فن ورسالة، ورحلة يخطها كل شيف وفق هويته ولمساته؛ فتقولان: «على كل من يريد دخول هذا المجال ألا يخاف من التفرّد، وأن يدرك أن العالم بانتظار قصته التي سيحكيها في كل طبق؛ فالمطبخ منصة حقيقية لاكتشاف الذات، وترجمة الحكايات الشخصية إلى نكهات تبقى في الذاكرة!».