"لايوجد مصمم أفضل من الطبيعة"، تلك الحقيقة أطلقها المصمم العالمي ألكسندر ماكوين الذي نسج رواية نجاحاته في عالم الموضة جاعلاً من الطبيعة ملهماً حقيقاً له، وبلحظة خاطفة أنهى حياته بطريقة تراجيدية، فهل هي حياة المشاهير المحفوفة بالضوء والظلمة معا؟

ولأن عالم الموضة هو الحرية والعودة إلى ابتكارات الطبيعة المذهلة، فقد اعتبره الكسندر، "شكلاً من أشكال الهروب وليس شكلاً من أشكال السجن"، فقد وجد في التصميم مسرحه وملعبه وطاقته المتجددة، فمن هو هذا المصمم، وما الذي أنجزه خلال مسيرة حياته القصيرة التي لم تتجاوز الأربعين عاما؟

بيئته الأولى

ولد ألكسندر ماكوين، في 17 مارس عام 1969، في مدينة لندن لأسرة فقيرة، فقد كان والده سائق تاكسي ووالدته مدرّسة، وكان هو بين 6 اخوة، فكّر أن يترك الدراسة ويمضي إلى مهنة تدر عليه الأرباح ولم يجد أمامه سوى عالم الموضة والأزياء، وهذا لم يأتِ هكذا لو لم يشعر حقيقة بانزياحه نحو الفن بل بمعرفته العميقة بمعنى الجمال الذي تشكل الطبيعة حضنه الواسع.

بدأ حياته خياطاً بسيطاً في أحد شوارع لندن، إلى أن اكتشفت موهبته مصممة بريطانية تدعى أيزابيلا بلو، التي تدرّب في شركات مختلفة تعنى بالموضة والتصميم، بدأت موهبته تظهر للضوء وطريقته الخاصة والمميزة في التصميم، وخلال فترة وجيزة أصبح ماكوين المصمم الرئيسي لخط لويس فيتون المملوك من شركة جيفينشي، فقرر عام 2004، إطلاق تصاميمه الخاصة بالرجال.

مضى ماكوين بخياله نحو تصاميم حوّلته في فترة وجيزة إلى أيقونة في عالم التصميم والموضة وقد ارتدت تصاميمه ألمع نجمات الفن، أمثال ريهانا وساندرا بولك ومادونا، وقد حصل على أهم الجوائز العالمية،منها "ذا بريتش ديزاينر أوورد"، وعلى مدى أربع مرات متتالية 1996 و 2003 اختير من مجلس الموضة البريطاني، كما تمت تسميته قائداً للتصميم في الإمبراطورية البريطانية. وكانت السجادة الحمراء تتألق بعارضاته وأزيائه التي شكلت قصيدة حقيقية في عالم التصميم، وقد أهدته الليدي غاغا أغنيتها 'Fashion of His Love' ، في حين  تألقت النجمة كيت ميدلتون بفستانه الذي صممه  من الدانتيل الأسود، لتكون أسطورة الحضور. 

19 عاماً قدم  ماكوين خلالها، أهم التصاميم، ولأنه ابن الحكاية والطبيعة أيضاً، أراد في لحظة صادمة أن يحضر رجليين آليين إلى منصة العرض، فهو صادم دائماً ومتجدد أيضاً، استخدم الأضواء والإبهار، لكنه في عرض عام 1999، وبعد أن وقفت العارضة على خشبة العرض  بثوبها الأبيض، جعل الروباتات ترشها بالأصباغ، إنه جنون الخيال والعرض معاً. دخل ماكوين عالم الجينز مبتكراً الخصر المنخفض للبنطلونات، والتي  سجلت حضوراً وانتشاراً قوياً، بين الجنسين.

عام 1996 انطلق ماكوين فى سماء الموضة والأزياء ليؤسس بيت أازياء خاص به  كشريك مع دار جفنشي الفرنسية، وفي عام 2000 تعاقد ماكوين مع غوتشي التى اشترت نسبة 51% من أاسهم داره، وقد رأى حينها أن غوتشي مهمة لإبداعاته.

ولأن وراء أي رجل عظيم امرأة، يقال إن إيزابيلا بلو مديرة الموضة فى مجلة "تاتلر" ساعدته لكي يحلق نحو العالمية، بعد أن شاهدت مجموعته الأولى وما تتميز به من خصوصية. ساهم ماكوين في إنعاش الأزياء في لندن، بعد فترة الكساد التي عاشتها هذه المدينة، وقد اتسمت عروضه بالتغريب المسرحي والإبهاروربما التجديد بالمؤثرات المسرحية أثناء العرض، فقد استخدم أقفاص الطيور والفراشا، والريش والأجنحة، والأحذية ذات الكعب العالي جداً، وكأنه  حنين العودة إلى الطبيعة بكل ما فيها من كائنات وورد، وهو ما دفعه لتقديم مجموعة مستوحاة من الأعشاب والورود المهددة بالإنقراض، وبرزت في عروضه الكثير من القطع الخاصة ومنها، قبعة أسماها عش الطائر مرصعة بالكريستال، التي حظيت بإعجاب  المهتمين في عالم الأزياء، وكان الأهم  ظهوره بقرون على مسرح العرض، وضحكته المسرحية الساخرة، التي توحي بأن هذا المصمم يقف خارج السرب دائماً.

تصاميمه في المتاحف

 وبعد موته العاصف، عرضت أشهر  تصاميمه في متحف "فيكتوريا وألبرت"، في لندن ، والتي شملت أكثر من 100 قطعة من تصاميمه في عرض حمل اسم "الجمال المتوحش"، الذي تميز بالثوب المصنوع من ريش النعام والمصبوغ والملون يدوياً وقد حضره نجوم الموضة والفن، والمهتمين، وقد قالت عنه، سارة برتون المديرة الإبداعية في دار ستيف ماكوين للأزياء: "الجمال المتوحش احتفال بأكثر المصممين خيالاً وموهبة في عصرنا. كان عبقرياً وذا رؤية كان يؤمن بالإبداع والابتكار وكانت موهبته بلا حدود". أيضاً عرضت أعماله في متحف الميتروبوليتان للفنون في نيويورك وذلك عام 2011 أي بعد عام على رحيله، وقدرت ثروته بحوالي 30 مليون دولار.

جنون الحياة والموت

الخروج عن المألوف رسم حياة ألكسندر في كل شيء، فقد كان يسير على مبدأ خالف تعرف، أو على سجيته بعيداً عن أي قيد اجتماعي وهو ما أخذه بلحظة إدمان إلى الانتحار، حيث كانت الضربة الموجعة والصادمة التي جعلت كل وسائل الإعلام تحكي وتحلل بعد أن وجدوه مشنوقاً في منزله في 11 فبراير عام 2010.