تبدو الأذن، للوهلة الأولى، عضواً صغيراً بين أعضاء الوجه، لكنها في الحقيقة عالم داخلي معقّد، تتقاطع فيه الدقّة التشريحية مع الحساسية الفائقة؛ فهي المسؤولة عن سمعنا وتوازننا، وعن تفاصيل دقيقة تجعلنا نتفاعل مع الأصوات والحركة بثبات وتناغم. ومع هذا التعقيد، تبقى الأذن عرضةً لأنواع متعددة من الالتهابات، التي قد تبدأ بسيطة، وإن أُهمل علاجها قد تمتد لتؤثر في السمع، أو توازن الجسم.
وحول هذا الجانب، التقينا الدكتور طه محمد عبد العال، استشاري جراحة الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى برجيل-أبوظبي، الذي أوضح أن الأذن تنقسم إلى ثلاث مناطق رئيسية، هي: الأذن الخارجية، والوسطى، والداخلية. ويمكن أن تصيب الالتهابات أيّاً منها، باختلاف العمر والمسببات.
يقول الدكتور طه: «لدى الأطفال، تُعدّ التهابات الأذن الوسطى الأكثر شيوعاً بسبب ضعف المناعة، وتكرار إصابتهم بنزلات البرد». ويوضح أن «قناة إستاكيوس»، التي تربط بين الأذن والأنف والحلق، تكون أقصر وأكثر استقامة لديهم، ما يجعل انتقال العدوى من الأنف إلى الأذن أسهل. ويضيف: أن الرضاعة، بوضعية خاطئة، تعد أيضاً من الأسباب الخفية وراء إصابة الرضّع بالتهاب الأذن، إذ يسمح الاستلقاء الكامل بدخول الحليب من الأنف إلى الأذن الوسطى، مسبباً التهابات متكررة. لذا، ينصح استشاري جراحة الأنف والأذن والحنجرة برفع رأس الطفل قليلاً، أثناء الرضاعة؛ لتجنّب ذلك.
أما عند البالغين، فتشيع التهابات الأذن الخارجية أكثر من غيرها، وغالباً بسبب بعض العادات الخاطئة.. يقول الدكتور طه محمد عبدالعال: «يظن كثيرون أن صمغ أو شمع الأذن مادة ضارة، فيسعون إلى إزالته باستمرار، بينما هو في الحقيقة طبقة واقية طبيعية، تحمي الأذن من الميكروبات والحشرات. والإفراط في تنظيف الأذن، أو استخدام أعواد القطن، يؤدي إلى التهابات وتهيّج الجلد داخل القناة السمعية». ويؤكد أن أي إحساس بانسداد أو ثِقل فيها، يجب التعامل معه عبر زيارة الطبيب، وليس باجتهاد شخصي. كما يُحذر من أن الرطوبة الزائدة، أو مياه المسابح الغنية بالكلور، قد تسبب التهابات متكررة في الأذن الخارجية.
-
الأذن نظام دقيق يحفظ إيقاع الحياة
السماعات.. بين الموضة والمخاطر
في زمن التكنولوجيا وسماعات الأذن الدائمة، يلفت الدكتور طه الانتباه إلى خطرين أساسيين: الأول: أن التعرض المستمر لموجات صوتية عالية، قد يُضعف الخلايا العصبية داخل «القوقعة السمعية»، على المدى الطويل. الثاني: أن الاحتكاك المباشر والمستمر بين السماعة وجلد الأذن، يسبب التهابات. وينصح بتنظيف السماعات بانتظام، وتجنب ارتدائها لساعات طويلة، محذرًا من النوم بها، قائلًا: «النوم بالسماعات كارثة حقيقية للأذن».
متى يجب القلق؟
يرى استشاري جراحة الأنف والأذن والحنجرة أن مضاعفات التهابات الأذن تراجعت؛ بفضل الوعي والعلاج المبكر، لكنها لا تزال ممكنة، خاصة عند من يعانون ضعف المناعة، أو أمراضاً أخرى، مثل «السكري». «وإذا لم يُعالج الالتهاب بشكل صحيح، فقد ينتشر إلى العظم خلف الأذن، أو إلى المخ، وقد يتأثر (العصب السابع)، المسؤول عن حركة عضلات الوجه».. يقول الطبيب. ولمواجهة الالتهابات، ينصح الدكتور طه بضرورة مراجعة الطبيب، فوراً، عند الشعور بألم شديد، أو حرارة مرتفعة لا تستجيب للأدوية، أو دوار مفاجئ، أو ضعف في عضلات الوجه. كما يشدد على ضرورة عدم استخدام قطرات الأذن من دون وصفة طبية، لأن أنواعاً منها قد تضر أكثر مما تنفع، خاصة في حال استخدامها بطريقة خاطئة، أو في حال وجود فطريات، أو ثقب في طبلة الأذن.
الأذن تنظف نفسها تلقائياً
يشرح استشاري جراحة الأنف والأذن والحنجرة أن القناة السمعية الخارجية تحتوي على غدد شمعية، تفرز مادة تحمي الأذن من البكتيريا، وتمنع دخول الحشرات بفضل رائحتها المميزة. «الأذن السليمة والصحية تنظف نفسها تلقائياً، والشمع يتحرك تدريجياً إلى الخارج؛ لذا لا داعي لأي تدخل يدوي، فقط يجب تنظيف الجزء الخارجي بلطف، وتجفيفه بعد الاستحمام أو السباحة».. يوصي الطبيب. ويضيف أن نحو 80% من الناس لا يحتاجون إلى تنظيف الأذن طبياً، وأن الحالات التي تستدعي ذلك هي التي تعاني إفرازاً مفرطاً للشمع، أو كانت القناة السمعية لديها ضيقة جداً، وأي كمية صمغ تسدها. ويؤكد: «لا يجب - تحت أي ظرف - اللجوء إلى إدخال أي شيء في الأذن بهدف تنظيفها، بل ينبغي الذهاب فَوْراً إلى الطبيب في حال الانزعاج الشديد».
