بعد مسيرة حافلة بالعطاء الفني والثقافي أسدل الموت الأسبوع الماضي ستاره على رحلة أحد أبرز أعلام الفن المصري وعلاماته، الفنان جميل راتب، الممثل المبدع والرجل الفريد الذي ولد عام 1926 فيما ظلت المعلومات متضاربة عن أصل والدته، هل هي فرنسية أم مصرية؟

وجمع جميل توليفة من المتناقضات في سيرته ومسيرته، فهو اليساري ابن الذوات والطبقة الأرستقراطية، الصعيدي الذي حمل الثقافة الفرنسية، جمع ثلاثة أديان في أسرته هي الإسلام، والمسيحية، واليهودية، ولد مسلماً، وتزوج مسيحية، ولديه خال مسلم، والدة بناته الثلاث يهودية، ثم تزوجت البنات الثلاث من مسيحيين. وكانت عائلته تتحدث باللغتين الفرنسية والعربية.

أسرة مستنيرة

لا تنتهي دهشة الحديث عن نشأة هذا الفنان المثقف إلا عندما نقرأ ما جاء في نعيه، فهو سليل أسرة معروفة بالنضال السياسي في ثورة 1919، فوالده محمد بك راتب، وجده محمد باشا سلطان، وخالته السيدة هدى شعراوي رائدة الحركة النسائية في مصر، ومن هذه البيئة المستنيرة المثقفة جاء إيمانه بالأفكار الاشتراكية، فانضم إلى منبر اليسار في مصر مشاركاً في تأسيس حزب التجمع اليساري التقدمي، وكذلك أصبح عضواً في لجنة مناهضة التعذيب.

بداية عالمية

قضى جميل راتب مسيرته الفنية بين مصر وفرنسا، إذ بدأ التمثيل منذ صغره في مرحلة الدراسة، ليسافر بعدها إلى فرنسا ويبدأ رحلته هناك، أما أولى مشاركاته السينمائية كانت في فيلم «أنا الشرق» عام 1946، الذي شاركته البطولة فيه الممثلة الفرنسية كلود جودار.

ضد النسيان

عاد جميل راتب إلى مصر عام 1974، ولا تنسى شاشة السينما أو التلفزيون ملامحه البريئة الطيبة والمعقدة والشريرة في آن واحد، فقد بصم جميل راتب بتلك الملامح شخصياته التي جسدها في وعي مشاهديه في مصر والعالم العربي. كما لن تغيب عن ذاكرة الجمهور ابتسامته المتهكمة الساخرة التي تنقل تعقيد العالم وصراع الخير والشر، ولا دوره في فيلم «الصعود إلى الهاوية» وأداؤه لدور أدمون، رجل الموساد الإسرائيلي الذي جند الطالبة المصرية «عبلة»، وستظل أعمال ناجحة مثل «البريء» و«البداية» و«طيور الظلام» و«الكيف» ومسلسلات «زينب والعرش» و«رحلة المليون» و«زيزينيا» و«يوميات ونيس» خالدة في تاريخ الفن.

المشهد الأخير

ودّعنا راتب بعد صراع مع المرض عن 92 عاماً. وراتب الذي يُعد فناناً من طراز مختلف، في رصيده أكثر من 40 فيلماً و50 مسلسلاً، وكان آخر ظهور سينمائي له في فيلمَي «جنينة الأسماك» و«ليلة البيبي دول» عام 2008، كما ظهر في الفيلم الفرنسي
Un nuage dans un verre d'eau، وكان راتب قد أدى صوتياً في فيلم عمر المختار لشخصية الضابط الإيطالي توميللى.