تستمر الموضة في الحياة، وإن لم تظل في خزائننا، فستجد مكانها في قاعات منتقاة بعناية، حيث يُحفظ جمالها ومعناها، ولو لفترة وجيزة. ويبرز في هذا السياق الدور المتزايد للمعارض المتخصصة في الموضة، التي تحتفي بأبرز المصممين، من خلال عروض فاخرة، تسلط الضوء على إرثهم الفني.
أحد الأمثلة البارزة على ذلك، المعرض المخصص لجورجيو أرماني بعنوان «ميلانو.. من أجل الحب»، في متحف «بيناكوتيكا دي برييرا» بالمدينة الإيطالية. يقدم المعرض لمحة عن العلاقة العميقة بين أرماني ومدينة ميلانو، وكذلك التزامه بالحرفة والتصميم الراقي. أرماني يُعتبر من الكنوز الوطنية الإيطالية، إذ لم يحدد فقط أناقة بلاده، بل ساهم أيضًا في صياغة لغة الموضة الحديثة على الصعيد العالمي.
-
معارض الموضة حول العالم.. احتفاء بالجمال وتوثيق للحرفة والإبداع
في باريس.. شهد «الجراند باليه»، مؤخرًا، معرض «فيرجيل أبلوه: الرموز»، الذي استعرض رحلة المصمم الراحل فيرجيل أبلوه من كونه رائدًا في ملابس الشارع إلى أول مدير فني أسود لأزياء الرجال في دار «لويس فويتون». وافتُتح المعرض في 30 سبتمبر، واستمر عشرة أيام فقط، مواكبًا عيد ميلاد أبلوه الخامس والأربعين، بعد أربع سنوات من وفاته.
من جانب آخر، يقدم معرض «عز الدين عليا: الصمت المنحوت»، في مؤسسة «عز الدين عليا» بباريس، ويستمر حتى 16 نوفمبر، لمحة عن براعة المصمم التونسي المولود في باريس، الذي توفي عام 2017، في السيطرة على الشكل والقماش، حيث تُعرف تصاميمه بقدرتها على نقل الأناقة بهدوء دون صخب.
ومع تصاعد الاهتمام، لم تعد المعارض الكبرى مخصصة للمصممين الراحلين فقط، إذ يشهد عالم الموضة اليوم تكريم عدد متزايد من المصممين الأحياء، مع إبراز أعمالهم، وتقديمها في أجواء متحفية متميزة. وكمثال على ذلك، معرض «ريك أوينز: معبد الحب»، في قصر «غالييرا» بباريس، الممتد حتى 4 يناير 2026، حيث يجمع المعرض بين الحدية الجمالية والظلام في تجربة غامرة، تمزج بين الموضة والهندسة المعمارية وفن الأداء.
حتى المواهب الشابة أصبحت محل اهتمام مماثل، فعرض «إكسسوارات دوريان فليتشر»، الذي يستمر حتى 15 مارس 2026، في متحف فنون التصميم بمدينة نيويورك، يسلط الضوء على مصممة المجوهرات والفنون المعاصرة المشهورة بأعمالها في أفلام «النمر الأسود»، حيث أصبحت الإكسسوارات وسيلة لرواية القصص والتعبير عن الشخصيات. ويسعى هذا المعرض لتوسيع سرد الموضة؛ ليشمل مصممين يمزجون بين الفن والثقافة الشعبية.
-
معارض الموضة حول العالم.. احتفاء بالجمال وتوثيق للحرفة والإبداع
لماذا تُقام معارض للموضة؟
تؤكد هذه المعارض على أن التصميم لا يقتصر على التجارة، أو الصيحات الموسمية، بل هو شكل من أشكال الفن يعكس الزمن، ويتجاوز القيود التقليدية. فالمتاحف، من خلال عرض أعمال المصممين الأحياء والراحلين، تعمل على إعادة تعريف الموضة كفن مستقل، قادر على التفاعل مع الجمهور، ومناقشة قضايا ثقافية واجتماعية متنوعة.
ويأتي هذا ضمن سياق عالمي، يضم العديد من المؤسسات التي تبنت المعارض المخصصة للموضة. كما أن المعارض الحديثة تقدم تجربة تربط الزائر مباشرة بالثقافة الشعبية والشخصيات الشهيرة، مثل قطع الأزياء التي ارتدتها ميشيل أوباما، حيث تولّد تصاميمها ردود فعل عاطفية لدى الجمهور بفضل مكانة من ترتديها، وأهمية القطعة الفنية نفسها.
هذه المعارض لا تقتصر على عرض القطع الفنية فحسب، بل تعتبر منصات تعليمية وثقافية، حيث يمكنها تناول موضوعات، مثل: الاستعمار الثقافي والتقدير الفني، كما هي الحال في معرض «هوس مصر: الصراع على الموضة»، الذي دمج دراسة التاريخ مع تحليل أبعاد الموضة في السياقين الاجتماعي والسياسي.
وفي الولايات المتحدة، شهدت مؤسسات، مثل متحف سكاد للأزياء والفيلم في أتلانتا، ومتاحف أخرى في فرنسا، تنظيم معارض لأسماء، مثل: جين لافان، وكريستيان ديور، بالإضافة إلى معرض «أندريه ليون تاللي: الأناقة باقية»، الذي يكرم إرث رئيس تحرير الأزياء الراحل.
وفي المجمل، يُظهر هذا المشهد أن المعارض المتحفية للأزياء لم تعد ظاهرة عابرة، بل أصبحت جزءًا من المشهد الثقافي العالمي، حيث توفر للجمهور فرصة الاطلاع على تاريخ الموضة، والتفاعل مع الفن المعاصر، وفهم تأثير المصممين على ثقافة الأناقة حول العالم.