تجمع المستشارة الإماراتية، نورة اليماحي، بين الهندسة المعمارية، والتجربة الثقافية اليابانية، وتقدّم نموذجًا نسائيًا فريدًا، يستند إلى رؤية عميقة، تهدف إلى تعزيز التعليم، وتنميته، وفقًا لاحتياجات العصر، فهي مستشارة في شركة «رؤية للاستشارات»، وباحثة في مجال مستقبل التعليم، ومدربة معتمدة من الاتحاد الدولي للتدريب (ICF). تتميز رحلة اليماحي الأكاديمية، التي بدأت من دراسة الهندسة المعمارية، ووصلت إلى مجالات الاستشارات الثقافية، بتوازن بين الخبرات الشخصية والعملية، حيث تسعى إلى تقديم نماذج تعليمية مبتكرة، تربط بين الهوية والقيم، وتعكس المستقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي.. «زهرة الخليج» التقتها؛ فكان معها الحوار التالي:

كيف بدأت مسيرتك المهنية، من الهندسة المعمارية إلى الاستشارات الثقافية؟

مسيرتي المهنية امتدت لأكثر من عشرين عامًا، حيث بدأت بمجال الهندسة المعمارية، التي شكلت الأساس لرؤيتي للعالم، وطريقتي في تحليل الأفكار. وبمرور الوقت، شعرت بحاجة قوية للتوسع والانتقال إلى مجالات الاستشارات الثقافية والتربوية؛ فبدأت أعمل مع مؤسسات تهتم بالهوية واللغة والطفولة، واكتشفت أن هناك حاجة حقيقية لإعادة تخيل التعليم، لا باعتباره منهجاً دراسياً فقط، بل كبيئة حاضنة، تنبثق من الثقافة، والدين، والبيئة، وتنفتح - في الوقت ذاته - على أدوات المستقبل.

  • نورة اليماحي: اللغة العربية وعاء القيم ومرآة الهوية

عزيمة.. ورغبة

إلى أيّ مدى أثرت تجربتك باليابان في رؤيتك تجاه الهوية، والتعليم؟

حين انتقلت إلى اليابان، كان أطفالي في المرحلة التأسيسية، وكانوا يعيشون في بيئة لا تتحدث لغتهم، ولا تعكس ثقافتهم. لم أكن أترقب أن تُزرع الهوية تلقائيًا بداخلهم، بل سعيت إلى غرسها فيهم، بوعي، وتجريب، وحب. بدأت بتعليمهم اللغة العربية في المنزل؛ باستخدام وسائل متنوعة، مثل: الدروس الرقمية، والمصادر التعليمية، وكان العنصر الحاسم هو العزم والرغبة. لم تكن الغربة حاجزًا، بل كانت دافعًا لاكتشاف أساليب تعليمية حية، تنبثق من الهوية، وتُغذى بالتفاعل مع الحياة اليومية.

كيف ترين دور اللغة العربية في تشكيل الوعي الثقافي، والفكري، لدى المجتمع؟

حين نتحدث عن اللغة الأولى، نقول: «اللغة الأم»، كأننا نعترف، ضمناً، بأنها الأصل والمنبت. هذه التسمية تحمل - في طياتها - معنى جوهرياً، لا ينبغي إغفاله، هو: ما الذي تعنيه «الأمومة»؛ حين تكون لغتنا الأم هي العربية؟.. أن حواسنا الأولى، وخيالنا، وأحلامنا، بل وحتى قراءتنا للقرآن، الذي يشكل أساس منهجنا الديني، قد نُسجت جميعها بحروف هذه اللغة الأصيلة. فالعربية ليست مجرد وسيلة للتخاطب، بل هي الوعاء الذي نحمل فيه قيمنا، ومشاعرنا. 

تدرسين، حالياً، نماذج تعليمية مبتكرة، تنطلق من البيئة واللغة وعلوم الأرض.. ما أبرز الأفكار، التي تستهدفينها في هذا المجال؟

قررت دراسة الماجستير للمرة الثانية، وهذه المرة في مجال التعليم، بجامعة إدنبره ـ كلية مستقبل التعليم. لم يكن القرار انتقالاً من مسار إلى آخر، بل امتداداً لتجربة بدأت من البيت. ومع الوقت، ومن خلال عملي كمستشارة ثقافية، شعرت بحاجة ملحة إلى دراسة بحثية أعمق، تُنتج نموذجاً تعليمياً حياً، وواقعياً، وقابلاً للتطبيق. في رسالتي، أعمل على تطوير نموذج تعليمي أسميه «الملاذات المعرفية»، يستند إلى ثلاث ركائز أساسية، هي: البيئة، والإرث الثقافي، والذكاء الاصطناعي تحت هداية المرجعيات الأخلاقية والدينية، والهوية الإسلامية واللغة العربية كمرجعيات للتعلم مدى الحياة.

منظور إنساني.. وتربوي

هل هناك مشاريع، أو مبادرات، جديدة تعملين عليها حالياً؟

أركز، حالياً، على ثلاثة مسارات متوازية، يجمعها السعي نحو التأثير التربوي والمعرفي: رسالتي البحثية في جامعة إدنبره، وتوسيع نطاق التدريب المهني للناشئة، من خلال تصميم محتوى تطبيقي، يتناسب مع واقعهم، ويستجيب لاحتياجاتهم المتغيرة. وتأليف كتاب إبداعي، يحمل رؤية تأملية، تستلهم من تجربتي الشخصية، وتربط بين الثقافتين الإماراتية واليابانية، من منظور إنساني وتربوي مشترك.

كيف ترين دور المرأة الإماراتية في المجتمع اليوم، وما الذي يجعلك تشعرين بالفخر تجاه هذه الرحلة؟

المرأة الإماراتية أثبتت قدرتها على التفوق في مختلف المجالات؛ بفضل دعم القيادة الرشيدة، ورؤية المجتمع الداعمة. إن إنجازات المرأة الإماراتية نتاج مسيرة بدأت مع أمهاتنا وجداتنا، اللواتي كنَّ أساس الأسرة والمجتمع. ما يجعل هذه الرحلة قريبة إلى قلبي، هو أنني أشعر بأننا نحمل إرثاً حياً، يجب أن نكمله بوعي ومسؤولية، مع الحفاظ على قِيَمه في العصر الحديث.