السينما التونسية حاضرة دائماً في المهرجانات الفنية العربية والدولية، وأحدث مشاركتها جاءت في الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي، وذلك الحضور المتميز لفيلم «ولدي» للمخرج التونسي محمد بن عطية، وهو الفيلم الفائز بجائزة «أفضل ممثل»، التي نالها الفنان محمد ظريف عن دوره في العمل. وفي هذه الدردشة يتحدث محمد بن عطية لـ«زهرة الخليج» عن أفلامه وحال السينما في بلاده.

نلاحظ في الفترة الأخيرة وجود السينما التونسية بقوة في المهرجانات العربية والأجنبية، فما السر في ذلك؟
بالفعل أصبح الحضور لافتاً وفاعلاً في الوقت نفسه، وهذا يمثل مردوداً إيجابياً للفن التونسي بصفة عامة، وأعتقد أن السر وراء ذلك يعود الفضل فيه للثورة التونسية الأخيرة، فقد تغيرت السينما بعدها، بل هناك شيء تغير داخلنا وانكسر حاجز الخوف، ومال صناع الأفلام إلى الصراحة والجرأة في تناول المواضيع، كما تغلبنا على الكثير من المشاكل التي كانت تواجهنا في مرحلتَي كتابة السيناريو والتصوير، إضافة إلى زيادة الإنتاج وفتح الباب أمام المنح والتمويلات الخارجية من دول مهتمة بالسينما مثل فرنسا وبلجيكا. وتونس كانت تنتج ثلاثة أفلام في السنة، ولكن الآن تنتج 16 فيلماً وبجودة عالية، مما يساعد على انتشارها بصورة أفضل عن السابق. وفي هذا الإطار جاءت مشاركة فيلمي الأول «نحبك هادي» في مهرجان برلين السينمائي، ومشاركة فيلمي «الثاني» في مهرجانَي «كان» و«الجونة» السينمائيين.

أجيال مبشرة

في ظل تطور السينما التونسية، ماذا عن الجيل الجديد من السينمائيين؟
هناك أسماء سينمائية مبشرة، أمثال فارس نعناع مخرج «شبابك الجنة»، وليلى بوزيد مخرجة «على حلة عيني» وآخرين، ومن قبل أيضاً كانت هناك أسماء مهمة، مثل الجيلاني السعدي مخرج «عرس الذيب»، ورجاء العماري مخرجة «الستار الأحمر». ومن الناحية الفنية فإن ملامح جيل ما بعد الثورة تتجلى في تقنيات جديدة أكثر ديناميكية في الديكوباج (فن التقطيع)، وفي زوايا التصوير التي أصبحت أكثر حركية.

ماذا عن حصول فيلمك «ولدي» على جائزة في «مهرجان الجونة»؟
سعيد بهذا، وسبق للفيلم أن عرض في قسم «نصف شهر المخرجين» في مهرجان كان السينمائي في دورته الـ71، والفيلم يتناول أسرة متوسطة الحال في تونس، رابطاً بين حياة أفرادها والتغييرات السياسية التي طرأت على المنطقة العربية، وذلك من خلال والدين «رياض ونزلي»، ينشغلان بمستقبل ابنهما الوحيد «سامي»، الذي يستعد لأداء اختبارات المدرسة الثانوية، وتسببت هجمات الصداع النصفي التي يتعرض لها الشاب في قلق والديه، وعندما يتعافى منها يختفي فجأة لينضم إلى جماعة جهادية.

قصة حب

ماذا عن مقارنة البعض بين فيلمك الثاني «ولدي»، وفيلمك الأول «نحبك هادي»؟
لقد فضل البعض فيلم «نحبك هادي» أكثر من «ولدي»، وذلك لأنه أسهل في الفهم، ويتضمن قصة حب تداعب المشاعر وتخلق حالة من الرومانسية. وتلامسني دائماً المواضيع التي تبدو بسيطة، التي تتناول واقع الحياة اليومية والتفاصيل الصغيرة. كما أحب تقديم أفلام عن العائلة التونسية لأني منها وأعرفها جيداً، وأحب الحديث عن الأشخاص وما يمرون به في حياتهم اليومية. وصحيح أن فيلم «ولدي» تدور أحداثه في قالب عائلي، لكن محوره الأساسي يدور حول مفهوم السعادة، فالأب إنسان بسيط كانت حياته مربوطة بأشياء تافهة، مثل العمل والعائلة، ثم يبدأ بمراجعة اختياراته التي اتخذها في الماضي بعد المرور بشيئين، الأول تقاعده من الوظيفة، ثم هروب ابنه وانضمامه إلى جماعة جهادية. والفيلم لا يسعى إلى تقديم إجابة محددة حول السعادة، وإنما يطرح تساؤلات حول منظومة العائلة والمسؤوليات الواقعة على عاتق أفرادها.

أخيراً، انتقد البعض استغراق فيلم «ولدي» في عرض التفاصيل، من دون تطور الأحداث..
(مقاطعاً) أنا من هؤلاء الذين يعشقون التفاصيل، وهذا اختيار شخصي، لأنني أفضل منح التفاصيل حقها، وعرض كل الأشياء الحياتية العادية المرتبطة بالشخصية وإحساسها. على سبيل المثال، عندما سافر الأب إلى إسطنبول ركزت على انفعالاته وتصرفاته، لأن هذا كان الوقت الوحيد في حياته الذي قضاه بمفرده ليفكر في حياته، لكني أتفهم من يميلون إلى الإيقاع السريع للأحداث، وأحاول الموازنة بين الأمرين.