عبدالله بن جاسم المطيري: العملات تحمل قصص الشعوب
منذ أكثر من خمسة عقود، انطلق الإماراتي عبدالله بن جاسم المطيري، أحد أبرز خبراء المسكوكات الإسلامية بالمنطقة والعالم، في رحلة شغف قادته إلى تكوين واحدة من أضخم المجموعات الخاصة بالعملات الإسلامية والنادرة، التي تجاوزت الـ14 ألف قطعة، وجُمِعَتْ في موسوعة علمية ضخمة، تعد مرجعاً مهماً للباحثين والمؤرخين.. في هذا الحوار مع «زهرة الخليج»، يحدثنا المطيري عن بداياته، وموسوعته الفريدة، وتاريخ النقد في الإمارات، الذي يراه جزءاً من ذاكرة الأمة:
-
عبدالله بن جاسم المطيري: العملات تحمل قصص الشعوب
بدايةً.. كيف تشكلت علاقتك مع العملات، ومتى بدأت هذه الرحلة الطويلة؟
القصة بدأت منذ الصغر؛ عندما حصلت على أول عملة، وكانت «بيزة عمانية» مضروبة بمسقط عام 1315هـ، في عهد السلطان فيصل بن تركي. بعدها بوقت قصير، حصلت على «تلر نمساوي» مضروب عام 1780، وظننت - حينها - أنني أمتلك أقدم عملة في العالم. في البدايات، كنت أجمع بشكل عشوائي، وغالباً لم يتجاوز عمر العملات التي بحَوْزتي الـ50، أو الـ60 سنة. إن نقطة التحول جاءت منتصف الثمانينيات؛ عندما بدأت التواصل مع خبراء عملات، فبدأت رؤيتي تتضح، وانصبَّ اهتمامي على المسكوكات الإسلامية.
رحلة ثرية
كيف تطورت «المجموعة»؛ حتى وصلت إلى أكثر من 14 ألف قطعة؟
كانت رحلة طويلة، جمعت خلالها تاريخ العالم من خلال العملات، عبر حضور العديد من المزادات، والمعارض العالمية، في بريطانيا، وسويسرا، وغيرهما، واشتريت من هواة لم يتمكنوا من الاستمرار، ومن تجار في السوق المحلي. بمرور الوقت؛ أصبحت العملات تأتي إليَّ بدلاً من أن أبحث عنها. اليوم، أمتلك أكثر من 14 ألف قطعة، بعضها يعود إلى «العهد الراشد»، وهو رقم كبير جداً بالنسبة لمقتنيات الأفراد، ويضاهي ما تحتفظ به متاحف عالمية.
ماذا عن «الموسوعة»، التي صدرت لتوثيق هذه «المجموعة»؟
«الموسوعة» جاءت بالتعاون مع الدكتور عاطف منصور، عميد كلية الآثار بجامعة الفيوم في جمهورية مصر العربية، وهي مكونة من عشرة أجزاء، طُبعت منها ثلاثة حتى الآن. وتضم صوراً وتفاصيل علمية دقيقة عن مقتنياتي كاملةً، وتاريخها، وهي بمثابة «متحف متنقل» يؤرخ للنقد الإسلامي، إلى جانب الكثير من الإصدارات، التي نُشِرَتْ لي من قِبَل الجهات المختصة في دولة الإمارات عن تاريخ العملات.
-
عبدالله بن جاسم المطيري: العملات تحمل قصص الشعوب
لننتقل إلى التاريخ.. كيف بدأ تداول العملات على أرض الإمارات؟
القصة تبدأ من «العهد الراشد»، وتحديداً عام 30 للهجرة؛ عندما استخدمت الدراهم الساسانية المعربة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. واستمر هذا النمط حتى عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (77–132هـ)، الذي قام بالتعريب الكامل للدنانير؛ لتصبح إسلاميةً خالصةً بلا رموز بيزنطية أو فارسية. ومع قيام الخلافة العباسية، تغيرت العبارات الإسلامية على العملات، واستمرت النقود الذهبية والفضية حتى عام 656هـ، ثم بدأت الإمارات تتداول نقود الدويلات المجاورة.
ماذا عن بداية استخدام العملات الحديثة؟
في الفترة بين 1780، و1835، تصدر «التلر النمساوي» المشهد، وكان يُعْرَفُ محلياً بـ«الريال الفرنسي». وقد فضّله التجار على غيره؛ بسبب نقاء معدنه، إذ يزن 28 غراماً، منها 26 غراماً فضةً، وغرامان من الزنك، والنحاس. بعد ذلك، ومع توقيع اتفاقية الهدنة بين بريطانيا والخليج عام 1820، بدأت «الروبية الهندية» - التي أصدرتها شركة الهند الشرقية - في الانتشار، وكان «التلر» يعادل روبيتين ونصف الروبية.
