بين مسؤولياتها كأم، وزوجة، وامرأة إماراتية ناجحة في مسيرتها المهنية، اختارت فاطمة اللوغاني أن تضيف إلى هذه الأدوار بُعداً آخر، من خلال شغفها بالترحال، وقيادة الدراجات النارية، ليس كنوع من المغامرة العابرة، بل كرحلة وعي ذاتي، أعادت - من خلالها - اكتشاف نفسها خارج الأطر التقليدية. تلتقي مجلة «زهرة الخليج» فاطمة، ليس فقط لتروي مغامراتها في طرق بعيدة، بل لنكتشف معها كيف تحولت تجربة الترحال إلى مساحة أعادت فيها ترتيب أولوياتها الشخصية والمهنية:

  • فاطمة اللوغاني: الترحال أعادني إلى ذاتي

نعود إلى البدايات.. ما الذي شكل شخصية فاطمة؟

نشأتي في بيت إماراتي أصيل، جعلتني أتعلم أن الحياة تُبنى على الاجتهاد، والتوازن. كنا نعيش بروح الأسرة الممتدة، حيث لكل فرد دور، وكانت قيم، مثل: الاحترام، والاعتماد على النفس، والتواضع، هي الأساس. هذه التربية جعلتني أبحث، دائماً، عن تحقيق ذاتي بشكل حقيقي، وليس بما يُنتظر مني فقط.

لحظة حقيقية

كأم وزوجة وامرأة عاملة.. متى شعرتِ بأن لديكِ مساحة لتكوني أنتِ، بعيداً عن مسؤولياتك؟

كنت أظن أنني أعيش الحياة، التي يُفترض بي أن أعيشها. كنت أماً، وزوجة، وقيادية، ومستشارة، وصورة مثالية لكل ما يُنتظر من امرأة ناجحة. لكن مع الوقت، بدأت أشعر بأن كل هذه الأدوار أصبحت أضيق من روحي؛ فقد كنت موجودة في كل مكان إلا داخلي. اللحظة الحقيقية جاءت حين شعرت بأنني أُكرّم على حساب ذاتي.

عادةً، ترتبط الدراجة النارية في الأذهان بالمغامرة.. بالنسبة لكِ، ماذا تمثل؟

 بالنسبة لي، الدراجة كانت وسيلة للعودة إلى ذاتي، وعرفتني على نفسي من زوايا لم أكن أعرفها. فكلما قدتُ الدراجة لمسافات طويلة، كنت أواجه نفسي، وأفكاري، ومخاوفي، وحتى صمتي!

22 عاماً من تأجيل الحلم.. ما الذي دفعكِ أخيراً إلى اتخاذ القرار؟

كانت «الجائحة» العالمية بمثابة وقفة مع النفس؛ فحين توقفت الحياة كما نعرفها، سألت نفسي: هل هناك حلم لم أحققه بَعْدُ؟.. فكان هذا الحلم هو الرحلة على ظهر الدراجة النارية، التي لطالما فكرت فيها، لكن لم أجد لها الوقت، أو الجرأة؛ لكنني أدركت أن الانتظار لن يجعل الحلم أقرب. عندها بدأت التدرب الفعلي؛ لأحصل على رخصة القيادة، وحصلت على العديد من الدورات التدريبية المتخصصة، ومنها إلى أولى رحلاتي، إلى عمان الشقيقة، ثم جبال الألب، فإسبانيا، والهيمالايا، والدول الاسكندنافية، وأخيراً رحلة منفردة من دبي إلى أوروبا.. مروراً بالعراق!

وعي.. ومسؤولية

لكل رحلة استعداداتها الخاصة.. كيف تخططين لرحلاتكِ، وما المبادئ التي تحرصين عليها أثناء الترحال؟

الترحال يحتاج إلى وعي ومسؤولية؛ فأبدأ، دائماً، بتحديد مساراتي بدقة، وأحرص على حجز الفنادق الموثوقة في الطريق قبل الانطلاق؛ لأن الراحة بعد يوم طويل من القيادة أمر أساسي. أيضاً، لا أقود دراجتي في الظلام أبداً، فالطريق ليلاً يحمل مخاطر لا أستسهلها. وخلال الرحلة، أفضل قضاء وقتي مع نفسي في التأمل، وتوثيق اللحظات، ومشاركتها؛ حتى أظل على تواصل دائم مع والدتي؛ لتكون مطمئنة عليَّ، وتتابع خطواتي في كل محطة.