حين يختل التوازن
عن الدوار المفاجئ، يوضح الدكتور طه أن الأذن الداخلية تعد الجزء المسؤول عن توازن الجسم، إذ تحتوي على بنية دقيقة، تُبقي الإنسان متزناً أثناء الحركة. ويشرح أن الأذن الداخلية تتكون من: «القوقعة» المسؤولة عن السمع، و«الدهليز»، والقنوات شبه الدائرية، التي تُرسل إشارات دقيقة إلى الدماغ حول وضع الرأس، واتجاه الحركة، بالتكامل مع العينين والعضلات؛ فيحلّل الدماغ تلك الإشارات، ويحدّد موقع الجسم في الفضاء. مشيراً إلى أنه عندما يطرأ خلل في هذا النظام، تبدأ مشكلة الدوار.
ومن أكثر أسباب الدوار شيوعاً، ما يُعرف بـ«الدوار الموضعي الحميد»، ففي داخل القنوات شبه الدائرية، توجد خلايا دقيقة تشبه البلورات الصغيرة، تعمل كمجسات، ومستقبلات حسية. وإذا تحركت هذه البلورات من مكانها الطبيعي، فإنها تُرسل إشارات خاطئة، تجعل الدماغ يظن أن الجسم يدور أو يميل، فيشعر المريض بالدوار، خاصة عند تغيير وضع الرأس أو الاستلقاء. أما عن سبب تحرك تلك الكريستالات من مكانها الطبيعي، فيقول الدكتور طه، استشاري جراحة الأنف والأذن والحنجرة: حتى اليوم لم يُعرف السبب الدقيق لذلك، إلا أن النظريات تشير إلى أنها قد تنتج عن صدمة رأس قديمة، أو حركة مفاجئة، أو التهاب فيروسي أثّر في الأذن الداخلية، ويلفت إلى أن هذه الحالة تظهر في مختلف الأعمار، من المراهقة إلى الشيخوخة، وليس لها دواء، وإنما تعالج من خلال تمارين إعادة تأهيل الاتزان، التي يجريها الطبيب المختص، أو أنها تعود إلى مكانها الطبيعي تلقائياً.
-
الأذن نظام دقيق يحفظ إيقاع الحياة
5 أسئلة.. وأجوبة
1 . ما العلامات الأولى، التي تشير إلى وجود التهاب في الأذن، حتى قبل الشعور بالألم؟
في بعض الحالات، لا يظهر الألم مباشرة، بل تبدأ الأعراض بشكل خفيف، مثل: إحساس بامتلاء الأذن أو بثقل فيها، أو سماع طنين خفيف، أو ضعف بسيط في السمع. وقد يلاحظ البعض خروج إفرازات شفافة أو صفراء من الأذن. هذه العلامات المبكرة تستدعي الانتباه؛ لأنها قد تشير إلى بداية التهاب، يحتاج إلى علاج قبل أن يتفاقم.
2 . هل تؤثر نزلات البرد المتكررة في السمع؟
نعم، التهابات الأنف، والجيوب الأنفية المتكررة، قد تؤثر في وظيفة «قناة إستاكيوس»، وهي القناة التي تربط بين الأنف والأذن الوسطى. عندما تُغلق هذه القناة بسبب الالتهاب، يتراكم الهواء أو السائل خلف طبلة الأذن، ما يسبب ضعفًا مؤقتًا في السمع، أو شعورًا بالانسداد. ومع تكرار الحالة دون علاج، قد تتحول إلى التهاب مزمن، يؤثر في كفاءة السمع.
3 . كيف يسبب السفر جوًا ألمًا في الأذن؟
يحدث ذلك بسبب تغيّر الضغط الجوي أثناء الهبوط، إذ تحاول الأذن موازنة الضغط الداخلي والخارجي، من خلال «قناة إستاكيوس». فإذا كانت القناة مغلقة بسبب احتقان أو زكام، فيشعر المسافر بألم أو طنين حاد. ولتخفيف ذلك، يُنصح بمضغ العلكة، أو البلع المتكرر، أو التثاؤب أثناء الرحلة، ويمكن استخدام بخاخ للأنف قبل السفر، لمن لديهم احتقان مزمن.
4 . هل تسبب التهابات الأذن الوسطى، أو الجيوب الأنفية، الدوار؟
الأذن الداخلية، وحدها، مسؤولة بالشراكة مع العينين والعضلات عن إرسال إشارات إلى الدماغ لتحديد وضعية الجسم، وأي خلل فيها يؤدي إلى الدوار.
5 . ما العادات اليومية، التي تساعد في الحفاظ على صحة الأذن؟
هناك عادات يومية عدة، يمكن أن تساعد في ذلك، منها:
- تجنّب الأصوات العالية، وعدم استخدام السماعات الملاصقة للأذن لفترات طويلة، أو النوم بها.
- تجفيف الأذن برفق بعد السباحة أو الاستحمام، وتجنّب إدخال أي أدوات أو أعواد قطنية داخل القناة السمعية لتنظيفها، أو التخلص من صمغ الأذن.
- معالجة نزلات البرد والجيوب الأنفية في وقتها؛ لتجنب انتقال العدوى إلى الأذن.
- مراجعة الطبيب؛ عند ملاحظة أي تغيّر في السمع، أو طنين مستمر، أو في حال عدم تحسن أعراض الزكام، خلال 48 ساعة.
- عدم استخدام قطرات الأذن تحت أي ظرف كان، دون استشارة طبيب.