في التحفة السينمائية الشهيرة Sunset Blvd، التي قدمها المخرج العظيم بيلي وايلدر عام 1950، حول حكاية نجمة أفلام صامتة تنحسر عنها النجومية ويبهت اسمها ويكاد ينساها الجمهور، مع مجيء الأفلام الناطقة تستعين بكاتب سيناريو والذي يؤدي دوره النجم ويليام هولدن، يروي يومياته في منزل النجمة السابقة «نورما ديزموند»، والتي أدت شخصيتها ببراعة الممثلة جلوريا سوانسون، وترشحت من خلالها لأوسكار أفضل ممثلة رئيسية، حيث يذكر الكاتب المستأجر قائلاً عن حياتها حينما تستضيف أصدقاءها للعب الورق: «الآخرون حول المنضدة كانوا أصدقاءها من الممثلين، بعض الأوجه الخافتة التي قد تتذكرها من أيام الأفلام الصامتة، كنت أظن أنهم كتماثيل من الشمع».

مفارقة حقيقية

المفارقة في هذا الفيلم أن الممثلين المشاركين، هم بالفعل يعيشون حالة الفيلم ذاته وموضوعه، فهم نجوم من الأفلام الصامتة لم يعد لهم ذكر في سنواتهم الأخيرة بعد ازدهار الأفلام الناطقة وسيادتها، لكن أهم تلك الأسماء الحاضرة بدورها الصغير جداً في الفيلم حول المنضدة، والتي تعكس أيضاً حالة النجم الباهت، هو نجم الكوميديا الصامتة وعبقريها وأيقونة المشاهد الخطرة الأميركي باستر كيتون، والذي كان يعيش حينها عزلة كبيرة ولم يكد يظهر في أي فيلم مهم سوى هذا الفيلم بدوره الصغير، ثم دوره الطريف والصغير أيضاً حينما استعان به شارلي شابلن في فيلمه الرائع Limelight عام 1952، لكن ما قبل هذا في عهد السينما الصامتة ومنذ عشريناتها لا يمكن أن تنظر إلى باستر كيتون إلا كأحد قممها وأهم نجومها.

الوجه الحجري

حيث عمل باستر كيتون (الملقب بالوجه الحجري العظيم) بين عامي 1920 و1929 كمخرج وممثل وكاتب ومنتج من دون انقطاع، ليقدم مجموعة هائلة من التحف الصامتة ما بين (12) فيلماً طويلاً و(19) قصيراً، هي بالطبع ضمن أهم الأعمال من ذلك العقد العشريني، وعام 1923 وبعد أن أخرج (19) فيلماً قصيراً، تحول كيتون إلى إخراج الأفلام الطويلة وأولها كان Three Ages والذي يحكي ثلاث قصص من ثلاثة أزمنة مختلفة (العصر الحجري، الروماني، الحديث) عن الحب الذي لم تختلف طبيعته مع مرور الأزمنة، لكن السبب الرئيسي لتقسيم الفيلم على ثلاثة أجزاء، هو الخوف من الفشل التجاري، باعتبار أن نجاح كيتون كان قد اشتهر من خلال الأفلام القصيرة فقط ولم يسبق له إنتاج عمل طويل، فجاء هذا الاحتياط فيما لو فشل الفيلم فإنه يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء وعرضها كثلاثة أفلام قصيرة منفصلة.

ثلاث حكايات

عام 1924 أخرج كيتون اثنين من أهم الأعمال التي قدمها في تاريخه، الأول هو Sherlock Jr، حيث يعمل كمشغل أفلام في صالة عرض، لكن النوم يغلبه، فنرى كيف تخرج روحه من جسده وتتداخل مشاكل حياته الخاصة مع الفيلم المعروض أمام المشاهدين في أحد أروع مشاهد الأحلام في تاريخ السينما. فيلمه الثاني في السنة نفسها، هو The Navigator والذي صرف فيه 25000$ لشراء السفينة التي تدور على متنها أحداث الفيلم، وهذا ما أغضب أصحاب الاستوديو كثيراً بسبب هذه التكلفة الباهظة وقتها، لكن النجاح الذي حققه الفيلم، دفعهم من جديد لصرف المبلغ نفسه لشراء حقوق مسرحية من الدرجة الثالثة، والتي حولها كيتون إلى تحفته الشهيرة المميزة Seven Chances، والذي تدور قصته حول شاب يشارف على الإفلاس في عمله، لكن ما ينقذه بشكل مفاجئ هو وصية من جده المتوفى، بتوريثه سبعة ملايين دولار، بشرط أن يكون متزوجاً قبل الساعة السابعة في يوم ميلاده السابع والعشرين، ومنها إلى رائعة أخرى من روائع أفلامه وتحفته الأشهر باختيار أغلب النقاد ومحبيه وهي فيلم The General عام 1926، حيث تدور أحداث الفيلم إبان الحرب الأهلية الأميركية عام 1862. والحقيقة أن الفيلم لاقى فشلاً نقدياً وتجارياً حين عرضه، ووصفه نقاد ذاك الزمن بأنه ممل ومخيب للآمال، كما لم يلق إقبالاً جماهيرياً، حيث حقق أرباحاً ضئيلة مقارنة بميزانيته العالية (يذكر أن الفيلم يحتوي على أغلى مشهد تم تصويره في تلك الفترة، عندما دمر كيتون قطاراً في أحد مشاهد الفيلم).

خسر استقلاليته

كل هذا أدى إلى خسارة كيتون لاستقلاليته كصانع أفلام، وأجبر لاحقاً على توقيع عقد مقيد مع MGM، مما أدى إلى تدني مستوى أفلامه اللاحقة نسبياً.
في نهاية العشرينات وصل كيتون إلى المرحلة الأسوأ في حياته والتي امتدت حتى وفاته، حينما يقف مع مجموعة من النجوم المبدعين فترة السينما الصامتة وقد انحسرت عنهم الأضواء، ولم يتمكنوا من مجاراة التغير الكبير في السينما بدخول الصوت والتحول لإنتاج الأفلام الناطقة.