كيف أثرت فيكِ تجربة السفر الطويل على الدراجة النارية.. على مستوى التفكير، واتخاذ القرار؟

في الطريق، أنتِ بمفردك مع قراراتك. وكل موقف يعلمك أن تقرري بسرعة ووعي؛ وقد تعلمت أن أكون أكثر تركيزاً، وأن أثق بحدسي، وأتقبل أن بعض الأمور لا تحتاج إلى إجابات فورية، بل إلى وقت وتفكّر. كما أن الحياة التقليدية، أحياناً، تشغلكِ بالتفاصيل الصغيرة، التي تُنسيك الأسئلة الكبرى. الطريق كان مساحة مفتوحة للتفكير العميق، وأحياناً كان يأتيني جواب سؤال كبير في لحظة صمت على قمة جبل، أو بممر حدودي.

  • فاطمة اللوغاني: الترحال أعادني إلى ذاتي

في رحلاتكِ عبر القارات، حملتِ هويتكِ الإماراتية بكل فخر.. كيف كانت نظرة الآخر تجاهك كإماراتية تقود دراجة نارية في مسارات غير معتادة؟

كان هناك مزيج من الدهشة والاحترام. فكثيرون لم يصدقوا أن امرأة من الخليج، ترتدي عبايتها، وتقود بمفردها دراجة نارية بين الجبال والثلوج. لكنني أدركت أن ما يوحد البشر، حقاً، هو التعامل الإنساني؛ فالود والاحترام يبنيان جسور التواصل بسرعة. وأكثر ما كان يسعدني خلال رحلاتي، هو مشاعر المحبة التي لمستها تجاه بلادي الإمارات، وقيادتها الرشيدة، وشعبها الكريم، إضافة إلى كلمات الترحيب والثناء، التي سمعتها كلما قلت لهم إنني «ابنة زايد».

كيف تعاملتِ مع المفاجآت أثناء رحلاتكِ، وهل كانت هناك لحظات شعرتِ خلالها بأنكِ أخطأتِ الطريق؟

في كل رحلة، هناك مواقف مفاجئة، وأحياناً خطأ في الطريق يصبح أجمل تجربة؛ لذلك تعلمت أن أتعامل مع المفاجآت كجزء من الحكاية. فاللحظات التي شعرت خلالها بأنني أخطأت، كانت - في النهاية - دروساً صقلتني أكثر مما أرهقتني.

بعد هذه الرحلات.. ما الدرس الأهم، الذي اكتشفتِه عن ذاتكِ؟

أدركت أن المسافات الحقيقية ليست بين المدن، بل بينكِ وبين نفسك، وكلما اقتربت من ذاتك، صارت الطرق - مهما كانت طويلة - سهلة، وممتعة. كما أدركت - بعد آلاف الكيلومترات التي قطعتها - أن السعادة الحقيقية ليست في «الوصول»، بل في «الرحلة». فالمكان يتغير، ويُنسى، لكن ما يبقى هو كيف شعرت وأنت في الطريق إليه. إن السعادة كانت في الريح التي ضربت وجهي، وفي الطريق الذي ضللت فيه، ثم وجدت ذاتي.

ما النصيحة، التي تقدمينها إلى كل امرأة تشعر بأن الوقت قد فات لتحقيق شغفها؟

 الوقت لا يفوت، نحن فقط نعتقد أن له جدولاً زمنياً صارماً. إن الشغف لا يتقيد بوقت، بل يختبئ خلف الواجبات. نصيحتي: استمعي إلى النداء الذي لا يهدأ داخلك، ولو همساً، وخُذي خطوة واحدة فقط، وسيتغير كل شيء.