يجب أن نعرف أولاً، أن السينما بدأت كفيلم قصير تحت وقع الظروف التقنية حينها، وعدم القدرة على تصوير أفلام طويلة، والتي كانت تستلزم العديد من بكرات شرائط السيلولويد، وهو ما كان يصعب توفيره في ذلك الوقت، كون السينما في بداياتها كانت فناً جديداً يلتمس خطواته الأولى ليكون هويته الخاصة، ولذا فلم يكن هناك أنموذج مثالي لطريقة السرد أو التصوير وكان الجميع في مضمار التجربة.
حالياً يقف الفيلم القصير خلف شهرة الفيلم الطويل، ولم يعد مربحاً على مستوى التجارة، لكنه ما زال يحظى بالكثير من الاهتمام، حيث لا يخلو مهرجان شهير للأفلام الطويلة من مسابقة الأفلام القصيرة، مثل مهرجانات كان وبرلين وفينيسيا، بالإضافة إلى تخصيص مهرجانات شهيرة ومهمة للأفلام القصيرة فقط، من أهمها مهرجان كليرمون فيران في فرنسا، كما وأنه لا يزال الفيلم القصير هو محطة البداية والتجارب لعدد من المخرجين إن لم يكن كلهم قبل بدايتهم في إخراج أفلامهم الطويلة، بل إن الكثير منهم يعود من جديد بين الفترة والأخرى ليقدم فيلماً قصيراً.

مفهوم الفيلم القصير

كما يمكن الإشارة إلى أن مفهوم الفيلم القصير لم يستقر تماماً واختلفت تعاريفه بين فترة وأخرى، ففي الثلاثينات مثلاً، نصت لائحة الأفلام السينمائية في إنجلترا على تعريف الفيلم القصير، بأنه الفيلم الذي يقل طوله عن 3000 قدم أي 33 دقيقة تقريباً، بينما في الستينات يعرف المركز الوطني للتصوير السينمائي في فرنسا الفيلم القصير بأنه «فيلم سينمائي لا يتعدى 600 متر في شكل 35 مم» ومدته حوالي 59 دقيقة، وكان الموقع السنيمائي الشهير IMDB يشير للفيلم القصير بما قلت مدته عن 45 دقيقة.
لكن ما يمكن ملاحظته حالياً أن التعريف الفرنسي للفيلم القصير بأقل من ساعة، يبدو هو الأكثر رواجاً. وحين العودة لبدايات السينما منذ عام 1895، كان الاعتماد الفعلي على الأفلام القصيرة، وحتى مجيء الأفلام الطويلة كانت الأفلام القصيرة تقدم في بداية العرض، لكن الانطلاقة الأولى للأفلام الطويلة كما يشير المؤرخون، والتي غيرت الكثير فيما بعد جاءت عام 1911، حيث بدأ حينها الفيلم الروائي الطويل واكتسب شعبية مهمة، بعد أن تم عرض فيلمين أوروبيين هما الإيطاليان الصامتان «الصليبيون/‏ The Crusaders» لانريكو غوازوني و«جحيم دانتي/‏ Dante's Inferno» لثلاثة من المخرجين، والمسجلين على أكثر من أربع بكرات خلافاً للسابق حين كان الفيلم لا يتجاوز بكرتين.

أول خطوة

ولكنه بحسب المؤرخ دافيد كوك، فإن الفيلم الفرنسي «الملكة إليزابيث /‏ Queen Elizabeth» عام 1912 والذي يبلغ طوله ثلاث بكرات ونصف، كان هو الفيلم الفعلي الذي حقق نجاحاً كبيراً وأقنع رجال صناعة السينما الأميركيين بجدوى الأفلام الروائية الطويلة وهو أشبه بمسرحية مصورة من إخراج «ميركانتون وديسفونتاينيس» وبطولة الممثلة المسرحية الشهيرة حينها سارة برناردت.
ثم جاء مرة أخرى الإيطالي أنريكو غوازوني بفيلمه الطويل «كو فاديس /‏ Quo Vadis» ببكراته التسع، التي يزيد عرضها على ساعتين ومشاهده الضخمة ومؤثراته الخاصة المبهرة ذلك الوقت، وانجذاب الجمهور الكبير له، ليقطع الشك تماماً بأهمية التوجه لإنتاج الأفلام الروائية الطويلة عند صناع السينما الأميركية، على الرغم من ارتفاع تكلفة إنتاجها وصعوبة توزيعها علماً بأن مردودها المادي كما لاحظ المنتجون وأصحاب دور العرض يستحق كل هذا العناء والتكلفة.

قاعدة غير مسبوقة

والطريف أن هذا الفيلم الإيطالي الناجح «كو فاديس» كان سبباً في تأسيس قاعدة مهمة غير مسبوقة من المشاهدين، وهم أصحاب الثراء والثقافة بسبب اقتصار عرضه على دور العرض الفاخرة، كما أن نجاح هذا الفيلم كان سبباً في أن تضع إيطاليا يدها على سوق السينما العالمية حتى بداية الحرب العالمية الأولى. ثم عام 1914 كان هناك فيلم تاريخي آخر من اثني عشرة بكرة حقق نجاحاً تجارياً كبيراً هو الآخر، وهو فيلم «كابيريا /‏ Cabiria» من إخراج جوفاني باستروني.
من جانب آخر فإن التوجه لمرحلة الأفلام الطويلة كما يقول دافيد كوك، كان سبباً في أن تصبح السينما فناً محترماً من وجهة نظر الطبقة المتوسطة، لأنها استطاعت أن تقدم شكلاً فنياً لذلك الذي يقدمه المسرح التقليدي.