تُعد الفنانة القديرة صفية العمري إحدى جواهر الفن العربي، وكونها تُدرك أن للفن رسالة وهدفاً نبيلاً، كان هذا الصراط هو الذي سارت على دربه منذ أن اكتشفها المنتج الراحل رمسيس نجيب، في فيلمه «العذاب فوق شفاه تبتسم».  بخلاف عملها الفني، لها دور لا يقل أهمية في مجال خدمة المجتمع، من خلال موقعها «سفيرة النوايا الحسنة» في الأمم المتحدة، وكُرّمت مؤخراً من قبل «اتحاد السفراء العرب» عن جهودها في خدمة المجتمع، وها هي تتحدث عن غيابها وعودتها الفنية وكتابة مذكراتها.

• كُرّمت مؤخراً من «اتحاد سفراء العرب»، وسبقته تكريمات كثيرة. ماذا يعني لك التكريم؟
أعتبر التكريم كلمة شُكر على ما يبذله الإنسان في مجال الخدمة العامة، وهذه التكريمات تُسعدني أكثر من التكريمات الفنية وشهادات التقدير، لأنها نوع من التقدير عن دور ليس فنّياً بل إنسانياً قدّمته في خدمة المجتمع.

• وما أكثر تكريم تعتزين به؟
كل التكريمات أعتز بها، لأنها تقدير لمشواري الفني، ولأني لم أمتهن الفن موضوعاً للتسلية أو لفت نظر الناس. وتكريمي الأخير جاء من قبل أشخاص لا أعرفهم، لكنهم كانوا مُتابعين لمشواري وراصدين ما قدمته منذ أن عُيّنت «سفيرة النوايا الحسنة» في منظمة الأمم المتحدة، وحتى الآن عندما وصلت إلى «سفيرة السلام العالمي والتنمية»، وأفتخر بأن مشواري كله فيه كفاح.

امتناع وليس انعزال

• أين أنت من الشاشة؟ هل اعتزلت، منعزلة، أم معزولة؟
لا أبداً، أنا لست معتزلة ولا معزولة ولا مبتعدة، ولكن أنا «اللي بأمتنع» عن الأدوار المسفة، فتاريخي الفني والشخصي لا يسمحان لي بتقديم أدوار لا تليق أو تتناسب مع الأدوار السابقة التي شاهدها الجمهور، لدرجة أنه حتى الآن عندما أسافر إلى أي بلد يعزفون لي لحن مسلسل «ليالي الحلمية»، وينادون عليّ باسم شخصية «نازك هانم» التي جسّدتها في المسلسل، وهذا يدل على أن الشخصية محفورة في وجدان وأذهان الناس.. الأمر نفسه بالنسبة إلى أدواري في السينما، بالتالي مستحيل أن أقدّم أي دور يُعرض عليّ أقل مما قدمته من قبل، لمجرد أن أكون موجودة أو بسبب الفلوس فقط، ولا يمكن أن أضيّع تاريخي الفني السابق بعمل غامض أو هابط.

• إذاً ما رأيك في مستوى ما يُقدم من أعمال فنية على الشاشة؟
بالنسبة إلى الدراما التلفزيونية لستُ سعيدة بما يُقدّم من خلالها، إلا بعض الأعمال البسيطة، مثل مسلسل «جراند أوتيل» و«رحيم»، ولكنهما مسلسل أو اثنان فقط وسط 15 عملاً أو أكثر، وحتى على المستوى العالمي نسبة الأعمال الجيدة قليلة جداً، وبالنسبة إلى السينما ظهر شباب جُدد عندهم رؤية وفكر مختلفان، وأحدثوا فارقاً، ولكن بنسبة قليلة جداً أيضاً. وللأسف، حتى الأفلام الجادة المحترمة تجدها غير جماهيرية، ومختلفة عن مواصفات الأفلام الجماهيرية المعتادة، وهي راقصة ومطرب وبنت وولد «بيحبوا بعض» من أجل الجذب الجماهيري. وأنا أقرأ حالياً عملين.

• وهل العملان سينما أم تلفزيون؟
الاثنان، لكني لم أقرر أي شيء حتى الانتهاء من قراءة آخر ورقة في السيناريو.

غياب الكبار

• عندما نرى النجوم الكبار أمثالك وأمثال سميحة أيوب، حسين فهمي، يوسف شعبان، أحمد خليل، سهير المرشدي وغيرهم، غائبين عن الشاشة.. فهل تكون المشكلة في الإنتاج أم السيناريو؟
هناك نجوم كبار كثيرون لا يعملون، من الممكن أن تكون المشكلة في جهات الإنتاج والمخرجين يستسهلون «ومش عايزين يتعبوا نفسهم»، ودائماً أقول إنهم يعتمدون على «المعلبات»، فإذا نجح فنان ما في أداء دور الطبيب تجدهم يحرقونه من تكرار الشخصية، أو فنانة نجحت في دور البريئة أو «الطرشة» يأتون بها، لا يريد المخرج أن يتعب مع فنان، وهنا أذكر على سبيل المثال المخرج يوسف شاهين، عندما قدمني في فيلمين من أعماله هما: «المهاجر» و«المصير»، كان دوري فيهما مختلفاً تماماً عن أدواري السابقة، وهنا دور المخرج الذي يجب أن يغيّر من جلد الممثل.

