هنّ فتيات مفعمات بالأنوثة، لكن أذرعهنّ تلوي أذرع الرجال، ونظراتهنّ تعكسُ فرحاً تبعثه، مرة تلو مرة، لحظات الانتصار الكبيرة بلعبةٍ فيها كثير من الكرامة العربية والتحدي بشرف. هي لعبة «المكاسرة بالأذرع» التي بدأت تنتشر في صفوف الفتيات في لبنان.

هناك من يسميها لعبة «المصارعة باليد». وهناك من يسميها لعبة «المكاسرة» أو «المنازلة» أو «الكباش». تتعددُ التسميات والمعنى واحد: الإمساك بقبضةِ اليدّ قبضة يدّ لاعب آخر وإنزالها وهزمه.

ينظم «الاتحاد اللبناني للكباش» منذ عامين، بطولة الكباش بين النساء بعدما راجت هذه البطولة بين الرجال. والسؤال الأول الذي بادر إلى أذهان الكثيرين والكثيرات: كباش بين النساء؟ والجواب أتى وحده: وهل هناك امرأة أو رجل، فتاة أو فتى، لم يلعبوا الكباش ويضحكوا ويفرحوا؟

بطلتان
بطلتان توجتا في سنتين في لبنان هما: سيرينا أبو صالح (بطلة الكباش في 2018) وجيسي بجاني (بطلة الكباش في 2019). فما قصة هاتين البطلتين؟ وكيف اقتحمتا لعبة تُعدّ في المنظار الشعبي ذكورية جداً؟

البطلة جيسي بجاني (16 سنة) غلبت قبل شهرين البطلة سيرينا أبي صالح (22 سنة) وهي تتمرن ثلاثة أيام في الأسبوع كي تهزم كل من تحاول أن «تُكاسرها». تبدو بهوايتِها الرياضية  قوية جداً، لكن من يغوص في تفاصيلها أكثر يدرك أنها صبية كاملة الأنوثة. تُحب ارتداء الثياب العصرية. تحب الشعر الطويل. وتحب الأظفار الجميلة لكنها تُبقي عليها قصيرة كي لا تؤذي من تلعب ضدها.

ماذا عن البطلة الجميلة الأخرى سيرينا؟ تجيب: «لم أفكّر لحظة أن أصبح بطلة لعبة الكباش. كنت ألعب هذه اللعبة كما يلعبها الجميع وأضحك. وحين تأسس الاتحاد اللبناني للكباش، كنت حكماً فيه بين اللاعبين الرجال. حفظتُ كلّ قواعد اللعبة وأحببتها. وبدأت أدرب نفسي على تقنياتها. ويوم نظمت بطولة للنساء شاركت بها وربحت بسهولة. وفوزي كان متوقعاً لأن نوعية منافسة الصبايا لي كانت ضعيفة. استمررتُ لاحقاً في التمرين، ثلاث مرات أسبوعياً، وشاركتُ في مباريات عالمية وفزتُ بها كلها».

ذكاء
هناك ما لا يعرفه كثيرون وهو أن لعبة «المكاسرة بالأذرع» ليست في حاجة إلى قوة قصوى بقدر ما هي في حاجة إلى ذكاء ومعرفة بالتقنيات الأساسية. رئيس «الاتحاد اللبناني للكباش» كريم عنداري (مؤسس بطولة الكباش العربية أيضاً) يقول: «هذه اللعبة تحتاج إلى تكتيك وتقنيات وتمارين خصوصية وأهميتها أنها لا تتطلب تجهيزات وأدوات، والكلّ قام بها مرة على الأقل في حياته، ولو على طريق المزاح، وهي معيار مثالي للقوة، حيث لا سلاح ولا أدوات تؤذي بل مجرد ذراعين. ولعلّ الأهم من كل هذا أن هذه اللعبة تملك هوية عربية، مارسها الأجداد من زمان، وفيها كثير من الكرامة العربية».

أدرينالين أكثر
«أقوى ذراع عربية»، هي البطولة المقبلة التي سيُنظمها الاتحاد في 2020، وحينها ستتبارى نساء من كل العالم العربي في لعبةٍ ستزيد نسبة الأدرينالين كثيراً في قلوب الكثيرات. سيرينا أبو صالح لا تنسى لحظات الفوز وتشرح: «هناك نساء يُهزمن في ثوانٍ وهناك من يحتجن ليربحن أو يخسرن إلى دقائق، وفي هذه الدقائق يكون كل التركيز على الطاولة، حيث الأذرع معقودة، ولحظة الانتصار رائعة. وكلّ مرة تصبح أجمل وأجمل».

الكابتن جيهان
من منا لا يذكر الكابتن جيهان، المرأة المصرية التي ذاع صيتها على مدى عقدين في لعبة «الكباش»، والتي لقّبها الأميركيون بالكاسحة «البولــــــــــــدوزر» جـــــــراء انتصاراتها المتعددة. ونتذكر عشرات سواها في الغرب ممن رسمن خطاً عمودياً مستقيماً للمرأة في لعبة الرجال. لا شيء صعباً على النساء.