عندما تقترب عقارب الساعة من منتصف الليل في آخر يوم من السنة، يبدو العالم كأنه يتوقف لثوانٍ قليلة، قبل أن يعاود التنفس باسم آخر (عام جديد). ورغم أن العدّ التنازلي واحد، إلا أن طرق الاحتفال لا تشبه بعضها أبدًا. فمن مدن لا تنام، إلى شواطئ يغمرها ضوء القمر، ومن معابد تفيض بالصمت إلى بيوت عائلية صغيرة، تتنوّع طقوس استقبال العام الجديد بقدر تنوّع الثقافات، لكنها تلتقي عند فكرة واحدة، هي الرغبة في بداية أفضل.

  • أغرب طقوس العالم لاستقبال العام الجديد

نيويورك.. لحظة يشاهدها العالم أجمع:

في ميدان «تايمز سكوير»، تتكثّف الرمزية. بكرة مضيئة تهبط ببطء، وملايين العيون تراقب، ومئات الآلاف ينتظرون في البرد لساعات طويلة؛ فقط ليكونوا شهودًا على لحظة العبور. إن تقليد إسقاط الكرة ليس مجرد عرض بصري؛ إنه طقس إعلامي عالمي، تحوّل إلى أيقونة للانتقال الزمني، من خلال عروض موسيقية، ونجوم عالميين، وبث مباشر يصل إلى كل قارة. هنا، يتحوّل رأس السنة إلى حدث ترفيهي ضخم، يعكس علاقة العصر الحديث بالاحتفال؛ فهو جماعي، وصاخب، ومتصل بالعالم كله في آنٍ.

البرازيل.. الأبيض بين البحر والروح:

على شواطئ ريو دي جانيرو، يبدو المشهد مختلفًا تمامًا. فالأبيض يهيمن على الملابس، والبحر يصبح جزءًا أساسيًا من الطقس الاحتفالي. يقف المحتفلون عند حافة الماء، ويقفزون فوق سبع موجات متتالية، كل موجة تحمل شكرًا لذكرى جميلة، أو أمنية للعام المقبل. هذا الطقس، المتجذّر في المعتقدات الشعبية الأفرو-برازيلية، يعكس احترامًا عميقًا لقوى الطبيعة، وإيمانًا بأن البداية الجيدة تحتاج إلى انسجام مع البحر، لا إلى ضجيج المدن.

اليابان.. وداع هادئ للعام المنتهي:

في اليابان، لا مكان للصخب في لحظة العبور؛ فهناك معابد بوذية تدق أجراسها 108 مرات، في طقس يُعرف بـ«جويّا نو كانيه»، حيث ترمز كل دقة إلى التخلّص من رغبة، أو ضعف إنساني. الفكرة، هنا، ليست الاحتفال بما سيأتي فقط، بل تنظيف الداخل مما مضى، والتقدّم نحو العام الجديد بخفّة روحية. في هذا التقليد، يتحوّل رأس السنة إلى لحظة تأمل جماعي، للتذكير بأن البداية الحقيقية تبدأ من الداخل.

أوروبا.. رموز صغيرة بحمولات كبيرة:

في اسكتلندا، حيث يُعرف رأس السنة باسم «هوغماني»، يصبح أول زائر للمنزل بعد منتصف الليل رمزًا للحظ القادم. ويُفضّل أن يحمل معه هدايا تعبّر عن الدفء والوفرة، في تقليد يعكس أهمية العلاقات الإنسانية، والبدايات الاجتماعية. أما في إسبانيا، فيتحوّل الزمن إلى اختبار سرعة وتركيز: 12 دقة ساعة، و12 حبّة عنب، واحدة مع كل دقة؛ لضمان عام مليء بالحظ. إنه طقس بسيط، لكنه يُمارس بشغف جماعي في الساحات والشرفات، كأن المدينة كلها تتنفّس بإيقاع واحد.

  •  فطائر «أوليبولن» 

ألمانيا والدنمارك.. احتفال بطعم العادة:

في ألمانيا، يلتف الناس حول الشاشات؛ لمشاهدة مشهد كوميدي قديم، يُعاد بثه سنوياً منذ عقود؛ إذ لا يكمن سحر هذا الطقس في المحتوى الكوميدي فحسب، بل في «قدسية التكرار»، التي تمنح الألمان شعوراً بالاستمرارية، والأمان، وسط عالم دائم التغيّر. أما في الدنمارك، فيتخذ الوداع شكلاً جسدياً مثيراً، حيث يقف المحتفلون فوق الكراسي والأرائك؛ ليقفزوا حرفياً مع دقات منتصف الليل نحو العام الجديد، في حركة رمزية تعكس رغبتهم في ترك إخفاقات الماضي خلفهم بـ«وثبة» واحدة.

وللموائد نصيبٌ وافر من هذه الأساطير، حيث يسيطر «شكل الحلقة» على الحلويات، مثل: الكعك المُحَلّى والدونات، تفاؤلاً بـ«اكتمال دورة الحياة»، وجلباً للحظ السعيد. وفي هولندا، تتصدر فطائر «أوليبولن» (Oliebollen) التقليدية المشهد الاحتفالي في المنازل، بينما يفضل الإيرلنديون الاستمتاع بحلويات «البانكس» (Bannocks) التقليدية. وبالانتقال إلى الولايات المتحدة، وتحديداً لدى مجتمع «بنسلفانيا داتش»، يظل تناول مخلل الملفوف (الكرنب المخمر) في يوم رأس السنة تقليداً لا غنى عنه، إيماناً بقدرته على جلب الرزق، والوفرة، في العام المقبل.

الفلبين واليونان.. منازل مليئة بالرموز:

في الفلبين، تحضر الدائرة بقوة في الاحتفال. بفواكه مستديرة، وملابس منقطة، وعملات معدنية في الجيوب، وكلها رموز للوفرة، والدورة المكتملة للحياة. أما في اليونان، فيُعلّق البصل على الأبواب، رمزًا للنمو، وطول العمر، وتذكيرًا بأن البدايات تحتاج إلى جذور قوية.

حقيبة فارغة.. وأحلام ممتلئة:

في بعض دول أميركا اللاتينية، يحمل الناس حقائب سفر فارغة، ويدورون بها حول منازلهم، وأحيائهم. وهنا الرسالة واضحة وبسيطة: نريد عامًا مليئًا بالرحلات، والاكتشاف، والخروج من المألوف.

وفي الهند وباكستان، يُعدّ الأرز رمزًا للازدهار. وفي المنازل السويسرية، تُسكب كميات من كريمة الخفق على الأرض، كرمز لغنى العام القادم، وتُترك دون إزالة!

قد تبدو بعض هذه العادات غريبة، أو حتى طريفة، لكنها - في جوهرها - محاولة إنسانية؛ لتحويل لحظة زمنية مجرّدة إلى حدث ملموس. فالطقوس التي يتبعها البشر تمنح شعورًا بالسيطرة، والأمل. في ليلة واحدة، وبطرق لا تُحصى، يتفق العالم على شيء واحد: أن البداية تستحق احتفالًا.. مهما اختلفت لغته!