-
عبدالله بن جاسم المطيري: العملات تحمل قصص الشعوب
حدثنا عن «الروبية الهندية»، ومراحلها المختلفة!
عام 1835، ظهرت روبية الملك ويليام الرابع، ثم روبيات الملكة فيكتوريا. في البداية، لم تحمل عملتها تاجاً؛ فسمّاها الناس «روبية أم بنت». وفي عام 1862، أصدرت حكومة الهند البريطانية روبية جديدة مكتوبة بـ«الإنجليزية» فقط، خلافاً للسابقة، التي ضمت اللغة الأوردية. عام 1877، تغير لقب فيكتوريا إلى «الإمبراطورة»، واستمر تداول عملاتها حتى وفاتها في 1901. وتبعتها روبيات إدوارد السابع (1903–1910)، التي تميزت بفئة «الآنة» المحززة الشكل؛ فعُرِفَتْ محلياً بـ«الچرخي». أما جورج الخامس (1911–1936)، فاشتهرت عملاته بروبية «الشيبة»، وكان يتم إصدارها بالفضة، والنيكل، والنحاس، وفي عهده ظهرت العملات الورقية بفئات وصلت إلى 100 روبية، وبعضها كان على شكل دفاتر شيكات، يستخدمها التجار. ثم جاءت فترة جورج السادس (1938–1950)، التي شهدت تغيرات في مكونات المعادن بسبب الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1946، تم إصدار روبية من النيكل، أطلق العامة عليها «روبية أم شير وبانيان». وقد ظهرت - في عهده - عشر روبيات ورقية حملت صورة الإمبراطور بالتاج العالي، وسماها الناس «أم علعولة».
ماذا بعد استقلال الهند؟
بعد عام 1947، استمر تداول الروبيات، لكن بشعار جديد هو «الأسود الثلاثة»، الذي أطلق عليه العامة «أم صنم». وبين عامَيْ: 1950، و1966، صدرت الفئات المعدنية والورقية المختلفة، منها «نيا بيسا»، التي تغير اسمها إلى «بيزا»، لاحقاً.
كيف تعاملت الإمارات مع هذه المرحلة الانتقالية؟
في تلك الفترة، عام 1959، ظهرت «روبية الخليج»، واستمر تداولها حتى 1966. وبعد خفض قيمتها من حكومة الهند، تم الاتفاق بين حكومتَيْ: أبوظبي، والبحرين، على استخدام الدينار البحريني (المعدني، والورقي). واعتمدت الإمارات الأخرى الريال السعودي، والأجزاء المعدنية البحرينية لفترة قصيرة. وفي 18 سبتمبر 1966، بدأ تداول «ريال قطر ودبي»، في: دبي والشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة.
-
عبدالله بن جاسم المطيري: العملات تحمل قصص الشعوب
أول عملة وطنية
متى صدر الدرهم الإماراتي، وما رمزيته؟
في 19 مايو 1973، تم تأسيس مجلس النقد الإماراتي، وصدر الدرهم الإماراتي كأول عملة وطنية، وجاءت فئاته الورقية مزينةً بمعالم وطنية، مثل: برج البترول، وحصن الشارقة، وقلعة الفجيرة، وجامع القواسم برأس الخيمة، إضافة إلى صور النخيل وقوافل الجمال. أما العملات المعدنية، فحملت رموزاً طبيعية وتراثية، مثل: النخلة، والسفن الشراعية، والغزال، والدلة العربية، وأبراج النفط. وفي عام 1976، أضيفت فئة الـ1000 درهم، التي زُينت بقلعة الفهيدي في دبي، والجامع الكبير، وقلعة الجاهلي في العين. كما كُتبت أسماء الإمارات باللغة الإنجليزية على أطراف العملات؛ لتجسيد الوحدة الوطنية.
في الختام.. كيف تصف القيمة الحقيقية للنقد؟
العملة ليست مجرد معدن أو ورق، بل وثيقة حية تحمل قصص الشعوب؛ فمن خلال النقد يمكن قراءة التحولات: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، عبر العصور. بالنسبة لدولة الإمارات، شكلت أرضها - منذ قرون طويلة - ملتقى للتجارة والتبادل الاقتصادي بين حضارات مختلفة، حيث أدرك الحكام، منذ البدايات، أن بناء دولة قوية ينطلق من اقتصاد متين ومستقر. وفي هذا الإطار، نشأت على هذه الأرض المباركة قصة النقد، التي تعكس مسيرة التحولات الاقتصادية والسياسية، من تداول العملات الإسلامية والأجنبية، وصولاً إلى إصدار أول عملة وطنية (الدرهم الإماراتي)، رمز الوحدة والهوية. ومن هذا المنطلق، أرى أن دراسة النقد - في جوهرها - توثيق لذاكرة الأمة، وملامح نهضتها.