تعيش دولة الإمارات مرحلة متسارعة من التطور، والتحولات الاجتماعية، التي تؤثر - بشكل ملموس - في أهم ركائز المجتمع (الأسرة). ويواجه «الكيان الأسري» في المجتمع الإماراتي، حالياً، تحدياً مزدوجاً يتمثل في تآكل العلاقات الزوجية؛ فترتفع نسب الطلاق، وتتباطأ وتيرة النمو السكاني؛ ما يفرض إعادة تقييم جذرية لمفهوم الاستدامة الأسرية.

جودة الحياة الزوجية.. والطلاق

لم يعد الطلاق ظاهرة هامشية، بل أصبح تحدياً هيكلياً، يهدد استقرار المجتمع، وتكمن جذور ارتفاع معدل الطلاق في عوامل عدة، مرتبطة بالحياة المعاصرة. ومن أهمها الضغوط المالية والمهنية؛ فتسارع وتيرة الحياة الاقتصادية يضع على عاتق الأزواج ضغوطاً هائلة، خاصة في السنوات الأولى؛ ما يعيق التوافق المالي، والنفسي.

وبالإضافة إلى ضعف التأهيل، رغم توفر الإرشاد، لا يزال كثيرون من المقبلين على الزواج، يفتقرون إلى مهارات إدارة الخلاف، والتواصل الفعال؛ ما يجعل المشاكل الصغيرة تصبح أزمات كبرى. وأيضاً التأثير الرقمي؛ حيث إن التوغل المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، والمنصات الرقمية، يساهم في بناء توقعات غير واقعية عن الحياة الزوجية، فيعمق الفجوات العاطفية بين الشريكَيْن.

انخفاض المواليد يقلص المهد الوطني

بالتوازي مع تعرض الاستقرار الأسري لأزمة الطلاق؛ تبرز أزمة انخفاض نسبة المواليد بين المواطنين؛ حيث يشير البنك الدولي إلى أن معدل الخصوبة عام 2023، وصل إلى 1.2، في حين أنه عام 2000، كان 2.7؛ ما يضع ضغطاً على البنية الديموغرافية للبلاد، ومن أهم العوامل التي تؤثر في ذلك اختيار العديد من الأزواج تأخير الإنجاب، أو الاكتفاء بطفل أو طفلين؛ نتيجة التكاليف الباهظة للتعليم الخاص، والخدمات الصحية المتميزة، التي يسعون إلى توفيرها لأبنائهم. كما أصبح تحقيق الذات، والاستقرار الوظيفي، أولويتين متقدمتين على تأسيس أسرة كبيرة، خاصة بالنسبة للمرأة العاملة، التي تسعى إلى الموازنة بين طموحها المهني، والتزامات الأمومة. كذلك، ارتفاع متوسط سن الزواج يَحُدُّ من احتمالية إنجاب عدد أكبر من الأبناء.

إن أزمة الطلاق، وتناقص المواليد، تتجاوز الإطار الأسري الفردي؛ لتصبح قضية أمن مجتمعي استراتيجي، تتطلب تدخلاً على مستوى الدولة؛ حيث إن التهديد الديموغرافي، الناتج عن استمرار انخفاض المواليد، يؤدي إلى «تهرم المجتمع»، حيث ترتفع نسبة كبار السن، مقابل تراجع نسبة الشباب المنتج والداعم للاقتصاد. وهذا يُحمّل ميزانيات الرعاية الصحية، والمعاشات التقاعدية، عبئاً ثقيلاً.

إن النمو السكاني هو المصدر الرئيسي للرأسمال البشري الوطني، ونقص المواليد يعني نقصاً في القوة العاملة الوطنية المستقبلية، ما يؤثر في برامج التوطين، واستدامة التنمية.

والأسرة هي الحاضنة الأولى للغة والقيم والهوية الوطنية، وتشتت الأسر، وتضاؤلها، يضعفان هذه الحاضنة الأساسية، خاصة في مجتمع شديد التنوع الثقافي، ما يعيق نقل التراث عبر الأجيال؛ فجاء قرار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بأن يكون 2026 «عام الأسرة»، فرصة عظيمة؛ لمواجهة تحديات الأسرة الإماراتية، التي تتطلب تحولاً في الفكر، من خلال الدعم التشريعي، والاجتماعي، والنفسي.

لذلك، يجب أن يكون عام 2026 نقطة انطلاق؛ لتبني سياسات شاملة، تعالج جذور تحديات «الكيان الأسري». والحل يكمن في توفير بيئة اقتصادية واجتماعية، تجعل من الإنجاب، والاستقرار الزوجي، خياراً مستداماً ومفضلاً، يوازن بين طموحات الفرد، ومصلحة المجتمع؛ لضمان استمرارية القوة والحيوية، اللتين لطالما تميزت بهما دولة الإمارات.