تعد تربية الأبناء في وقتنا الحاضر من أصعب الأمور التي تواجه الأسر، خاصة مع التطور التكنولوجي، حيث أصبح الأبناء بل وكل أفراد الأسرة في حالة انعزال، ورغم وجود مصادر أخرى بعيداً عن الأب والأم يأخذ الأبناء بمشورتها ويجدون فيها القدوة ويستمعون لنصائحها، فضلاً عن محاكاة مشاهير التواصل الاجتماعي وغيرهم، ستبقى العلاقة الوالدية صمام أمان الأسرة والمجتمع. وتعمل هذه العلاقة على تعزيز المفاهيم الخاصة بالخصائص النمائية المختلفة للأبناء، مع التركيز على مجالات النمو الوجداني والاجتماعي العاطفي، بالإضافة إلى تعزيز الإيجابية، والتدريب على آليات التعامل مع الأبناء للارتقاء بالأسر، لتحقيق بنية أسرية متوازنة.

«زهرة الخليج» فتحت النقاش حول أهمية دور الأسرة في الحفاظ على الأبناء والتربية السليمة، مستشهدين بتوجهات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، في هذا الشأن بهدف الوصول إلى الطريقة السليمة لاحتواء الأبناء والوصول بهم إلى بر الأمان للحفاظ على استقرارهم من خلال التربية المنوط عليها بناء شخصية متوازنة صالحة من الجوانب النفسية والاجتماعية والذهنية والبدنية والدينية، في سياق زرع هوية وقيم المجتمع.

 التواصل الاجتماعي

ترى ربة المنزل، فاطمة الزعابي، أنه إذا حدث خطأ من الأبناء يجب أن يتوجه الوالدان إلى تعديل السلوك من دون المساس بشخصية الأبناء، ويعتبر هذا من أهم شروط العلاقة الوالدية الناجحة، مشيرة إلى أن إهمال بعض الأمهات في تربية الأبناء وتركهم بين يدي الخادمة وثقافتها وعاداتها وتقاليدها المختلفة، هو من أهم عوامل الفشل التي تؤدي إلى صناعة أطفال مشوهين بلا هوية وعرضة للكثير من الآفات الأخلاقية، فضلاً عن تركهم لساعات طويلة مع شاشات التلفزيون والأجهزة الذكية بغرض الترفيه والتسلية. وتقول الزعابي: «أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي إحدى الوسائل المهمة التي تشبع الحاجات الاجتماعية للأبناء، فهي تحقق لهم ما يحتاجونه من إحساس بالأهمية من خلال تواجد متابعين لهم». وأوضحت الزعابي أن أكبر تحدٍّ يواجه الأبوين حالياً هو انحراف أبنائهم عن المسار السليم والذي له أوجه كثيرة، ولكن في نهاية المطاف يجرف الأبناء نحو هاوية يختلف عمقها بعمق مكمن الانحراف ونوعيته ووسائل الحماية لدى الأبناء، فضلاً عن تعرضهم للكثير من المخاطر الداخلية والخارجية والكثير من الأمور التي تضرهم وتهدم المجتمع، لاسيما أن الأبناء هم نواة المجتمع، ولا بد من الحفاظ عليهم وحمايتهم من المخاطر.

 الاعتماد على النفس

بدورها تؤكد المهندسة، بدرية عامر، أن استقرار الأبناء لن يكون إلا إذا تحقق استقرار الزوجين، ويكون ذلك بفتح باب الحوار والنقاش المثمر بينهما طوال الوقت، والبعد التام عن مناقشة الخلافات أمام الأبناء، وتضيف: «لا بأس من مشاركة الأبناء للآباء في اتخاذ القرار سواء في الدراسة أو الملبس أو حتى المأكل». وتلفت إلى أنه من أكبر الأخطاء التي كانت تقوم بها عدم تحميل أبنائها في طفولتهم أي مسؤولية، وبالتالي كانوا يعتمدون عليها اعتماداً كلياً، مما أرهق كاهلها، خاصة أنها امرأة عاملة، وتقول إنها انتبهت لذلك في الوقت غير المناسب، وباتت تتنازل عن حقوقها من أجل تلبية طلباتهم ورغباتهم حتى أوقات النوم، فهي أول من يستيقظ وآخر من ينام بعد يوم شاق من العمل داخل وخارج المنزل.

