في السنوات الأخيرة، بدأ تصميم الأثاث يشهد تحولًا ملحوظًا نحو استخدام مواد غير تقليدية، تجمع بين الجمالية والوظيفة، مع التركيز على الاستدامة. فقد انتقلت مواد كانت تُعتبر ثانوية أو غير تقليدية، مثل: المخلفات الصناعية، والأقمشة المعاد تدويرها، إلى المنازل، في إطار توجه عالمي نحو الاقتصاد الدائري، وتقليل النفايات.

وتتزايد أهمية هذه المواد في ظل الضغوط المتنامية على صناعة الأثاث؛ لتكون صديقة للبيئة، حيث يسعى المصممون إلى صناعة منتجات يمكن إعادة استخدامها أو تحويلها إلى مواد صديقة للبيئة، ما يقلل تراكم النفايات، ويعزز الاستدامة. إنّ السوق العالمي للأثاث والمنتجات المنزلية المستدامة سيشهد نموًا كبيرًا خلال العقد المقبل، مدفوعًا بزيادة الطلب على المواد القابلة لإعادة التدوير، والمنتجات طويلة العمر.

الإبداع في استخدام المخلفات.. والموارد الطبيعية:

في المعارض الدولية لتصميم الأثاث، أصبح الابتكار في المواد محورًا رئيسيًا، حيث تُعرض قطع أثاث مصنوعة من مخلفات البلاستيك، والأقمشة غير المستخدمة، إلى جانب المواد النباتية والألياف العضوية. هذه المواد، التي كانت تُهمل سابقًا، أو تُرسل إلى مناطق خارج البلاد لإعادة الاستخدام، تُعيد تعريف مفهوم الاستدامة في التصميم المنزلي، وتفتح المجال لإبداع لا حدود له في الشكل والوظيفة.

  • أثاث المستقبل.. مواد غير متوقعة تصنع الفرق في التصميم المنزلي

مواد بسيطة ذات إمكانات كبيرة:

أظهرت التجارب أن المواد البسيطة، مثل: الفلين والخشب المقطوع بفعل العواصف، تمتلك إمكانات كبيرة عند إعادة توظيفها بشكل إبداعي. فالفلين يتميز بخاصية امتصاص الكربون وقدرته على التجدد، ما يجعله مادة صديقة للبيئة وقابلة للاستخدام في الأثاث والديكور الداخلي. كما يمكن تحويل الأخشاب المقطوعة والزجاج غير المعاد تدويره إلى قطع فنية ووظيفية تحمل رسالة بيئية واضحة.

والفلين مادة متعددة الاستخدامات، متجددة وصديقة للبيئة، تُحدث تحولًا واضحًا في تصميم الأثاث المستدام. ويتم استخدام الفلين الموسّع لصناعة الأثاث، مع التأكد من أن كل قطعة تكون طبيعية بنسبة 100%، وخالية من أي إضافات أو غراء أو راتنجات. وأثناء تصنيع الفلين، يتم تبخيره ليتمدد ويلتصق بنفسه، ما يجعله مادة متينة ومستقرة. ومن خلال اختيار الفلين، نعتمد مادة قابلة للتحلل وإعادة التدوير، وفي الوقت نفسه تتميز بمتانتها وجمالها الفريد.

  • أثاث المستقبل.. مواد غير متوقعة تصنع الفرق في التصميم المنزلي

الميسيليوم:

الميسيليوم، البنية الجذرية للفطريات، مادة مبتكرة وقابلة للتحلل الكامل، وتُحدث ثورة في تصميم الأثاث المستدام. يُستخدم الميسيليوم لصناعة أثاث صديق للبيئة، متين، وقابل للتحلل الطبيعي، بما يضمن أن كل قطعة ليست جميلة فحسب، بل لا تترك وراءها أي نفايات. وتتم زراعة الميسيليوم داخل قوالب مخصصة لتشكيله على هيئة كراسي وطاولات وقواعد للتنجيد. وبعد اكتمال النمو، تُجفف المادة لإيقاف أي نمو إضافي، ما يقدم هيكلًا متينًا وقابلًا للتحلل. ولإضافة مستوى من الراحة ومقاومة الحريق، يُستخدم حشو من الصوف قبل إنهاء القطعة بأقمشة تنجيد طبيعية وصديقة للبيئة.

  • أثاث المستقبل.. مواد غير متوقعة تصنع الفرق في التصميم المنزلي

الخشب المعاد تدويره:

الخشب المعاد تدويره يُعد من أكثر المواد استدامة وصداقة للبيئة في صناعة الأثاث. فبدلًا من قطع أشجار جديدة، تتم إعادة استخدام الخشب المستخرج من منازل وهياكل خشبية قديمة، ومنحه حياة ثانية في شكل قطع أثاث عالية الجودة، ومكونات نجارة. هذه العملية لا تقلل فقط من قطع الأشجار، بل تحافظ أيضًا على الطابع الفريد والملمس والمتانة للخشب العتيق. فكل قطعة من الخشب المعاد تدويره تُنحت يدويًا، ما يضمن عدم وجود قطعتين متطابقتين تمامًا. وتسمح الحرفية اليدوية بإبراز أنماط الحبوب الطبيعية والملمس والعيوب الصغيرة، التي تمنح الخشب المعاد تدويره سحره وصدقه.

التصميم أداة للتغيير الاجتماعي.. والبيئي:

الهدف من هذا التوجه ليس فقط الابتكار أو الجمالية، بل أيضًا توعية المستهلك بأهمية المواد المستدامة، وإعادة التفكير في دورة حياة المنتجات. فالتصميم المعاصر لم يعد يقتصر على الشكل أو الوظيفة، بل أصبح أداة للتعبير عن المسؤولية البيئية والاجتماعية، حيث يسعى المصممون إلى تقديم منتجات تتوافق مع قيم المستهلكين، وتلهمهم تبني خيارات أكثر وعيًا.

إن إدخال المواد المفاجئة والمستدامة في تصميم الأثاث لا يغيّر فقط الطريقة التي نعيش بها، بل يساهم في إعادة تعريف مفهوم التصميم نفسه، من مجرد وظيفة إلى رسالة بيئية وثقافية، تعكس وعي الإنسان الحديث وتطلّعه إلى مستقبل أكثر استدامة وجمالًا. فالمواد غير التقليدية تُحوّل إلى عناصر جذابة بصريًا، وتقدّم حلولًا عملية للتحديات البيئية دون التضحية بالأناقة والجمال.