في حياة كل نجم، رجل كان الأقرب إليه، كان خزينة أسراره، كان «صندوقه الأسود». وعلى مدار 15 عاماً كان هاني التهامي مديراً لأعمال جميل راتب. فمن هو هاني؟ وما الأسرار التي يكشفها لـ«زهرة الخليج» عن جميل راتب في «أربيعينيته» (أي بعد مضي 40 يوماً على وفاته)؟
جميل راتب الذي رحل عن عالمنا عن عمر ناهز الـ92 عاماً، بعد تعرضه لمشكلة في الأحبال الصوتية منعته من الأكل والشرب، احتفظ خلال رحلته الطويلة بأسرار كثيرة، سردها إلى رفيقه ومدير أعماله هاني التهامي، وبدوره يفصح هاني عنها حصرياً لأول مرة في حديثه مع «زهرة الخليج».. ونسأله:

متى بدأت بإدارة أعمال الفنان جميل راتب؟
تعرفت إليه عام 2003، أثناء وجوده في فرنسا عن طريق صديق مشترك هو الممثل الفرنسي كلود سيرنيه، في البداية كنت مسؤولاً عن إدارة أعماله في فرنسا نظراً إلى إقامتي هناك، وعام 2012 أصبحت موجوداً معه بشكل دائم في مصر، بعد أن تقدم به العمر.

غداء مع الرئيس

ندخل خزينة أسرار الراحل، فقد حصل على تكريم من مهرجان «ليالي قرطاج السينمائية» في تونس عام 2016، لكن...
(مقاطعاً): عندما عرض عليه التكريم رفضه في بداية الأمر؛ لشعوره بأنه حصل على كل شيء من الحياة، لكنني أقنعته بعد أن فوجئنا وقتها بأن التكريم جاءه من رئاسة الجمهورية التونسية، وكان سعيداً بحب واستقبال الجمهور له.

وهل كنت تعلم أسباب رفض جميل راتب الحصول على الجنسية التونسية؟
بالتأكيد، ففي فترة الستينات ذهب جميل راتب لافتتاح «مسرح الحمامات» في تونس مع الرئيس الحبيب بورقيبة، وعرض وقتها مسرحية «عُطيل» باللغة الفرنسية، وأتذكر أنه حكى لي أن الرئيس بورقيبة كان بصدد حضور 10 دقائق من المسرحية لكنه أكملها حتى النهاية، وفي اليوم التالي دعاه إلى الغداء وعرض عليه الحصول على الجنسية، لكن جميل رفضها نظراً إلى اكتفائه واعتزازه بجنسيته المصرية.

العلاقة مع العائلة

صرح راتب أن عائلته أخذت موقفاً منه فور إعلانه احتراف التمثيل، ومنعوا عنه المصروف. ألم يتحدث معك عن موقف والده بعد نجاحه؟
أتذكر أنه سرد لي موقفاً حدث معه في حضور والده أثناء وجودهما في إحدى الدول برفقة عدد من الدبلوماسيين، وقتها عبّر أحدهم عن سعادته بفنان مصري يدعى جميل راتب، دون علمه بوجود والده، فشعر جميل بالفخر وآمن والده بموهبته، وكانت البداية الحقيقية له.

لماذا لم نرَ أياً من أقارب راتب ظاهراً على الساحة متحدثاً عنه، هل هناك أي مشكلات كانت موجودة بينهم؟
بالعكس، جميع أقاربه على علاقة جيدة به، وكانوا على تواصل دائم معي، وأبلغهم بتطورات حالته الصحية، وقلقوا من سفره الأخير إلى فرنسا، ورفضوه في البداية تخوفاً من حدوث أي شيء، وبعد رحيله قاموا بنشر نعي كبير له في الصحف.

بعيداً عن العائلة، هل كان راتب متابعاً ومهتماً بالأوضاع السياسية؟
 بالتأكيد، وقد شارك في «ثورة 30 يونيو»، وأدلى بصوته في الانتخابات، كما أنه متابع جيد لأخبار فرنسا ورئيسها على التلفزيون بشكل يومي.

الحب والزواج
 
ماذا عن علاقة راتب بطليقته الفنانة الفرنسية مونيك مونتيفيه؟
انفصل عن مونيك منذ نحو 22 عاماً، إلا أن علاقتهما ظلت مستمرة حتى وفاته، وقام بزيارتها العام الماضي في فرنسا لمدة أسبوع، ولمن لا يعرف مونيك، هي فنانة، وعملت منتجة ومديرة لـ«مسرح الشانزلزيه».

وهل كانت «مونيك» حب حياته كما كان يتردد في جلساته مع أصدقائه؟
حب جميل الوحيد كما كان يحكي لي، هي الممثلة الفرنسية «نيكول بيرجيه»، وكان يتمنى أن يتزوجها، لكنها توفيت في حادثة سير قبل أن يصارحها بحبه، وحزن عليها.

من التي عرضت عليه الزواج وهل كانت جادة؟
سيدة إيرانية عرضت عليه الزواج أثناء تكريمه في «مهرجان دبي السينمائي»، وقالت له إنها تمتلك سفينة، لكنه أخذ الموضوع في إطار المزاح بعد أن قال لي: «ليه يا هاني ما تتزوجها أنت؟».

