انطلقت فعاليات أسبوع باريس للموضة، حاملة في طيّاتها جرعة عالية من الترقب والإبداع، حيث تقدّم كبرى دور الأزياء رؤاها لموسم قادم، يعكس مزيجًا بين الأصالة والتجديد. في هذه الدورة، كانت أنظار الجماهير والمراقبين مُنصبّة على عروض: «ديور، وسكياباريللي، وتوم فورد، وبالمان، وغابرييلا هيرست»، التي لم تخذل التوقعات، بل جاءت بمحطات لافتة، تستحق الوقوف عندها.

  • من «ديور» إلى «سكياباريللي».. أسبوع باريس للموضة يرسم ملامح الموسم الجديد

«ديور».. إعادة صياغة الإرث بأسلوب ناضج:

في قلب حديقة التويلري بباريس، وضمن فعاليات أسبوع الموضة.. شهد العالم عرض أزياء «ديور» لربيع وصيف 2026، في حدث استثنائي جمع بين عمق الإرث الفني للدار، وتوهج الحاضر، بمشاركة لافتة من المشاهير، ونجوم الصف الأول. لم يكن العرض مجرد تقديم لمجموعة جديدة، بل لحظة مفصلية في تاريخ الدار العريقة، حيث كشف المصمم الإبداعي، جوناثان أندرسون، عن أولى مجموعاته النسائية، بعد توليه الإدارة الإبداعية، في خطوة تنتظرها محبات الموضة منذ فترة طويلة. الدار حاولت أن تُعيد ترجمة إرثها الكلاسيكي من خلال لغة تصميمية جديدة، تجمع بين الخياطة الدقيقة والمفاهيم التجريبية، مع إبراز رموز «Dior» بأشكال حديثة. ورغم بعض التقارير الصحافية، التي تشير إلى أن عرض «ديور» هذا الموسم يختلف في طابعه عن الدورات السابقة، إلا أن «الدار» لم تتخلَّ تمامًا عن الهوية، التي بنتها عبر عقود.

  • من «ديور» إلى «سكياباريللي».. أسبوع باريس للموضة يرسم ملامح الموسم الجديد

«سكياباريللي».. مفاجأة سريالية بخط دراميّ:

لم يخذل عرض «سكياباريللي» جمهوره هذا الموسم، إذ بدا بمثابة رحلة بصرية آسرة، تنقل المشاهد بين عوالم المفاجأة والابتكار، وتؤكد مكانة الدار كرمز للسريالية في عالم الموضة. واستعانت «الدار» بأشكال هندسية ضخمة، وأقمشة تحمل تفاصيل غير متوقعة؛ لتصنع حالة من الدهشة على المنصة. ولم يكن العرض مجرد استعراض أزياء، بل أشبه بمشهد مسرحي متكامل، يجمع بين الفن والنحت والتصميم. كما حملت القطع رسائل قوية، بعضها بتكوينات تجريدية، وأخرى بلمسات مجازية؛ لتعيد التذكير بجذور العلامة التي أسسها إلسا سكياباريللي في ثلاثينيات القرن الماضي، حين مزجت الفن السريالي بالموضة. والنتيجة تصاميم أشبه بلوحات حية، تنطق بالدراما البصرية، وتكرّس هوية الدار كعلامة لا تعرف المألوف.

  • من «ديور» إلى «سكياباريللي».. أسبوع باريس للموضة يرسم ملامح الموسم الجديد

«توم فورد».. أناقة محسوبة:

أما عرض «توم فورد»؛ فكان درسًا في كيفية الجمع بين الانضباط والأناقة من جهة، والجرأة من جهة أخرى. وحافظت «الدار» على الخطوط الأيقونية التي تميّز أسلوب «فورد» الكلاسيكي، لكنها أضافت عناصر لافتة، تمثّلت في قصّات أكثر حدة، وتفاصيل معدنية بلمعان محسوب. والأقمشة الفاخرة، مثل: المخمل والحرير والجلد اللامع، صُممت بطريقة تسمح لها بالتفاعل مع الإضاءة، ما جعل كل إطلالة تنبض بالحركة والترف. كما أظهر العرض تركيزًا على إبراز التفاصيل، مثل: سترات حادة الكتف، مُنسقة مع فساتين انسيابية، وألوان داكنة امتزجت بدرجات برّاقة؛ لتعكس ازدواجية القوة والنعومة. فكان العرض بمثابة إعلان أن الجرأة يمكن أن تأتي بقدر من الحكمة، وأن الفخامة لا تكتمل من دون لمسة مغامرة.

  • من «ديور» إلى «سكياباريللي».. أسبوع باريس للموضة يرسم ملامح الموسم الجديد

«بالمان».. بين الفخامة والحيوية العصرية:

لم يمر عرض «بالمان» مرور الكرام، إذ جاء احتفاليًا يليق بتاريخ الدار العريق، خصوصًا في ظل الذكرى الثمانين لتأسيسها. المصمم أوليفييه روستينغ قدّم رؤية متوازنة، تجمع بين إرث «بالمان» في الفخامة، وتطلعات الجيل الجديد الباحث عن العصرية والحيوية. فالمجموعة تنوّعت بين القطع المليئة بالتفاصيل المعمارية المتعرجة، والبدلات المزينة بأقمشة لامعة وطبعات غرافيكية. كما برز حضور الألوان الميتاليك بجانب الأبيض والأسود الكلاسيكي، ليؤكد أن «بالمان» ما زالت تكتب فصولًا من الحداثة مع كل مجموعة جديدة. كما أعادت القصّات القوية التذكير بقدرة الدار على إبراز قوام المرأة بطريقة واثقة، بينما الأقمشة المنسوجة بعناية جسّدت دقّة الحرفية الفرنسية. العرض كان مزيجًا بين الحنين للماضي، والاندفاع نحو المستقبل بكل ثقة.

  • من «ديور» إلى «سكياباريللي».. أسبوع باريس للموضة يرسم ملامح الموسم الجديد

«غابرييلا هيرست».. حرفية مستدامة:

رغم غياب التغطية الإعلامية المفصلة لعرض «غابرييلا هيرست» هذا الموسم، إلا أن وجودها في قائمة العروض الرسمية يعكس حجم الثقة التي تحظى بها. وقد عُرفت «الدار» في السنوات الأخيرة بقدرتها على الجمع بين الفخامة والحرفية المستدامة، لتصبح مثالًا على أن الموضة يمكن أن تكون مسؤولة بيئيًا دون أن تفقد بريقها. وقدم العرض أقمشة طبيعية، ومعاداً تدويرها، مع تصاميم تعكس روح العملية والأنوثة الراقية في آنٍ. «هيرست» التي كرّست مسيرتها لتعزيز مفهوم «الموضة الأخلاقية»، استمرت في إبراز كيف يمكن للابتكار أن يخدم الاستدامة، من خلال تقنيات نسيج جديدة، ولمسات حرفية عالية. إن حضورها في أسبوع باريس للموضة ليس مجرد مشاركة، بل رسالة عن مستقبل الموضة، الذي يتجه نحو وعي أكبر بالبيئة، ويضع الحرفية في صميم الهوية.