ميره البدو: التفاصيل الصغيرة تصنع النتيجة
تقف الشابة الإماراتية، ميره البدو، أمام ممرّ البولينغ بثباتٍ وهدوء وتركيز؛ فتمسك الكرة بين يدَيْها، كما لو كانت سرّها الصغير، وتغلق عينَيْها لثوانٍ، تتوحّد فيها مع هدفها. هناك، حيث يختلط التركيز بالسكينة، ويتلاشى العالم من حولها، ولا يبقى سوى خط مستقيم، يقودها نحو غايتها؛ فهي تعرف أن القوة في الدقة، وأن الشغف يُولَدُ من التحدّي، وليس من السهولة. وبينما يرى البعض «البولينغ» لعبة مسلية يحكمها الحظ، ترى ميره، لاعبة منتخب الإمارات للبولينغ، فيها علماً وفناً، يحتاجان إلى صبر وذكاء، وتحكّم في التفاصيل الدقيقة. في هذه الرياضة، وجدت ميره مرآةً تعكس صفات شخصيتها، ومنها: صبرٌ جميل، وهدوءٌ عميق، وإصرارٌ على جعل كل محاولة خطوة جديدة نحو الإتقان.. هكذا تبدأ حكايتها، حكاية فتاة جعلت من «البولينغ» طريقاً لاكتشاف ذاتها؛ لنتعرف أكثر إلى ميره البدو، ورحلتها مع رياضة البولينغ:
-
ميره البدو: التفاصيل الصغيرة تصنع النتيجة
من رياضة إلى أخرى
قبل أن تحترف ميره البدو لعبة البولينغ، خاضت رحلة طويلة من التجارب الرياضية؛ بحثاً عن شغف يشبهها. (تبتسم) وهي تتذكّر تلك البدايات، قائلة: «خلال عامَيْ: 2017، و2018، جرّبتُ رياضات عدة، مثل: الكروسفيت، والجري، والدراجات الهوائية، والريشة الطائرة، والرماية، وركوب الخيل، لكنني لم أشعر بالانتماء إلى أيٍّ منها؛ حتى وقعت على (البولينغ)؛ فشعرت بأنني في مكاني الطبيعي، فقد وجدت نفسي فيها، وأدركت أنني قادرة على الإنجاز، والعطاء». جاءت البداية مصادفة، حين شاركت في فعالية رياضية، نظّمتها جهة عملها، فلفت أداؤها أنظار اتحاد الإمارات للبولينغ، الذي كان يبحث عن لاعبات موهوبات، فاختارها لتكون ضمن فريقه. ومنذ ذلك اليوم، فُتِحَتْ أمامها أبواب عالمٍ جديد، اكتشفت فيه أن «البولينغ» رياضة تتطلّب لياقة وصبراً، وتدريبات شاقة؛ للتعامل مع كرات، يصل وزن الواحدة منها إلى خمسة عشر كيلوغراماً.
خطوات نحو التوازن
خلف ابتسامة الشابة الإماراتية الهادئة، تختبئ لاعبة تعرف أن الإتقان لا يَولَدُ من الحظ، بل من التهيئة الدقيقة للجسد والعقل، معاً. فالبولينغ، كما تصفها، رياضة تتطلب تركيزاً مطلقاً، وانسجاماً بين القوة والسيطرة.. تقول ميره: «بالنسبة للاعب المحترف، يجب أن تكون عضلات يديه وساقيه قوية، وأن يتحكم في تنفّسه أثناء الرمية، فكل خطوة محسوبة، وكل تفصيل صغير قادر على تغيير النتيجة». وقبل كل مباراة، تكرّس وقتها لتمارين إحماء دقيقة، تشمل الكتفين والخصر والرجلين، استعداداً لتلك اللحظة التي تختصر خلالها كل جهدها في رمية واحدة. (تبتسم) وهي تتحدث عن بداياتها: «بدأتُ بكرة وزنها عشرة كيلوغرامات؛ لأن عضلاتي كانت ضعيفة. أما اليوم، فألعب بخمسة عشر كيلوغراماً؛ إذ يجب أن تتناسب الكرة مع بنية اللاعبة؛ حتى تكون الحركة صحيحة ومتوازنة». ثم تضيف: «لكل لاعبة كرتها الخاصة المصممة على قياس كفّ يدها، وكذلك الثقوب الثلاثة، التي تتناسب وحجم أصابعها، تماماً كموسيقي يعزف على آلته، التي لا تشبه غيرها».
