أكثر من 400 قطعة أثرية نادرة تجوب العالم منذ عام 2010، تروي تاريخ المملكة العربية السعودية، وتُعرّف بعُمقها الحضاري وإرثها الثقافي والإنساني عبر العصور، حطت رحالها مؤخراً في متحف «اللوفر أبوظبي»، لتُعرَض بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للصّرح الحضاري، تحت عنوان «طرق التجارة في الجزيرة العربية».


يضم معرض «روائع الآثار السعودية»، الذي يُعتبر المعرض العالمي الثاني في موسم فعاليات «متحف اللوفر - أبوظبي» الثقافية، قطعاً برونزية وفخارية وذهبية، جداريات ومسلات، ومخطوطات، وغيرها من الكنوز التراثية التي يعود تاريخها لآلاف السنين، جرت استعارتها من «المتحف الوطني» في الرياض، ومن قسم الفنون الإسلامية في «متحف اللوفر» باريس، ومن قسم الآثار في جامعة الملك سعود، ومن مكتبة الملك فهد الوطنية.
وفي هذه المناسبة قال صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المملكة العربية السعودية: «يَصبّ تنظيم المعرض في «متحف اللوفر - أبوظبي»، في إطار المقاربة المعتمدة في المملكة، والتي تقوم على إعطاء التاريخ والتراث الأهمية، ضمن قطاع الآثار الذي تأسس قبل أكثر من 50 عاماً، والحرص على التواصل الإنساني بين الشعوب ومدّ الجسور بين الثقافات». ويأخذ المعرض زواره في رحلة تاريخية، يكتشفون خلالها خريطة الطرق التي شقتها القوافل التجارية خلال عبورها الصحراء السعودية بين آسيا وأفريقيا، قبل قرابة أربعة قرون من ميلاد السيّد المسيح (عليه السلام)، ويتعرفون إلى ممالك وحضارات عربية قديمة نشأت هناك وشكلت جسر تواصُل بين الشعوب. ومن يزور المعرض سيفاجأ بغنى هذه الكنوز الأثرية وتنوّعها ودلالاتها الثقافية، التي تؤكد أن أرض المملكة العربية السعودية مهد لحضارات إنسانية توجت بحضارة الإسلام العظيمة.
 

ملوك لحيان

من أبرز المعروضات وأهمها ثلاثة تماثيل يُعتقد أنها ترمز إلى ثلاثة ملوك حكموا «مملكة لحيان» على مدى ثلاثة قرون قبل الميلاد. كان أولئك الملوك من الأهمية بما يكفي ليُشيّدوا لأنفسهم عدداً كبيراً من التماثيل، عُثر على 20 تمثالاً منها حتى الآن في منطقة العلا السعودية. واللافت في هذه التماثيل أحجامها الضخمة التي تفوق الأحجام الطبيعية للإنسان العادي، مما يدل على ثراء تلك المملكة. أضف إلى ذلك، أوجه الشبه الكثيرة التي تحملها في الهيئة، ودقة النحت مع التماثيل الفرعونية التي ترجع إلى العهد البطلمي (333 قبل الميلاد).

قناع الأميرة الذهبي

يُعتبر القناع الذهبي واحداً من أشهر القطع الأثرية المعروضة في المتحف. فقبل سنوات عديدة اكتشف المنقّبون جثمان أميرة صغيرة مرصّعاً بالذهب في قرية ثاج الأثرية الواقعة شرق السعودية، ودلت التنقيبات في القرية التي لا يزال جزء كبير منها مدفوناً تحت الأرض مع السور الضخم الذي يحيط بها، على ازدهار صناعة الذهب والفخار فيها قبل 2000 عام.

