بينما تلقي أمواج الخليج بحكاياتها على رمال العاصمة الذهبية، يواصل «مهرجان التراث البحري» رسم لوحته الفنية الحية، التي تأسر الحواس، محولاً كورنيش أبوظبي إلى وجهة ثقافية استثنائية، تستمر حتى 23 من نوفمبر الجاري.
وفي نسخته الرابعة، التي تنظمها دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، يتجاوز الحدث مفهوم المهرجان التقليدي؛ ليغدو رحلة عبر الزمن، تحتفي بـ«المجتمع» كركيزة أساسية، تزامناً مع «عام المجتمع» في الدولة. هنا، يندمج الحاضر مع الماضي في حوارية بصرية وسمعية، تعيد تعريف علاقة الإنسان بالبحر.
ملاذ للحواس.. وذاكرة حية:
لا يكتفي المهرجان بالعرض، بل يغمس زواره في تجربة تفاعلية غامرة. ففي «ليوان الحرفيات»، و«ركن الحرفيين»، تتحول الأيادي الماهرة إلى أدوات لسرد التاريخ، حيث تُحاك خيوط «التلي»، ويجدل سعف «الخوص»، وتشكل آنية الفخار أمام الأنظار، معلنةً أن التراث ليس متحفاً صامتاً، بل نبضٌ حيّ تتوارثه الأجيال.
وللراغبين في الغوص أعمق في تفاصيل الهوية، يفتح «مَيلس السيف» أبوابه كمنصة للحوار الثقافي، حيث يلتقي الزوار مع خبراء التراث في جلسات تعبق بروح المجالس القديمة، لتبادل الأفكار والرؤى حول استدامة هذا الإرث العريق.
من البحر إلى مائدة التذوق:
لعشاق فنون الطهي، يقدم المهرجان تجربة «غاسترونومية» تراثية بامتياز، تحت شعار «من البحر إلى المائدة». ففي أجواء تحاكي صخب الأسواق القديمة، يعيش الزوار تجربة «سوق السمك» بكل تفاصيلها؛ بدءاً من انتقاء الصيد الطازج في المزادات الحية، وصولاً إلى طهيه بخلطات التتبيل المحلية، ليتذوقوا نكهة البحر الحقيقية.
ولأول مرة، تفوح رائحة البن والهيل من «بيت القهوة»، الإضافة الجديدة والأبرز هذا العام، حيث يُحتفى بالقهوة العربية (المدرجة على قائمة اليونسكو) كطقس من طقوس الكرم والضيافة، مستعرضاً «السنع»، وآداب التقديم التي تميز البيت الإماراتي.
سيمفونية النهمة.. والدراما الساحلية:
وعلى وقع أهازيج «النهمة»، وإيقاعات «العيالة»، و«الآهلّة»، ينبض المسرح الرئيسي بالحياة. وتتجلى ذروة الإبداع في العرض الفني الرئيسي، الذي يمزج الموسيقى بالدراما، ملقياً بالضوء على دور الأسرة، وبشكل خاص المرأة الإماراتية، التي كانت الحارس الأمين على إرث البحر، وصابرةً على شطآن الانتظار، ومربيةً للأجيال.
قبل أن يسدل الستار في الثالث والعشرين من نوفمبر، لا تزال الفرصة سانحة لزيارة هذا الكرنفال الثقافي؛ حيث تمتزج أصالة الحرف بمتعة التذوق، وروعة العروض الفنية بدفء اللقاءات المجتمعية، في تجربة تترك في النفس أثراً لا يمحوه الموج.