فاطمة كراشي: حراسة المرمى خط فاصل بين الفوز والخسارة
أن تمارسي الرياضة؛ فهذا أمر مألوف، لكن أن تختاري رياضة استثنائية مثل هوكي الجليد، في قلب الصحراء، وتلعبي في أصعب مراكزها (حارس المرمى)، فهو حتماً خيار جريء، لا تقوى عليه الكثيرات.. هكذا بدأت حكاية فاطمة كراشي، الممرضة الإماراتية، وحارسة مرمى المنتخب الوطني لرياضة الهوكي، التي قررت أن تكسر المألوف، وتكتب لنفسها، ولبلدها، قصة مختلفة على الجليد. من هنا انطلقت الأسئلة، التي حاولنا - من خلالها - الغوص أكثر في تجربتها.. كيف بدأت؟.. وكيف واجهت التحديات؟.. وما الذي تطمح إليه في مستقبل اللعبة؟.. تابعوا حوارنا معها؛ لتعرفوا كل هذا وأكثر:
-
فاطمة كراشي: حراسة المرمى خط فاصل بين الفوز والخسارة
كيف بدأت رحلتك مع هوكي الجليد، في منطقة صحراوية كالإمارات؟
منذ طفولتي كنت أحب التزلج، وكنت دائمة التردد على مدينة زايد الرياضية بأبوظبي؛ لممارسة الرقص على الجليد. كنت أبحث عن شيء غير مألوف، ومميز، في قلب الصحراء (الثلج). لكن عندما شاهدت لعبة الهوكي؛ شعرت بأنني أميل إليها أكثر من التزلج الفني. عام 2009، لم يكن هناك فريق نسائي، بل كانوا فقط يسجلون أسماء الفتيات الراغبات، ثم تأسس الفريق عام 2010. في البداية، تعلمنا أساسيات التزلج، وكيفية الإمساك بالعصا. بدأت مدافعةً، ثم مهاجمةً، وبعد ذلك انتقلت إلى حراسة المرمى؛ بسبب النقص العددي في هذا المركز، فجربتها وأحببتها أكثر رغم صعوبتها، وقتها كنت في الثامنة عشرة من عمري.
منظور.. وخبرة
كيف ترين لعبة الهوكي.. من منظورك، وخبرتك؟
الهوكي رياضة غير مألوفة، ومميزة، ليس في منطقتنا فحسب، بل حتى في دول مثل كندا، التي تُعد موطنها. إنها تحتاج إلى إتقان التزلج، والتحكم في النفس، والثقة، ثم التحكم في العصا والقرص بمهارة عالية. هذه الرياضة علمتني الثقة بنفسي أكثر، حتى في حياتي الشخصية ودراستي. كنت في «الثانوية» حينها، وكان عليَّ أن أوفق بين الدراسة بتحقيق درجات جيدة، وبين التدريبات. الهوكي رياضة بدنية وفكرية في الوقت نفسه، وهذا من الأسباب التي دفعتني إلى اختيار مجال التمريض؛ لأنهما متشابهان، فالحارس آخر أمل للفريق، والممرضة، كذلك، خط الدفاع الأخير عن المريض.
كيف وازنتِ بين دراستك ومهنتك، وبين اللعب؟
لم يكن الأمر سهلاً، لكنني حاولت أن أنظم حياتي. فبعد الدوام كنت أرتب أموري، ثم أتوجه إلى التمرين. غالباً كانت التمارين مسائية، وهذا ساعدني على الانضباط، وتنظيم وقتي، بشكل أفضل.
كيف تقبّلت عائلتك حراستك للمرمى، في لعبة غير تقليدية؟
في البداية، واجهت الكثير من التساؤلات، لكن الأمور مضت بسلاسة، ولعل أحد أسباب تقبل هذا الأمر، هو أن خالي كان لاعب هوكي أيضاً، وحين علم بأنني اخترت هذا الطريق شجعني، ودعمني بقوة. ورغم أن الهوكي لعبة تحتاج إلى القوة، لكنني أرى أن طبيعة النساء، وبنيتهن، تضيفان إليها جانباً من الرشاقة، واللطف. وقد أثبتُّ لنفسي، وللآخرين، أن المرأة قادرة على خوض هذه الرياضة بنفس القدر من القوة والإصرار، لكن مع لمستها الخاصة، التي تجعلها أكثر تميزاً.
