برهنت الأسترالية، ميلاني بيركنز، على خطأ المثل الشائع «الفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة»، فأثبتت أن النجاح يعني ملاحقة الفرص حتى الحصول عليها، وأن اغتنامها هو النجاح الحقيقي.

  • من حلم صغير إلى تطبيق عالمي.. قصة ميلاني بيركنز ملهمة جيل المصممين

وفي ريعان شبابها، أظهرت ميلاني العاشقة للتصميم طموحاً لا يتوقف، بعد أن رأت أن معظم برامج التصميم معقدة وصعبة، ولا يمكن استخدامها إلا من قبل المحترفين، بعد أن يمضوا وقتاً طويلاً في تعلمها، ما يحرم الملايين حول العالم التمتع بمزاياها؛ فكانت الفكرة من الطالبة الأسترالية هي ضرورة وجود برنامج بسيط، وسهل، وغير معقد، يستطيع أي شخص التعامل معه بسهولة ويسر دون أي خبرة مسبقة.

ومع دخولها مرحلة العشرينيات، عرضت ميلاني الفكرة على المستثمرين، وقوبلت دائماً بالرفض، حتى رُفِضَت أكثر من 100 مرة، فقد كان هؤلاء يرون فيها شابة صغيرة، أمام مشروع ضخم، لكن إيمانها بمشروعها دفعها للاستمرار والمحاولة حتى الوصول إلى لحظة الحقيقة، التي تجلت عام 2013، بتأسيس «Canva»، الذي بات اليوم أحد أشهر برامج التصميم في العالم.

شغف منذ الطفولة:

ظهرت معالم النجاح وبوادر الطموح والشغف على ميلاني منذ طفولتها التي عاشتها في أستراليا، فقد ولدت بمدينة بيرث الأسترالية عام 1987، وكانت عاشقة للتزلج على الجليد، وتمارس رياضتها المفضلة فجر كل يوم، وحبها الكبير لهذه الرياضة زرع في نفسها الإصرار والقدرة على خوض التحديات.

  • من حلم صغير إلى تطبيق عالمي.. قصة ميلاني بيركنز ملهمة جيل المصممين

وما إن بلغت ميلاني 14 عاماً؛ حتى بدأت تصميم وصناعة أوشحة يدوية، وامتلكت قدرة على بيعها وتسويقها في محال المدينة، ما منحها خبرة كبيرة، وجعلها تخوض تجربة مميزة في عمرٍ صغير.

ورغم أنها لم تدرس التصميم، وإنما اتجهت نحو علم النفس الاتصالي، إلا ان شغفها للتصميم لم يتوقف يوماً، وكانت تعلمه للطلبة خارج أوقات دراستها، الأمر الذي جعلها تلاحظ مدى صعوبة البرامج المخصصة للتصميم، فبدأت من هنا قصة تفكيرها في برنامج يغير قواعد التصميم بشكل تاريخي.

التجربة الأولى:

في عمر العشرين عاماً، قررت ميلاني خوض تجربتها الأولى، بعد أن لاحظت أن والدتها، التي تعمل في مجال التعليم، تلاقي صعوبات كبيرة في تصميم كتبِ تَخَرُّج الطلاب، ما دفعها لمحاولة إيجاد تطبيق ميسر لتصميم هذه الكتب بمساعدة أحد مطوري البرامج، وهو غريغ ميتشل مؤسس شركة «InDepth»، الذي آمن بفكرتها. واستطاعت ميلاني، وميتشل، تأمين مبلغ 50 ألف دولار من الأصدقاء والعائلة، وأطلقا برنامج «Fusion Books»، الذي لاقى نجاحاً ورواجاً لا بأس بهما.

  • من حلم صغير إلى تطبيق عالمي.. قصة ميلاني بيركنز ملهمة جيل المصممين

وقد لخصت ميلاني بنفسها هذه القصة، خلال إحدى المقابلات التي أجرتها، فقالت: «أصبح صالون والدتي مكتبي، وصار حبيبي شريكي في العمل (زوجها كليف أوبريخت)، بدأنا بمساعدة المدارس على تصميم كتب تَخَرُّجها بطريقة بسيطة جدًا. كان بإمكان جميع طلاب السنة التعاون معًا؛ لتصميم صفحاتهم الشخصية ومقالاتهم. وبعد ذلك، كنا نقوم بطباعتها فعليًا، وتسليمها إلى المدارس في جميع أنحاء أستراليا».

التحول التاريخي:

مثلت مشاركة ميلاني، في مؤتمر خاص برواد الأعمال أقيم بمدينتها بيرث بأستراليا، حدثاً تاريخياً غيّر حياتها إلى الأبد، فقد التقت في هذا المؤتمر المستثمر الأميركي اللامع بيل تاي، وعرضت عليه فكرتها الجنونية، التي لم يؤمن بها أحد سابقاً، وهي برنامج تصميم يستخدمه الجميع.

أعجب تاي بالفكرة وآمن بكل تفاصيلها، ما دفعه لدعوتها للحضور إلى سان فرانسيسكو؛ لمناقشة المشروع بشكل واسع، ونال العرض التوضيحي للمشروع إعجاب تاي، لكنه وضع شروطاً صعبة، كان أهمها العثور على فريق تقني قوي، وقادر على إحياء المشروع، الأمر الذي لم يكن سهلاً، واستغرق منها وقتاً غير قليل حتى تم الاتفاق مع المؤسس المشارك لـ«خرائط غوغل»، لارس راسموسن، وكاميرون آدامز، وديف هيرندن من «غوغل» أيضاً، اللذين وافقا أن يكونا ضمن الفريق المؤسس لـ«كانفا».

  • من حلم صغير إلى تطبيق عالمي.. قصة ميلاني بيركنز ملهمة جيل المصممين

في عام 2012، استطاعت ميلاني، وفريقها، الحصول على تمويل فاق كل التوقعات، فبلغت قيمته 1.6 مليون دولار من مستثمرين، بالإضافة إلى 1.4 مليون دولار دعمًا حكوميًا من أستراليا، التي رأت في مشروعها قيمة اقتصادية واعدة.

وفي العام التالي، أطلق الموقع رسميًا، ليتيح للمستخدمين إنشاء تصاميم متنوعة عبر الإنترنت مجانًا.

قمة النجاح:

وصلت ميلاني، اليوم، إلى ذروة نجاحها؛ فمشروعها الذي كان مستحيلاً، وقوبل بـ«لا» مرات عدة، تبلغ قيمته اليوم حوالي 49 مليار دولارٍ، وإيرادات سنوية تقارب الثلاثة مليارات دولار، و220 مليون مستخدم.

هكذا رسخت ميلاني، في أذهان الكثيرين، أن النجاح لا يأتي صدفةً أبدًا، بل ثمرة تعب ومثابرة وسعي مستمر خلف الحلم حتى يتحقق. واليوم، باتت ميلاني مصدر إلهام لملايين النساء والرجال في العالم، ويشجّعهم مثالها على التمسك بأهدافهم، وعدم الاستسلام أمام أول عثرة تعترض طريقهم، فالحلم لا يتحقق إلا بالعمل، والنجاح لا يُنال إلا بعد تجاوز الصعاب.