باب الكعبة ومفتاحها

يُبرز المعرض دور إنسان شبه الجزيرة العربية في الاقتصاد العالمي عبر العصور، وإسهام ظهور دين الإسلام الحنيف في بناء حضارة عمّت العالم بنورها، ويُعتبر باب الكعبة المشرّفة واحداً من أكثر القطع المعروضة التي تحظى باهتمام الزوار. وهذا الباب كان هدية من السلطان العثماني مراد الرابع، الذي حكم في الربع الثاني من القرن الـ17. الباب فريد من نوعه ولا يوجد مثيل له حتى في إسطنبول، التي كانت فيما مضى عاصمة الدولة العثمانية. وضع هذا الباب المصنوع من الخشب المكسو بأوراق من الفضة المذهبة، كباب للكعبة على مدى قرابة ثلاثة قرون قبل أن يُستبدل في عام 1940، بأمر من ملك السعودية. أما مفتاح باب الكعبة المشرفة، الذي يعود تاريخه للقرن الخامس عشر، فيحمل اسم السلطان المملوكي الناصر فرج، الذي حكم مصر في عام 1399 ميلادي، وذلك بعد وفاة والده، وكان عمره 13 عاماً، والمفتاح عبارة عن مزيج معدني نحاسي مُطعّم بالذهب.

شواهد قبور

يصور أحد شواهد القبور المعروضة محارباً له تقاسيم ويحتزم حمّالة سيف تحيط بالنصف الأعلى من جسمه، وقد عُثر على عشرات منها في منطقة تمتد من جنوبي شبه الجزيرة العربية حتى الأردن. وتدل هذه الشواهد، التي كانت إحدى السمات المتميزة للألفية الرابعة قبل الميلاد، على معتقدات الرعاة الرحّل وممارساتهم الشعائرية عند تنقلهم، وقد بُنيت في معابد مفتوحة لإقامة طقوس جنائزية.

روابط صداقة

للمرة الأولى في تاريخه، يضم معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية» قطعاً أثرية من دولة الإمارات، كدليل روابط الصداقة والتعاون الوطيدة التي تجمع بين دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، إذ تُعرض «لؤلؤة» وجدت في أم القيوين، يرجع تاريخها لعام 5500 - 5300 قبل الميلاد، وحجر مزيّن برسم لجمل عُثر عليه في العين، يعود لأواخر الألفية الثالثة قبل الميلاد، إلى جانب القطع الأثرية السعودية، التي تضم أيضاً رأس تمثال برونزي من القرن الثالث قبل الميلاد، ولوحات محفورة من القرن التاسع، ورأس ومخالب أسد يعود لعام 100 - 200 ميلادي، عُثر عليه في منطقة نجران، وغيرها الكثير.

المعرض في سطور:

• يستضيف «متحف اللوفر أبوظبي» المعرض حتى 19 فبراير 2019.
• يُرافق المعرض برنامج ثقافي يتضمن سلسلة من عروض الأفلام، التي ستقدم كل يوم سبت، بين 5 و26 يناير 2019.
• كان «متحف اللوفر» في باريس محطة المعرض الأولى عام 2010.
• طاف المعرض على أكثر من تسعة بلدان، وكانت له أكثر من 14 محطة عرض، وزاره أكثر من خمسة ملايين شخص.
• يضم المعرض 466 قطعة أثرية، تغطي الفترة التي تمتد من العصر الحجري القديم، منذ عصور ما قبل التاريخ، إلى العصور القديمة السابقة للإسلام، ثم حضارات الممالك العربية المبكرة والوسطى والمتأخرة، مروراً بالفترة الإسلامية والفترة الإسلامية الوسطى، حتى نشأة الدولة السعودية بأطوارها الثلاثة، منذ عام 1744 ميلادي إلى عهد الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة السعودية الحديثة.
• يهدف المعرض إلى إطلاع العالم على العمق الحضاري للجزيرة العربية، وإظهار البُعد الثقافي والتاريخي للمملكة العربية السعودية، فضلاً عن تعزيز التواصل الثقافي بين شعوب العالم.