متحف زايد الوطني.. منارة الحاضر وذاكرة الغد
في كل مدينةٍ عظيمةٍ، يوجد صرحٌ خالد يُجسّد روحها.. وفي أبوظبي، تتجسّد هذه الروح في متحف زايد الوطني، المشروع الثقافي الكبير، الذي تستعد العاصمة لافتتاحه في 3 ديسمبر 2025، بالتزامن مع احتفالات الدولة بعيد الاتحاد الـ54. فعلى جزيرة السعديات، حيث تتجاور المعارف والفنون، يكتمل عقد المتاحف العالمية، الذي تفتخر به الإمارات، من «اللوفر أبوظبي» إلى «جوجنهايم أبوظبي»، ومتحف التاريخ الطبيعي أبوظبي، وصولاً إلى هذا الصرح العظيم الذي يحمل اسم الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ويختزل في تفاصيله مسيرة وطنٍ، آمن بأن الثقافة أساس الحضارة، وأن الهوية قوة لا تزول.
يمثل «المتحف» تاريخ شعب دولة الإمارات العربية المتحدة العريق وثقافته الغنية وقصصه من العصور القديمة وحتى العصر الحديث، تتويجاً لرؤية الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بأن تكون الإمارات جسراً للتواصل الإنساني، والانفتاح الواعي على العالم. وقد صُمّم؛ ليكون ذاكرةً حيّة، تحكي رحلة الإماراتي منذ البدايات، وحتى النهضة الحديثة، وتجسّد إرثه في صَوْن البيئة، وتمكين الإنسان، وبناء المستقبل.. وقد حظيت مجلة «زهرة الخليج» بدخول هذا المَعْلم، قبل افتتاحه الرسمي؛ لتعايش ملامح تجربةٍ فريدة، تجمع بين الجمال المعماري، والبُعْد الإنساني، والتقت فاطمة عبدالله الحمادي، أمين متحف، التي قدّمت رؤية شاملة حول فلسفته، ورسالته، ودوره في ترسيخ مكانة أبوظبي عاصمةً للفكر والثقافة.
-
فاطمة عبدالله الحمادي - أمين متحف.
رؤية الوالد المؤسس
تقول فاطمة عبدالله الحمادي: إن «المتحف» يُجسّد رؤية وفكر المغفور له الشيخ زايد، الذي آمن بأن الهوية الإماراتية تزدهر بالتواصل والتفاعل الإنساني مع الثقافات الأخرى. ومن خلال ستة صالات عرض دائمة، وحديقة المسار، وبرامج تعليمية وبحثية متنوّعة، يحتفي «المتحف» بجذور الإمارات الممتدة منذ أكثر من 300 ألف عام، ويقدّمها إلى العالم بلغةٍ معاصرة، تُعبّر عن روح التسامح، التي أرساها مؤسس الدولة.
مخاطبة الحواس
المتحف يقدم التاريخ كقصة إنسانية حيّة، وتؤكد فاطمة عبدالله الحمادي أن التجربة صُمّمت، لتخاطب العقل والقلب معاً، وتجمع بين المعرفة والتفاعل الحسي. إنها رحلة تبدأ من الإنسان، من قصصه، ومكتشفاته، وحياته اليومية، وتمتد عبر معروضات تحفّز الحواس الخمس بالأصوات، والصور، والضوء، والملمس، والفضاء. وتضيف: «يضم المتحف أكثر من 3000 قطعة أثرية وفنية، ستعرض منها حوالي 1500 قطعة، ضمن ست صالات عرص دائمة، تغطي 300 ألف عامٍ من التاريخ البشري في الإمارات. وتُعرض ضمنها مقتنياتٌ نادرة، مثل: (أحفورة رودست) ثنائية الصدفة، التي يعود عمرها إلى أكثر من 70 مليون عامٍ، وقطعٌ أثرية من مختلف أنحاء الدولة، وأخرى مُعارة من المنطقة، والعالم».
-
متحف زايد الوطني.. منارة الحاضر وذاكرة الغد
جناح الصقر
يتميز المتحف، بتصميم فريد، من توقيع اللورد نورمان فوستر، المعماري العالمي، الحائز جائزة «بريتزكر»، من شركة «فوستر وشركاه»، حيث استلهم «جناح الصقر»، أثناء التحليق، كرمزٍ للقوة والعزّة في الثقافة الإماراتية. تقول أمين متحف زايد الوطني: «يجمع التصميم بين بساطة العمارة المحلية والابتكار الهندسي الحديث، ويخدم مبادئ الاستدامة عبر خمسة أبراج فولاذية، توفر تهوية طبيعية، بالأشهر الباردة. ويمتد المتحف على المساحة الأرضية الإجمالية 88،870 متر مربع؛ ليصبح الأطول في (المنطقة الثقافية) بارتفاع 123 متراً، فيجمع بذلك بين الفخامة والهوية».