هل ندم راتب على عدم إنجابه أبناء؟
كان يشعر دائماً بالخوف من عدم إنجابه، وكان يقول لي دائماً إنه سعيد بدور «الجد» مع أولادي، وقد سميت ابني الأكبر «جميل»؛ لحبي الشديد للراحل.

ما حقيقة أن راتب رفض العمل في فيلم يجمعه بالممثل الأميركي جورج كلوني؟
بالفعل حدث هذا الأمر عام 2012، وما لا يعلمه أحد أن جميل راتب ندم على هذا القرار؛ لأنه اعتقد وقتها أن مشاركته لجورج كلوني تسيء إلى العرب، وأكتشف أنه كان مخطئاً.

وصية فاتن حمامة

ماذا عن وصية الفنانة فاتن حمامة لراتب؟
أثناء تصوير فيلم «لورانس العرب»، الذي شارك فيه الفنانان عمر الشريف وجميل راتب، أوصت الفنانة فاتن حمامة جميل قائلة له: «خلّي بالك من عمر»، وأتذكر أنه كان يروي لي موقفاً مضحكاً، عندما قام الثنائي، عمر وجميل، بالسفر إلى القدس لتصوير الفيلم، وسافرت إليهما فاتن، وكان الجمهور يتزاحم على فاتن حمامة وعمر الشريف، ولم يتعرفوا إلى جميل راتب، وكان راتب يذكر هذا الموقف ويضحك كثيراً، حتى إنه حينها قال لفاتن: «خُدي بالك انتِ مني».

قيل إن أنتوني كوين من اكتشف راتب في بداية مسيرته؟
كان الراحل يردد دائماً مقولة أنتوني كوين له بأنه سيصبح ممثلاً عظيماً، وقد جمعته ذكريات بأنتوني في كواليس فيلمه «زيارة السيدة العجوز»، وأتذكر حديثه عن الفترة التي كان يصور فيها الفيلم، وكان يعمل مساعد مخرج وقتها، وفي يوم وفاة الرئيس الأميركي «كيندي»، الذي كانت تربطه بأنتوني علاقة صداقة قوية، أخفى جميل الخبر عنه إلى حين الانتهاء من تصوير مشاهده، وعندما قال له الخبر طلب كوين من جميل توصيله بسيارته، وبكى على كتفه بشدة.

لماذا انفعل وغضب جميل بعد مشاهدته إعلان الفنان الراحل أحمد زكي، والذي شارك فيه في رمضان الماضي؟
في الحقيقة أنا الذي أبلغته عن غضبي من حذف جملته ومشاهده في الإعلان والاكتفاء بمشهد واحد، وكتبت عبر صفحتي الخاصة أنني مستاء من هذا الفعل، على الرغم من تصويره الإعلان دون مقابل، تقديراً لشخص أحمد زكي، وكونه عملاً يعود ريعه إلى (مستشفى علاج السرطان)، لكن معاملة إدارة الإعلان لم تكن جيدة على الإطلاق.
 
الأيام الأخيرة

ما حقيقة مرض راتب؟
لم يعانِ الراحل أي مرض حتى شهر يوليو الماضي، بعدها تعرض للبرد، وبدأ يتأثر صوته إلى أن أصبح لا يستطيع الكلام، وكان رد الأطباء سواء في مصر أم فرنسا، أن السبب هو التقدم في العمر والشيخوخة.

وماذا عن أيامه الأخيرة؟
كانت رغبته في أن يموت بمنزله، وكان راضٍ بقضاء الله، ويردد دائماً: «أنا عايز أمشي أروح لأحبابي»، والده ووالدته وأخوته، وكان يردد أسماءهم وينادي عليهم.

على الرغم من السنوات الطويلة التي عاشها راتب في فرنسا، إلا أنه أوصى بدفنه في مصر. لماذا؟
لأن قلبه كان في مصر، وقبل وفاته بيومين كان يسمع أغنية أم كلثوم «أنا الشعب».

في رأيك، لماذا لم يحضر أي فنان عدا محمد صبحي وعزت العلايلي، لتأدية واجب العزاء، وحتى عائلته لم تحضر؟
دعوني أوضح شيئاً، وهو أن العزاء الذي تم للفنان جميل راتب، كان بطلب من نقابة الممثلين، متمثلة في النقيب أشرف زكي، وحضوري كان تقديراً لجميل راتب. لكن حقيقة الأمر، أن الراحل رفض قبل وفاته بثلاثة أيام قيام عزاء له، لذلك احترمت عائلته رغبته ولم تحضر، وبالنسبة إلى الفنانين، كان الجميع حينها في «مهرجان الجونة».

أخيراً، هل ترى أن الوقوف دقيقة حداد على روح جميل راتب في «مهرجان الجونة السينمائي»، أوفته حقه وتاريخه؟
هي فعل جيد، وأكرر أن جميل راتب كان الأهم بالنسبة إليه، الشعور ولمس حب الناس في الشارع.