هل تتطلب هذه اللعبة تدريبات خاصة، خارج أرضية الملعب؟
بالتأكيد؛ فمن لا يمارس تمارين خارج أرضية الملعب (off-ice)؛ يتعرض للتعب، والإصابات بسرعة؛ لذلك تجب تقوية عضلات اليدين والرجلين؛ للتحكم الجيد في العصا، بالإضافة إلى تدريبات اللياقة والركض؛ لرفع مستوى التحمل، كما أن الوقوف على الجليد يتطلب وضعية «القرفصاء» (سكوات) دائماً، وإذا لم يعتد عليها اللاعب؛ فسيصبح الأمر صعباً وشاقاً عليه.
كيف كان صدى مشاركتك الأولى في بطولات الهوكي عالمياً، وما أبرز ردود الفعل؟
الإمارات أول دولة في المنطقة تؤسس فريقاً نسائياً لهوكي الجليد، وقد تلقينا ردود فعل مليئة بالدهشة؛ عن كيفية لعب الهوكي في الصحراء. إن مشاركتنا لم تكن مجرد مباراة، بل رسالة قوية، تقول: «نعم، نحن أبناء الصحراء، لكننا قادرون على خوض هذه الرياضة الاستثنائية، وإثبات حضورنا فيها».
-
فاطمة كراشي: حراسة المرمى خط فاصل بين الفوز والخسارة
كيف تستعدين للمباريات؟
موقعي كحارسة للمرمى ليس عادياً، فأنا آخر أمل للفريق، والخط الفاصل بين الفوز والخسارة؛ لهذا أتدرب مع فرق أخرى، منها فريق في دبي يضم لاعبات من كندا (موطن اللعبة)؛ ما يساعدني على رفع مستواي. إن الحراسة ليست قوة جسدية فحسب، بل معركة ذهنية أيضاً؛ وأكثر من 70% من التصدي يعتمد على العقل. أتذكر مرةً، ترددت خلالها للحظة أمام قرص، فاستغلته لاعبة، وسجلت هدفاً، ومنذ ذلك اليوم تعلمت أن الثقة قرار يجب أن يُحسم قبل دخول الملعب. قبل المباريات أحرص، دائماً، على القيام بتمارين التمدد، ثم أمنح نفسي دقائق من التركيز الذهني؛ أسترجع فيها مباراتي الأخيرة، وأخيراً نلتقي كفريق؛ لنستعد للتحدي بروح واحدة.
ما طموحك في هذه اللعبة؟
طموحي لا يتوقف عند حدود الملعب المحلي، فأنا أحلم برؤية فريق هوكي الجليد الإماراتي ينافس دولياً، وأن يصل إلى الأولمبياد. ولتحقيق ذلك، نحن بحاجة إلى زيادة عدد اللاعبات، والمزيد من المباريات القوية مع فرق خارجية؛ لأن الاحتكاك بمستويات عالية يرفع الأداء. كما أؤمن بأنه يجب أن نبدأ مع الفتيات مبكراً؛ فالتزلج في سن صغيرة أسهل بكثير، لأنه عندما تكبر الفتاة؛ تزداد التزاماتها، ويصبح التدريب أصعب بالنسبة لها.
كلمة أخيرة!
لا أشجع على رياضة بعينها؛ لذلك أنصح الأهالي بأن يتركوا أبناءهم يجربون رياضات مختلفة، حتى الغريبة منها؛ فقد يكتشفون شغفهم في مكان غير متوقع. اليوم، الإمارات توفر بيئة مشجعة، بتنظيم البطولات، والأنشطة الرياضية، وعلينا أن نرد الجميل برفع اسم بلدنا عالياً.