شيماء أهلي: الفخار اختارني ولم أختره
«حين يلتقي الطين بالروح، يولد الفن».. بهذا الإيمان العميق، تنسج الفنانة الإماراتية شيماء أهلي حكاياتها الخزفية، فكل قطعة تخرج من بين يديها تحمل بصمة من ذاكرتها، وأثراً من أرضها، ونبضها الداخلي. إن قطعها الخزفية، التي تحمل بصمتها الفريدة، روح تحب التواصل، وتستمع بقلب وعقل مفتوحين، وتؤمن بأن الفن لغة عالمية، تتجاوز الحواجز. تتذكر شيماء بدايات رحلتها مع الطين، تلك البدايات التي لم يكن مخططاً لها: «كنت أدرس علوم الصحة العامة في أميركا، وأسعى للحصول على البكالوريوس والماجستير». وقبل أن تخوض غمار الماجستير، التقت سيدةً تصنع الفخار في منزلها؛ وتقول: «جربتُ الطين؛ فشعرت بأنه يناديني، وسرعان ما تحول إلى هواية».. وتخبرنا شيماء، مضيفة أن هذه الشرارة كانت بداية علاقة عميقة مع مادة ستغير مسار حياتها.
-
شيماء أهلي: الفخار اختارني ولم أختره
عادت شيماء إلى الإمارات، وعملت بوزارة الصحة، فيما ظلت «عجلة الفخار» تدور بين يدَيْها كمتنفس يومي على مدى خمس سنوات. وخلال جائحة «كورونا»، تحوّلت الهواية إلى مشروع، والمشروع إلى رسالة. تلك الفترة، التي فرضت العزلة على الكثيرين، كانت لشيماء فرصة ذهبية للتعمق في عالمها الفني.. وعن هذه الفترة تقول: «جلستُ في البيت، وصرت أعمل لساعات طويلة يومياً على هوايتي، إلى أن شعرت بأنني صرت جاهزة؛ لأفتتح تجارتي». وخلال بحثها عن الأدوات المتخصصة، لاحظت محدودية توفرها محلياً آنذاك، سواء من حيث الأفران أو عجلات التشكيل، ما فتح أمامها أفقاً جديداً: لماذا لا توفرها هي؟.. فأنشأت شركة لاستيراد أفران وعجلات وأدوات التشكيل؛ لتصبح واحدة من أولى رائدات الأعمال في هذا المجال بالدولة.
ملاذ الروح
لا ترى شيماء أهلي في الفخار مجرد حرفة، بل تراه تمريناً يومياً على الصبر، والاتصال العميق بالذات.. توضح: «الفخار ليس سهلاً، فهو يتطلب جهداً وتركيزاً كبيرين. ودائماً أقول لمن يشاركون في الورش التي أنظمها: لا تأتوا بفكرة أنكم ستخرجون بتحفة فنية، بل تعالوا بفضول، وحب التجربة، والاستمتاع». الطين، في رأيها، يشبه الطبيعة؛ فهو يأخذ منك كل ما فيك، ويطلب تركيزك الكامل، إنه ليس فناً فحسب، بل علاج داخلي. وتضيف شيماء أن عدداً من أخصائيات علم النفس في السعودية تواصلن معها، لطلب قسائم خصم لمرضاهن؛ للاشتراك في الورش التي تنظمها، خاصة لمن يعانون مشاكل في السيطرة على الغضب أو القلق؛ لأن الطين «يمتص التوتر تماماً، كالمشي على الرمل، أو في الغابة».. بحسب رأيها.
رحلة اكتشاف الهوية الفنية
بالنسبة لشيماء، قطعة الخزف لا تولد من العدم، وإنما تأتي بعد عملية طويلة ومعقدة، وعن ذلك تقول: «أنا لست رسامة، لكن قبل أن أبدأ تشكيل القطعة التي تمثلني؛ أرسم تصميمها بشكل بسيط تماماً كالأطفال. كما أنني أسافر كثيراً، وأمشي في الطبيعة؛ لأستلهم تصاميمي، وأعبر عنها في القطعة التي تولد بين يديَّ». وعن رحلة اكتشاف هويتها الفنية، علقت: «لا يمكنك أن تكتشفي هويتك الفنية في الشهر الأول من دخولك أي مجال فني. في البداية، ستقلدين أعمالاً أخرى؛ لأنك ستكونين في رحلة بحث عن هويتك». وعندما تُسأل: كيف وَجَدَتْ هويتها الفنية؟.. تقول: «وجدتها بعد عشر سنوات من ممارستي تشكيل الخزف.. بفعل التجارب». وتصف حجم التجربة: «لا تتخيلي كمية القطع، التي كنت أصنعها وأكسرها، أو أهديها؛ لأنها - بكل بساطة - لم تكن تمثلني، أو تمثل الأشياء التي أحبها».
-
شيماء أهلي: الفخار اختارني ولم أختره
مزيج من الألوان.. والكلمات
تعتبر شيماء الطين كائناً حياً، تتحدث معه، وتستمع إليه؛ فتبين: «أنا لم أختر الفخار، وإنما اختارني الفخار»، وتتابع: «كل قطعة أصنعها يجب أن تكون لها قصة، وروح، وارتباط عاطفي»؛ فهي لا تحتمل أن تصنع شيئاً لا يشبهها، أو لا يمسّها؛ لذا تكسر القطع التي لا تجد فيها جزءاً من ذاتها. وفي أعمالها ملمس يشبه الذاكرة، وألوان تمثل الطفل بداخلها، ورسومات تعد خلاصة ما تراه من الطبيعة.. من الحياة، والناس!
بصمة حضارية
يقال: «في الطين نجد قصة حضارة»، وهذا ما تؤكده شيماء؛ فهو وسيلة لتوثيق الزمن، والهوية.. تقول: «أزور متاحف العالم، وأول ما أفعله هو دخول قسم الخزف؛ فربما قطعة خزفية واحدة تخبرك عن شعب بأكمله». وعن حلمها الخاص، تقول (ضاحكة): «عندما أصنع قطعة؛ أتمنى أن تدوم مئات السنوات، حتى يكتشفها أحدهم، ويعرضها في متحف، فيشاهد الناس كل هذه الرسومات التي تزينها، لمعرفة طبيعة حياتنا في عام 2025».
طموح.. ورسالة
تطمح شيماء أهلي إلى رؤية أعمالها الخزفية معروضة في متحف إماراتي، وليس عالمياً فحسب، كما تطمح إلى التعاون مع علامات تجارية عالمية في عالم الموضة والمجوهرات، ليس حباً في الشهرة، وإنما لأنها تدفع الفنان إلى كسر القوالب الجامدة، والخروج من منطقة الراحة؛ وتوضح: «يطلبون تقديم أشياء لم أجربها من قَبْلُ.. وأنا أحب التحدي». وتختتم حديثها بدعوة من القلب؛ لتعزيز تعليم الفنون الخزفية في المدارس الإماراتية؛ فلا يكتمل نمو الطفل نفسياً، ومعرفياً، إلا من خلال الفن. أما نصيحتها لكل شابة ترغب في ترك بصمة بمحيطها، فهي: «لا تخافي.. فالخوف يقتل الحلم.. وفي هذا البلد، كل شيء ممكن، فقط أزيلي الخوف، وستنطلقين».