لحظات فخر
في رحلة ميره لحظتان لا يمكن نسيانهما: الأولى، عندما شاركت عام 2023، في بطولة الأولمبياد الخاص في برلين بألمانيا، مع فريق يضم لاعبين من أصحاب الهمم. وتتحدث عن تلك اللحظة بنبرة يغلب عليها الفخر، فتقول: «في تلك الفترة، كنت أمرّ بظروف صعبة، وكان الضغط النفسي كبيراً عليَّ. وصلت إلى الرمية الأخيرة والكل ينتظر النتيجة. كنت على وشك الانهيار؛ لأن رميتي هي التي ستحدد وجود فريقنا بين المراتب الثلاث الأولى. ورغم شدة الضغط، قلت لنفسي: لا يمكن العودة إلى الإمارات من دون تحقيق إنجاز، فرميت الكرة، وتركت مكاني، وهو أمر غير معتاد من اللاعبين، وعندها سمعت صوت المدرب يصرخ: (لقد فعلَتْها!).. في تلك اللحظة أدركت أننا فزنا، وحللنا بالمركز الثاني، ونلنا الميدالية الفضية. في لحظة تاريخية بالنسبة لي». أما اللحظة الثانية، فكانت عام 2022، أثناء مشاركتها في بطولة محلية، وحققت عشر ضربات (سترايك) متتالية، مُحوّلة الشاشات أمام اسمها إلى سلاسل من الـ(X)، التي تعبر عن الضربة الكاملة.. تضيف ميره: «كان كل شيء مثالياً في ذلك اليوم.. التركيز، والإيقاع، والحظ، فقد رأيت اسمي على الشاشة يتكرّر بجانب عشر علامات (X) كان شعوراً لا يوصف»، ولا تنسى الشابة الإماراتية دعم عائلتها، التي أصبحت فخورة بها، وبإنجازاتها.
-
ميره البدو: التفاصيل الصغيرة تصنع النتيجة
«البولينغ».. دروس في الحياة
كلما وقفت الشابة الإماراتية عند خطّ الرمي، يتحوّل الصمت المحيط بها إلى مساحة تأملٍ خالصة، كأنها تنفصل للحظاتٍ عن العالم؛ لتدخل في حوارٍ داخلي، لا يسمعه سواها؛ فتهمس بثقةٍ خافتة: «بإمكانك أن تفعليها». ومع انطلاق الكرة، يختفي كلّ شيء، الضجيج، والأنظار، وحتى القلق، ولا يبقى سوى يقين عميق بقدرتها على بلوغ الهدف. تقول ميره: «(البولينغ) علمتني الصبر. فأحياناً لا تحققين نتيجة في أول خمس محاولات، لكن عليك أن تواصلي حتى النهاية، فالفوز قد يأتي في اللحظة التي لا تتوقعينها». وتضيف، بصوتٍ يشبه سكون المسار قبل الضربة: «تعلمت أن أكون مرتاحة الذهن؛ لأن القلق يُربك الخطى، فحين يكون بالك صافياً، تصيبين الهدف. وهذه ليست قاعدة في الرياضة فقط، بل في الحياة أيضاً». «البولينغ»، بالنسبة لميره، رياضة تهذب النفس، وتصقل الإرادة، فتراها مزيجاً من التركيز والمتعة، ومن التحدّي والهدوء.. تقول: «هي رياضة راقية، تُعلّمك الصبر، وكيف تتعاملين مع الضغط والخسارة، وكيف تنهضين من جديد». ويمناسبة عيد الاتحاد الـ54.. قالت: «في عيد الاتحاد، أستمد عزيمتي وقوتي من روح الإمارات، تلك الروح التي تعلمني أن كل رمية رسالة إصرار، وأن الإنجاز يبدأ بحلم يحتضن وطناً بأكمله».