لم يحدث على مر التاريخ أن ارتبط مصير ملكة ارتباطاً وثيقاً بالمجوهرات بقدر ماري أنطوانيت، فهذه الملكة التي اشتهرت بجمالها وحبها لحياة البذخ والإسراف قتلها «عقد ألماس»، ولم يتبقّ من تلك الأشياء التي أحبتها فوق كل شيء، سوى بعض القطع التي انسَلّت من قبضة الثورة الفرنسية، وتم تناقلها عبر الزمن، وصولاً إلى «مزاد سوذبيز» (Sotheby’s)، الذي عرضها مؤخراً في مدينة دبي.


أحبت ملكة فرنسا، زوجة الملك لويس السادس عشر، المجوهرات وحياة البذخ، وكثيراً ما واجهت المتاعب بسبب ذلك، حتى إن نابليون رجح أن تكون فضيحة «قضية العقد الألماسي» التي شوّهت سمعة الملكة عام 1785، أحد أسباب الثورة الفرنسية التي أدت في النهاية إلى الإطاحة بالنظام الملكي، وإعدام ماري أنطوانيت بالمقصلة.

مؤامرة الفضيحة

عززت الفضيحة كره العامة للملكة، التي اتهمت بأنها لم تكن تُلقي بالاً للأزمة المالية في فرنسا، وأنها منغمسة في الملذات وصرف الأموال، في وقت كان الشعب يعاني البؤس والجوع. وبدأت فصول «قضية العقد الماسي» حين حاول الكاردينال روهان، سفير فيينا في فرنسا، أن يسترضي الملكة بعد خلافات أدت إلى أن تستبعده ماري أنطوانيت من بلاطها، فطلب مساعدة الكونتيسة «لاموت»، التي تبين لاحقاً أنها مخادعة ومحتالة. ادّعت «لاموت» أنها صديقة مقربة للملكة ووعدت الكاردينال روهان بتدبير لقاء ليلي مع الملكة لإقناعها بالعفو عنه، لكن اللقاء تم مع سيدة أخرى ادّعت أنها ماري أنطوانيت، وطمأنته من الغرفة المعتمة التي كانت تجلس فيها بأنه لم يعد مغضوباً عليه.
في ذلك الوقت كان صانعو المجوهرات الملكية Böhmer وBassenge يحاولون بيع عقد باهظ الثمن، يحتوي على ما يقارب الـ650 ألماسة، ويزن نحو 2800 قيراط، عرضوه سابقاً على الملك لويس السادس عشر عام 1782، لكن الملكة رفضته. ناقشت مدام «دي لاموت» المسألة مع الكاردينال الذي وافق على العمل كوسيط لخفض ثمن العقد وشرائه نيابة عن الملكة، على أن تدفعه بالتقسيط على مدى عامين، وفور حصوله عليه قدمه إلى «لاموت»، التي اختفت بسرعة مع المتآمرين معها.
بعد مدة، أرسل الصائغون رسائل عديدة إلى الملكة يطالبونها بالدفع، لكنها لم تكن تعرف شيئاً عن العقد، فطالبت بتفسير من روهان الذي ألقي القبض عليه وحُوكم أمام البرلمان، لكنه وجد بريئاً وانتشرت الفضيحة بين الناس بأن الملكة تحاول التهرب من دفع ثمن العقد .
لاحقاً ألقي القبض على مدام «دي لاموت» والمتواطئين معها وحوكموا وسجنوا، وعلى الرغم من أن الملكة كانت بريئة في هذه القضية، إلا أن سمعتها تشوهت وصدق الناس أسوأ الأمور عنها، وازدادوا كرهاً لها وللعائلة الملكية، وازدادوا إصراراً على الإطاحة بها.

الوجه الآخر

على قدر ما كان الشعب يمقت الملكة ماري أنطوانيت، على قدر ما كانت نساء العائلات الأرستقراطية في أوروبا يعشقن أسلوبها، ويحرصن على اتباع الصيحات التي تطلقها، فخلال سنوات حكمها اهتمت كثيراً بأناقتها وإطلالاتها، حتى إنها كانت تُعتبر المرأة الأكثر أناقة وجمالاً في القرن الثامن عشر.
وبفضل عشقها الكبير للأناقة والفخامة حرصت على اقتناء مجموعة مذهلة من قطع المجوهرات، معظمها فُقد خلال الثورة الفرنسية. أما القطع التي تمكنت ماري أنطوانيت من تهريبها بمساعدة الأصدقاء الموثوق بهم، والتي أعيد بعضها بعد ذلك إلى ابنتها ماري تيريز، فقد تمت إعادة تشكيلها إلى قطع جديدة وأصبح من الصعب تتبّع أثرها، أو أنها أصبحت ملكيّة خاصة لا يمكن إلا لعدد قليل من المحظوظين رؤيتها أو ارتداؤها، غير أن القليل من هذه القطع التي لم تظهر إلى العلن لمدة 200 عام، والتي تعتبر الآن من بين أهم المجموعات الملكية المعروضة في المزادات، وجدت طريقها لمعرض «مزاد سوذبيز» الذي جال بها على أهم مدن العالم ومنها دبي، وسيتم طرحها للبيع في المزاد في جنيف خلال شهر نوفمبر الحالي.