استراتيجيات التربية

يوضح المستشار الأسري، عيسى المسكري، عدة استراتيجيات لتحسين روابط المودة، وبناء علاقات الود مع الأبناء، وتبدأ كلها بالأفعال التالية: (العب، ابتسم، شارك، حاور، صاحب). ويوضح المسكري أن الكثير من الآباء بعيدون عن هذه الاستراتيجيات، بسبب طبيعتهم الشخصية أو مشاغلهم اليومية، أو التزاماتهم الخارجية، ويوضح: «أكثرها أسباب واهية، فالابن بحاجة ماسة إلى هذه الاستراتيجيات، لأنها تسهم في تقوية الوصال وبناء العلاقات». ويشير المسكري إلى أن اللعب مع الأطفال وسيلة تربوية ناجحة ومدخل إلى عالم الطفل ترفيهاً وتعليماً، فيعزز ذلك مشاعر التآلف، ويحفز دوافع الود، ويبني جسور الاشتياق، ويزيل حواجز القسوة، ويحرر النفس من الخوف والقلق، وتعد هذه الاستراتيجية اليوم وسيلة للتعليم، وطريقة لتوصيل المعلومات، من خلال الأنشطة الترفيهية الناجحة والمهارات التربوية الهادفة. ويضيف: «على الوالدين الابتسام في وجه الأبناء، لأن الابتسامة تبعث في النفس السعادة والفرح كأنها بسحرها معمل لإنتاج فيتامينات المرح والفرح، فأثبتت بعض الدراسات أن الابتسامة علاج للآفات والأمراض والأوجاع، تدفع الطفل إلى بناء حياة تحفها أجنحة الأمن والاحتواء، أيضاً لا بد من مشاركة الطفل في الواجبات والأعمال الخاصة به».

ويضرب المسكري أمثلة للمشاركة مثل: حل الواجبات، والرسم، والقراءة، والهوايات التي يمارسها، ومشاركته في ترتيب غرفته الخاصة، وتنظيم أدواته المدرسية، ويضيف: «كل ذلك يتم من خلال التحاور مع الطفل، وفتح باب النقاش الذي يسهم في تقوية شخصيته ويساعد الابن على أن يكون صديقاً لأبيه وأمه، يبوح بما يسكن فؤاده أو ما يؤلم مشاعره، ويخبرهما عن أصحابه، يتحدث عن هواياته، يطلب منهما حل مشكلاته، يستشيرهما من أجل صناعة قراراته، وبالتالي يكونان رفيقين في الطريق».

 زرع القيم

 بدوره، يرى الاستشاري الأسري، الدكتور نجيب محفوظ بلفقيه، أن زرع القيم لدى الأبناء من أهم وأصعب المهام، وتكمن أهميتها في أنها توجه الأبناء في تبني فلسفات ومعتقدات تحدد مجرى حياتهم، ولذلك لا بد أن تكون للوالدين منهجية واضحة لغرس القيم وعدم تركها تنمو عشوائياً حسب ما تمليه الظروف العائلية والمجتمعية. ويشير محفوظ إلى أن قيام الوالدين بغرس القيمة حسب ما يتطلبه العمر وأهمية القيمة، فلكل مرحلة عمرية توجد قيم ذات أهمية قصوى، ويكون الأبناء بحاجة لها للبناء عليها في مراحل حياتهم اللاحقة، مؤكداً: «لا يمكن غرس القيم بالقول فقط، إنما بالفعل من خلال غمر الأبناء بالمشاعر الطيبة، ولا بد أن يعلم الآباء أن الأبناء لا يعلمون القيم المطلوب تبنيها، فعلى الوالدين الإفصاح عن القيم المرغوبة بوضوح تام، مع الثناء على تلك القيم وتكرارها أمامهم. فغرس القيم في الأبناء ليس له معنى إذا غابت القدوة، لذلك على الوالدين القيام بأدوارهما في المجتمع بالعمل التطوعي ومساعدة الآخرين والحفاظ على الممتلكات العامة، ومن الضروري جداً قيام الوالدين باقتطاع جزء من وقتهما لمعايشة الأبناء لغرس بذرة القيم ومساعدتهم على ذلك». ويقول محفوظ: «إذا اعتبرنا القيم البذرة التي يجني المجتمع ثمارها، فإن التربة الخصبة التي تساعد على نمو البذرة كي تصبح شجرة فارعة هي رعاية الوالدين للأبناء في جميع المجالات النفسية والاجتماعية والدينية والرياضية. وإبعاد الأبناء عن الاختلافات بين الزوجين كي يتحقق لهم الاستقرار والأمان النفسي، لاسيما أنه إذا كان هناك هدف وحيد للوالدين في الحياة فليس هناك أسمى من تربية أبناء أسوياء ذهنياً واجتماعياً ونفسياً يخدمون من خلالها أنفسهم ومجتمعهم».