بعض المناسبات تَعْبُرُ مثل نسمة، وأخرى تبقى في الروح نبضاً لا يغيب.. وفي الإمارات، لا شيء يشبه الثاني من ديسمبر؛ فهو يومٌ لا نعيشه كاحتفال فحسب، بل كإحساس يسبق الكلمات.. يوم «يرفرف» له القلب قبل العَلَم، ويرتفع فيه الإحساس قبل الأصوات.

قبل أيام، حضرت فعالية لإحدى العلامات العالمية، احتفالاً بمرور سنوات طويلة على وجودها في الإمارات. كانت الفعالية تضم جنسيات من كل مكان، ورغم أنها لم تكن فعالية وطنية أو رسمية، إلا أن الجهة المنظمة اختارت أن تبدأ الأوركسترا الافتتاح بعزف السلام الوطني الإماراتي، كأنها تدرك، تمامًا، أن هذه البداية قادرة على أن تُحدِث تلك القشعريرة، التي تجمع بين كل من يقف احترامًا للنشيد.. مهما كانت جنسيته.

في تلك اللحظة، انتابتني تلك القشعريرة التي أعرفها جيدًا، إنها ذلك الشعور الذي ينساب تحت الجلد، كنداءٍ قديم يوقظ داخلي الامتنان والعزّة. وهذا ليس كلام مناسبات، بل حقيقة أعرف أن كل مواطن ومقيم يعيشها. فالنشيد الوطني الإماراتي ليس مجرد موسيقى وكلمات، بل ذاكرة، ووجدان، وحكاية وطن صنع مجده بيدٍ واثقة، وقلبٍ كبير.

كلما سافرتُ إلى هذا العالم البديع، بتنوّع ثقافاته، وجمال تفاصيله، أجد قلبي يعقد مقارناته بهدوء.. فيزداد امتناناً؛ لأننا نعيش في وطن لا يشبه إلا نفسه؛ وطن يجمع بين الحداثة والهوية، وبين الأمان والكرامة، وبين الطموح والإنسان. وكلما رأيتُ اختلاف العالم واتّساعه، ازداد يقيني بأن ما نملكه هنا ليس أمرًا عابرًا حدث عن طريق الصدفة، بل هو نتيجة قيادة تفكّر للمستقبل، وتخطّط لما بعده، وتبني اليوم رؤى الغد، وما بعد الغد!

لطالما سمعت قصة الاتحاد، وكلما سمعتها يتجدد لديَّ ذلك الشعور؛ كأن أحدهم ينسج خيوطاً من ذهب أمامي. إنها حكاية تأسّست على الإيمان بالإنسان قِبَل الأرض، وعلى رؤية وضعت المستقبل قبل الحاضر. وكلما مرّ الزمن، زاد إدراكي أن الاتحاد لم يكن قرارًا، بل كان معجزة جلية، وبُعد نظر سباقاً.

كإماراتية.. وكامرأة تعيش على هذه الأرض، أعرف تمامًا قيمة هذا الوطن في تفاصيل حياتي، أعرف معنى:

- أن أمتلك صوتًا، وطريقًا، وفرصًا لا تُحدّ.

- أن أشعر بالحماية الدائمة، والدعم الذي لا ينقطع.

- أن أعيش في مجتمع فتح الباب للمرأة، ولم يضع لها سقفًا، بل قال لها: «السماء ليست حدّك.. بل بدايتك».

عيد الاتحاد، بالنسبة لي، ليس تاريخًا نحتفل به، بل شعور يومي؛ لتقدير ما نحن عليه.

وامتنان لحكمة قادة، آمنوا بالإنسان قبل كل شيء.

وامتنان لوطن، يضع كرامة أبنائه في القلب.

وامتنان لحكاية لا تزال تُكتب، وستبقى تُدهشنا كل عام..!

في الثاني من ديسمبر…

نرفع العلم.. نعم!

لكن قبل ذلك.. ترتفع به القلوب..!