عندما فاز النجم ليوناردو دي كابريو بأوسكار أفضل ممثل في 2016، استغل خطاب الفوز ليوجه رسالة إلى شعوب وقادة العالم بشأن التغير المناخي، إذ قال بأن هذا التهديد حقيقي ويحدث الآن، وعلينا أن نعمل معاً لاحتوائه وإنقاذ مستقبل البشرية، واختتم كلمته قائلاً: «دعونا لا نأخذ هذا الكوكب كأحد المسلّمات البديهية». وهذه العبارة الأخيرة ترسخت في ذهني حتى اللحظة، وظلت تتردد في رأسي كلما شاهدت تقريراً حول الاحتباس الحراري أو خبراً عن انعقاد المؤتمر المناخي، فنحن فعلاً نأخذ كوكبنا كأحد المسلّمات البديهية، وهذا ما يجعلنا نتراخى في اتخاذ إجراء حازم بشأنه، مطمئنين أن الأرض كانت لنا منذ الأزل وستظل لنا إلى الأبد، ولسان حال الواحد منا يقول: ما الفرق الذي سأصنعه لوحدي بين ثمانية مليار آخرين؟ فتمرّ ببرود على أخبار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وذوبان الجليد وحرائق الغابات، وترشف ما تبقى من عصيرك قبل أن تلقي بعبوة البلاستيك في البحر، حيث لن تتحلل إلا بعد آلاف السنين، إلا لو غص بها حوت كان يسبح في حال سبيله، لتجرف الأمواج لاحقاً جثته إلى الشاطئ.

صرخة في وجه اللامبالاة

فيلم First Reformed يصرخ في وجه اللامبالاة البشرية، إذ يرينا أولاً آثار إهمالنا ثم يهزنا ويصفعنا، لكنه يفعل كل ذلك بهدوء وأناة، عبر أخذنا في رحلة محفوفة بالشك والغموض والأسئلة الكبرى، ليزودنا بالوعي الذي يجعلنا ننتفض من الداخل، ونشعر بالنقمة على حالنا، ونحاول تدارك الوضع قبل فوات الأوان. ترتكز أحداث الفيلم على شخصية الكاهن (تولر) الذي يعيش وحيداً ويلقي مواعظه في كنيسة عتيقة في البلدة، حيث تقتحم الإثارة حياته الرتيبة بعد أن تطلب منه إحدى السيدات بأن يتحدث مع زوجها - الناشط البيئي - ليقنعه بعدم إجهاض طفلهما، فيكتشف أن هذا الناشط ناقم على العالم بحكوماته ومؤسساته ومصانعه التي تلوث الأرض، ويحمل نظرة تشاؤمية تجاه مستقبل الكوكب مما يدفعه إلى رفض إنجاب طفل في هذا الخراب، لتتصاعد بعدها الأحداث تصاعداً غير متوقع، ويخوض الكاهن أزمات أخلاقية وإيمانية، متأثراً بأفكار ذلك الزوج الغاضب، ومستنيراً بإدراكه الذي يتنامى شيئاً فشيئاً عبر كتابة مذكراته اليومية.
أجواء الفيلم هادئة في الظاهر، لكنها صاخبة في الداخل بالشكوك واليأس والصراعات النفسية والتوتر الذي يسود المشاهد الصامتة، إذ تشعر بأن انفجاراً عظيماً قد يحدث في أي لحظة. البطل (إيثان هوك) قدم واحداً من أفضل الأداءات في مسيرته إن لم يكن الأفضل، ونجح بإبهاري مرتين في شهر واحد، بدوره في هذا الفيلم وفيلم Juliet, Naked. في الفيلم ثمة مشهد من ثلاث إلى أربع دقائق تقريباً منحني نشوة عارمة، وحلّق بي في أجواء من السحر والمتعة البصرية، ولو دفعت ثمن تذكرة أخرى للفيلم نفسه فستكون لأجل إعادة الاستمتاع بهذا المشهد على الشاشة الكبيرة، وستعرفونه حين ترونه!

مواقف

إن كنت ستتبنى موقفاً داعماً للبيئة، فهل أنت مستعد للتفاني في موقفك حتى النهاية؟ هل سيصل بك الإخلاص لقضيتك إلى حد رفض الإنجاب لأن طفلك «سيصدر 515 طناً من الكربون طوال حياته، وهو ما يكفي لتعبئة 40 شاحنة»؟ كما تقول إحدى شخصيات مسلسل Utopia. ما يخصني، فما زلت أرى أن أفضل طريقة لتربية أبنائي هي ألا أنجبهم. لكن ماذا عن الكتب التي قد أؤلفها يوماً ما؟ ألن أكون مساهماً في قطع الأشجار في غابة ما، باعتبار أنني أكره نسخ الـpdf؟ ماذا عن هذه المساحة في المجلة؟ لا أجلد ذاتي هنا، بل أود الوصول إلى حقيقة أنه من العسير أن نتطرف إلى هذا الحد في قضية ما، وأضعف الإيمان أن نسدد ونقارب، فإن كنت قد استهلكت ورقتين من شجرة ما، فهأنذا أكتب عليهما مقالاً عن فيلم ينتصر للأرض والبيئة، لكيلا تذهب التضحية سدى، وترقد تلك الشجرة بسلام.