لم يعد تأجيل الإنجاب مجرد خيار شخصي، بل أصبح ضرورة، تفرضها مسارات الحياة المهنية المتسارعة، والتطلعات الطموحة للنساء. لهذا، تحوّل السؤال: «متى يجب أن أفكّر بفي تجميد بويضاتي؟» إلى همس يومي يتردد صداه بقوة داخل العيادات النسائية.

في عصرنا الحالي، ومع التطور المذهل لخيارات الحفاظ على الخصوبة، أصبح اتخاذ هذا القرار المصيري أكثر تعقيداً وتشويقاً. فالأمر لا يتعلق بالسنوات التي عشتها فحسب، بل يتوقف على العوامل البيولوجية الدقيقة، ومنها: جودة البويضات، وصحتك الإنجابية، وتلك الأحلام المستقبلية، التي لم يحن وقت تحقيقها بَعْدُ.

هل أنتِ محتارة في توقيت هذه الخطوة؟.. وهل العمر هو المعيار الوحيد؟.. في هذا الموضوع، سنجيب على كل تساؤلاتك، ونفكك العوامل التي يجب أن تضعيها في الحسبان؛ لاتخاذ قرار سليم، يضمن لكِ حرية الاختيار في المستقبل.

  • تجميد البويضات.. في أي عمر تكون فرصكِ أفضل؟

كيف يتغيّر مخزون البويضات مع التقدّم في العمر؟

خصوبة المرأة ترتبط، بشكل أساسي، بجودة البويضات وكميتها، بينما يبقى الرحم قادرًا على الحمل حتى مراحل متقدمة نسبيًا. فالعشرينيات تُعدّ الفترة الذهبية للخصوبة؛ إذ تكون فرصة الحمل الطبيعية، في كل دورة شهرية أعلى من أي مرحلة لاحقة. ومع دخول الثلاثينيات، يبدأ الانحدار التدريجي، ويتسارع بشكل أوضح بعد سن الخامسة والثلاثين، حيث تنخفض نسبة الحمل الطبيعي، ويزداد احتمال وجود تشوّهات في الكروموسومات. فالمرأة في سن الثلاثين تمتلك فرصة تقارب الـ20% للحمل في كل شهر، بينما تقل هذه النسبة إلى أقل من 5%، عند بلوغ الأربعين. وهذا يعني أن نصف النساء، اللواتي يحاولن الحمل في الأربعينيات، قد يحتجن إلى تقنيات مساعدة، مثل «الإخصاب المخبري».

لماذا تُعدّ أواخر العشرينيات وبداية الثلاثينيات العمر الأمثل للتجميد؟

يرى عدد كبير من الأطباء أن المرحلة الأنسب، لتجميد البويضات، بين سن الـ27، والـ33 عامًا، حيث تكون جودة البويضات في أعلى مستوياتها، بينما لا يزال الجسم قادرًا على إنتاج عدد جيد منها في دورة واحدة. وكلما تم التجميد في عمر أصغر، كانت احتمالات الحصول، لاحقًا، على أجنة سليمة أعلى، لأن نسبة البويضات غير الطبيعية تكون أقل بكثير، مقارنة بما بعد سن الـ35.

وتشير التقديرات الطبية إلى أن نسبة البويضات غير السليمة ترتفع من 20 إلى 25% أواخر العشرينيات، إلى أكثر من 50%، بعد السابعة والثلاثين. لذلك، فإن تجميد البويضات في عمر أصغر يوفر فرصة أفضل لحمل صحي في المستقبل، حتى لو تأخّر قرار الإنجاب.

  • تجميد البويضات.. في أي عمر تكون فرصكِ أفضل؟

هل يمكن إبطاء تراجع الخصوبة بالطبيعة.. وأسلوب الحياة؟

رغم أن التقدّم في العمر يبقى العامل الأكثر تأثيرًا على الخصوبة، فإن نمط الحياة الصحي يلعب دورًا مساعدًا في الحفاظ على التوازن الهرموني وجودة البويضات. والحفاظ على وزن صحي، والامتناع عن التدخين، وممارسة الرياضة المعتدلة، وإدارة التوتر، وتقليل استهلاك الكافيين، تُعدّ خطوات مفيدة لدعم الصحة الإنجابية.

والالتزام بنمط حياة مثالي، لا يمكنه منع التراجع الطبيعي في الخصوبة بعد سن الأربعين. فحتى مع الصحة الممتازة، والدورات المنتظمة، يصبح الحمل الطبيعي صعبًا لدى معظم النساء في منتصف الأربعينيات، ما يجعل الاعتماد الكامل على أسلوب الحياة، وحده، أمرًا غير واقعي.

كيف تتخذين قرار التجميد بشكل واعٍ.. ومتوازن؟

تجميد البويضات قرار شخصي ومعقّد، فيتجاوز الجانب الطبي؛ ليصل إلى الحياة المهنية والعاطفية والمالية. فعملية التجميد مكلفة، ولا تتاح للجميع، ورغم أنها تمنح فرصة إضافية، فإنها لا تقدّم ضمانًا مؤكدًا للحمل. لهذا، يشدّد الأطباء على ضرورة الحوار المفتوح مع الطبيبة النسائية، ومناقشة العمر، والمخزون، والصحة الهرمونية، والخطط المستقبلية قبل اتخاذ القرار.

وتذكّر الطبيبات النساء بأن السيطرة على الخصوبة ليست مطلقة؛ فحتى مع أفضل الخطط، قد تحمل النتائج مفاجآت. لكن التفكير المبكر، والسؤال الصحيح في الوقت المناسب، يمنحان المرأة مساحة أكبر لاتخاذ قرار يناسب حياتها، ورؤيتها المستقبلية.