يوسف شاهين

 • بمناسبة الحديث عن الراحل يوسف شاهين، يُقال دائماً إنه كان يفرض أسلوبه كمخرج على الممثل أمامه.. فهل حدث ذلك في الفيلمين اللذيْن شاركت فيهما معه؟
إطلاقاً. فهو كان يعتمد على التعبير من خلال عيون الممثل، ودائماً كان يوجّه الفنان ويقول له عبّر عن الجملة والمعنى بعينيك قبل أن تلفظها، وكان سلساً وحبّوباً جداً وصديقاً رائعاً، وكان إنساناً بمعنى الكلمة، وكواليس أفلامه كانت رائعة جداً.

• الجزء الأخير من «ليالي الحلمية» الذي شاركت فيه هُوجم كثيراً.. فهل أخطأت الاختيار وندمت بعد النجاح السابق؟ أم كانت لك حسابات أخرى؟
تقدر تقول إنه «انْضحَك عليّ» وخُدعت في هذا الجزء. ويكفي القول إنه أصابتني حالة نفسية سيئة جداً وأنا أصور هذا العمل، وأصبتُ باكتئاب، لدرجة أن أحبالي الصوتية تعبت جداً، بالتالي هذا العمل أثّر فيّ نفسياً من الجوانب كافة.

حب الفلوس

• بعين النجمة القديرة، ما ملاحظاتك على الجيل الجديد من النجوم؟ وهل مفهوم النجومية اختلفت عن عصركم؟
طبعاً اختلفت معايير النجومية عن عصرنا، فكل فنان بادئ بدور صغير يريد أن يصبح نجماً بسرعة، هناك استعجال من قبل الجيل الجديد، وفعلاً هم جيل مُتعجّل وهذا لا يجوز، ولا بد أن يتعب هذا الجيل ويصعد سلّم النجومية درجة درجة حتى يصل إلى القمة، لا أحد اليوم يريد أن يتعب، واحترام الكبير غائب عنهم، ولا يوجد احترام للمواعيد، وأنا هنا أتحدث عن الأشخاص الذين عملت معهم.. فأجد أنهم لا يريدون أن يتعبوا مثلما تعبنا نحن وحتى حب الفن لديهم مختلف عنّا، فنحن كنا نحب الفن للفن، أما هم فحب «الفلوس» أكبر لديهم من حب الفن.

• أعتقد أنك وجيلك لم تحققوا الثروات الطائلة والأجور الفلكية التي يتقاضاها نجوم هذا العصر؟
نعم. كنّا نأخذ «ملاليم» ولم نحقق الملايين أو نتقاضى مثل هذه الأجور العالية، وأذكر أنه عندما كنت أقدم مسلسل «ليالي الحلمية»، وبعدها دخلت مسلسل «هوانم جاردن سيتي»، وبينما كنت أوقّع العقد، وجدت أجري بسيطاً جداً، فدُهشت وسألت عن ذلك؟ فقالوا لي: «هذه غلطتك يا مدام». وسألتهم: كيف؟ فأجابوا «أنني لم أكن أتقدم برفع أجري بعد كل جزء من ليالي الحلمية».

• هل تشعرين بالندم لعدم تفكيرك في الفلوس؟
إطلاقاً. لأن أعمالي الفنية هي ثروتي الحقيقية والباقية، أما الفلوس فتأتي وتذهب، لكنني أعتبر أن أعمالي التي قدمتها هي الأجر الكبير الذي لا أزال أتقاضاه حتى الآن من الجمهور.

«الليلة الكبيرة»

• ألم تقلقي من العمل مع المنتج السبكي في فيلمك الأخير «الليلة الكبيرة»؟
لا لم أقلق، لأن في يدي كانت رواية ومخرج، وشاهدت له من قبل فيلمَي «الفرح» و«كبارية»، وكنت معجبة بفكرة التجربتين السابقتين، وعندما قرأت «الليلة الكبيرة» أعجبت بالقصة والبطولة الجماعية وأهمية كل الأدوار فيه، كما أن دوري كان مختلفاً تماماً عن أدواري السابقة.

• وسط هَوْجَة الهجوم على السبكي، هل ترينه ظالماً أم مظلوماً؟
بصرف النظر عن الأعمال التي يقدمها، أرى أنه كان يعمل في ظروف كانت صناعة السينما المصرية تحتضر، فقدّم أعمالاً بصرف النظر عن مستواها، إلا أنه يكفيه أنه لم يتوقف كما توقف غيره، وقدم وجوهاً فنية في الإخراج والتأليف والتمثيل، هذا الجانب هو ما أنظر إليه وأتوجه إليه بجزيل الشكر، لإصراره على استمرار دوران كاميرات السينما.

• هل من الممكن أن تكتبي مذكراتك، أو نشاهد قصة حياتك على الشاشة؟
لا أرى في حياتي ما يستحق لكتابة مذكرات أو تجسيدها على الشاشة، على الرغم من أن هناك ناشراً وكاتباً طلب مني كتابة مذكراتي، ولم أحسم قراري بعد.

المنتج الفنان

ترى الفنانة صفية العمري، أن المنتج الفنان يجب أن يكون رقم واحد في المعادلة الفنية، موضحة: «المنتج الفنان في السابق، كان يقدم عملاً فنياً رائعاً ونصّاً جيداً، وكان هناك مؤلفون يكتبون للسينما خصّيصاً، لكن المؤلفين الآن يأخذون أعمالاً أجنبية جاهزة إما أن يُمَصّروها وإما أن يغيّروا ملامحها، وللأسف تخرج مشوّهة».