مقتنياتٌ تحكي قيماً
تتابع فاطمة عبدالله الحمادي: «تضم قاعات المتحف مقتنيات نادرة، مثل: (مشروع إعادة بناء قارب ماجان) الذي يرمز إلى التواصل والمعرفة والانفتاح على العالم، ولؤلؤة أبوظبي التي تُعيد إلى الأذهان جمال البساطة والطبيعة، والمصحف الأزرق إحدى أشهر المخطوطات القرآنية، وقد كشفت تقنيات التصوير المتعدد الأطياف فيه عن آياتٍ قرآنية من سورة النساء، لم تكن مرئية للعين المجردة». ولا يكتفي المتحف برواية الماضي، بل يساهم في إنتاج المعرفة، وتعزيز الحوار الثقافي العالمي.. وتضيف أمين المتحف: «يأتي صندوق متحف زايد الوطني لتمويل الأبحاث، الذي تأسس عام 2023 بقيمة إجمالية تصل إلى مليون درهم، ترجمةً لهذه الرؤية، إذ يدعم الدراسات التي تتناول تاريخ وثقافة الإمارات، والإرث الخالد للمغفور له الشيخ زايد».
-
متحف زايد الوطني.. منارة الحاضر وذاكرة الغد
الإماراتية في قلب «المشروع»
تحضر المرأة الإماراتية في تفاصيل متحف زايد الوطني، من البحث الأثري إلى التنسيق والإدارة الثقافية.. وعن ذلك تقول فاطمة عبدالله الحمادي: «تحضر الإماراتية، بقوة، في مختلف مراحل البناء والتشغيل، بنسبة 60% من فريق العمل، وتَشْغل 37 % منهنَّ مناصب قيادية. وقد ساهمت أكثر من 54 إماراتية، منذ انطلاق المشروع في مجال الأبحاث، والتفسير المتحفي، والتعليم، والتصميم المعماري». وتؤكد أن المرأة - بوجودها في المتحف - صانعة للتاريخ، وليست ناقلة له فقط، إذ تقدّم رؤية تُوازن بين الأصالة والطموح، وتجسّد رؤية القيادة لتمكين المرأة كركيزة في صياغة المستقبل الثقافي للدولة. ويحرص «المتحف، عبر برامج تعليمية، وورش تفاعلية، على إلهام الأجيال الجديدة أن الثقافة ليست ماضياً نحفظه، بل مستقبل نصنعه معاً، ضمن مساحة تحتفي بالشغف والمعرفة، وتشجّع على استكشاف الثقافة والآثار والفنون. بحسب الحمادي.
التكنولوجيا تخدم القصة
ويُترجم المتحف التقدّم التقني في تجربة الزائر، بالجمع بين التكنولوجيا والإنسانية. فمن الشاشات التفاعلية إلى الجولات بلغة الإشارة الإماراتية، تُقدَّم التجربة بأسلوبٍ حديثٍ وشاملٍ، يربط بين التراث والتعلم. والتقنية، هنا، ليست هدفاً في حد ذاتها، بل أداةٌ لتعميق الفهم، وربط الزائر وجدانياً بالقصص التي يراها.
-
متحف زايد الوطني.. منارة الحاضر وذاكرة الغد
فكيف تجسدت «روح المكان» في تجربة متحف زايد الوطني؟.. تجيب فاطمة عبدالله الحمادي: «روح المكان تنبض في كل زاوية، من الواجهة المستوحاة من جناح الصقر إلى (حديقة المسار)، الممتدة إلى 600 متر. إنها صالة عرض خارجية تروي سيرة المغفور له الشيخ زايد وسط طبيعةٍ إماراتية خالصة، تجمع الصحراء والواحات والمناطق الحضرية، وتضم نموذجاً لنظام الأفلاج، ونباتاتٍ محلية، كشجرة الغاف التي يزيد عمرها على 60 عاماً، في محاكاةٍ لبيئة الإمارات، وتاريخها الزراعي، والإنساني».
رحلة ثرية
تختتم فاطمة عبدالله الحمادي حديثها، قائلةً: «يتميّز المتحف بأنّه يخاطب الزائر كشريكٍ في القصة؛ فيحتفي بالإنسان، وقدرته على التعلم والتواصل والحلم؛ حيث نتعلم أنّ الثقافة ليست ترفاً، بل طريق لبناء الأوطان، ونشر الخير. وزيارة المتحف تعد رحلة داخل الذات، تُذكّرنا بما يعنيه أننا أبناء هذه الأرض».