هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصنع جيلاً جديداً من المتعلمين؟.. سؤال بدأت دولة الإمارات الإجابة عنه فعلياً هذا العام، عبر خطوة غير مسبوقة تمثلت في دمج الذكاء الاصطناعي بالتعليم المدرسي، من مرحلة الروضة حتى «الثانوية العامة».. إنها نقلة نوعية، لا تختبر فقط المناهج، بل تختبر المستقبل نفسه.

إن الإمارات أدركت، مبكراً، أن مواكبة المستقبل تبدأ من الفصول الدراسية، فالذكاء الاصطناعي أصبح، اليوم، لغة عالمية جديدة، يجب أن يتقنها الجيل القادم. ومن هنا، جاء قرار تدريس الذكاء الاصطناعي منهجاً أساسياً في المدارس الحكومية؛ لتزويد الطلاب بمهارات التفكير التحليلي والإبداعي، وتمكينهم من فهم التكنولوجيا التي تحيط بهم، واستخدامها في تطوير مجتمعاتهم، وفق ما ذكر الموقع الرسمي لمركز الإمارات للسياسات، ضمن تقرير خاص، يحمل عنوان «تجربة إماراتية جديدة في إدماج الذكاء الاصطناعي في المدارس: ما المنظور الأوسع؟».

لكن الإمارات، بخطتها الطموحة، لم تنظر إلى الذكاء الاصطناعي كبديل للمعلم، بل كأداة تعزز دوره. فالهدف هو جعل التكنولوجيا شريكاً ذكياً في عملية التعلم، لا خصماً له، وفق ما جاء في استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، إذ إن هذا الأخير يساعد في تحليل أداء الطلاب، وتصميم خطط تعليمية تناسب قدرات كل طالب، ما يجعل العملية التعليمية أكثر مرونة، وإنصافاً.

  • الذكاء الاصطناعي في التعليم استراتيجية الإمارات لبناء جيل رائد

كيف استعدت الإمارات لهذه التجربة التعليمية الجديدة؟

تعمل وزارة التربية والتعليم، منذ سنوات، على بناء قاعدة متينة لهذه المرحلة. ففي عام 2025، اعتمدت المنهج الدراسي النهائي للذكاء الاصطناعي، الذي يغطي سبعة مجالات أساسية، من بينها: المفاهيم الأساسية، والبيانات والخوارزميات، وتطبيقات البرمجيات، والتطبيقات العملية، والوعي الأخلاقي، والابتكار وتصميم المشاريع. ولأن أي تغيير يبدأ من المعلم، فقد تم تدريب أكثر من 1000 معلم ومعلمة على تدريس هذه المادة الجديدة، مع تزويدهم بالأدوات الرقمية، والمنصات الذكية، التي تساعدهم في تقديم محتوى تفاعلي ومبسط لجميع الأعمار، وفق ما جاء في موقع «هيومان جورني» الإماراتي. ولا يقف الأمر عند ذلك، فقد تم تجهيز المدارس بالبنية التحتية اللازمة، من مختبرات رقمية، وأجهزة حاسوب حديثة، إلى شبكات إنترنت متقدمة، ومنصات ذكاء اصطناعي؛ لتوفير بيئة تعليمية تفاعلية، تجعل التكنولوجيا جزءاً طبيعياً من يوم الطالب.

ما الذي يميز التجربة الإماراتية عن غيرها؟

تعد الإمارات من الدول القليلة في العالم، التي قررت إدخال الذكاء الاصطنــاعي كمادة إلزامية في جميـــــع المراحل الدراسية، وفـــــق ما جاء في التقرير. لكن ما يجعل التجربة الإماراتية فريدة هو شموليتها واتساع نطاقها، فهي ليست مبادرة تجريبية محدودة، بل مشروع وطني متكامل، يندرج ضمن استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031، التي تهدف إلى جعل الدولة مركزاً عالمياً في هذا المجال. تقول وزارة التربية والتعليم: إن الهدف من هذه الخطوة هو «إعداد أجيال قادرة على قيادة التحول الرقمي في المستقبل، لا مجرد التكيف معه». فالإمارات تنظر إلى الذكاء الاصطناعي؛ باعتباره وسيلة لتحقيق رؤيتها الكبرى في التنمية البشرية، لا مجرد مادة دراسية جديدة.

نماذج وتطبيقات تدعم رؤية الإمارات

من أبرز النماذج الرائدة بهذا المجال منصة «ألف للتعليم»، التي تأسست في أبوظبي عام 2016، وتعد من أول الأنظمة التعليمية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في العالم. تقدم المنصة تجربة تعلم مخصصة لكل طالب، بحيث تتكيف الدروس والاختبارات مع مستوى الطالب وسرعته في الفهم. واليوم، يستخدم المنصة أكثر من مليون شخص داخل الإمارات وخارجها، بما في ذلك الولايات المتحدة، بحسب ما جاء في الموقع الرسمي لمنصة «ألف للتعليم». كما أطلقت دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي برنامج «الذكاء الاصطناعي للمعلمين»، بالتعاون مع مدرسة البرمجة 42 أبوظبي؛ لتزويد الكوادر التربوية بأحدث استراتيجيات التدريس المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، ما يعكس رؤية شاملة لتطوير المنظومة التعليمية بأكملها.

كيف تدعم الإمارات بنيتها التعليمية.. بهذه الخطوة؟

تتكامل هذه المبادرات مع خطط أوسع لتطوير الاقتصاد الرقمي؛ فقد أطلقت الحكومة «استراتيجية الاقتصاد الرقمي 2022»، التي تهدف إلى رفع مساهمة التكنولوجيا إلى أكثر من 20% من الناتج المحلي بحلول عام 2031، بحسب ما ورد في موقع البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة. كما أنشأت مجالس وهيئات متخصصة، مثل مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، وشجعت الشركات الوطنية، مثل «مجموعة G42» على تطوير حلول رقمية، تخدم التعليم، والصحة، والبنية التحتية. أما في التعليم العالي، فقد بدأت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تقديم برامج البكالوريوس؛ لتخريج باحثين ومبرمجين، قادرين على قيادة المستقبل الرقمي من داخل الدولة، بحسب ما ذكر موقع الجامعة. 

ما الذي يمكن أن يعنيه هذا التحول للمنطقة؟

من المرجح أن تصبح التجربة الإماراتية نموذجاً يُحتذى، خليجياً وعربياً؛ فبفضل رؤيتها المتكاملة، وشمولية تطبيقها، ستكون الإمارات مركزاً لتبادل الخبرات والمعارف في مجال التعليم الذكي. ومن المتوقع أن تدفع هذه التجربة دول الخليج الأخرى إلى تبنّي خطط مماثلة، ما يعزز انتشار ثقافة التعليم الرقمي في المنطقة بأكملها، بحسب ما أورده الموقع الرسمي لمركز الإمارات للسياسات.