لا يُمكن بأي حال من الأحوال، عند الحديث عن حال الأغنية العربية وتأرجحها فنياً، تجاوز قيمة كبيرة كالموسيقار صلاح الشرنوبي. فالملحن المصري يُعتبر من القلائل الذين نجحوا في تقديم مدرسة جديدة مُعاصرة في فن تلحين الأغنية العربية، تجمع بين شرقية المقامات المستخدمة وإيقاعات العصر الحديث، فذاع صيت «المهندس الميكانيكي» اعتباراً من تسعينات القرن الماضي، بنجاح تعاونه مع الفنانة الراحلة وردة الجزائرية في أغنية «بتونّس بيك»، وما تلاها من نجاحات خلّدها أرشيف الغناء العربي مع وردة ذاتها ونجاة الصغيرة، ميادة الحناوي، جورج وسوف، فضل شاكر، سميرة سعيد، هاني شاكر، راغب علامة، أصالة ولطيفة، حتى إنه من القلائل الذين لحّنوا أغنيات للعملاق وديع الصافي.

وفي غمرة نجاحاته القديمة والمنقوشة في الذاكرة، يقف الشرنوبي اليوم مُتحسّراً على حال الأغنية العربية، ومُراقباً مَشهدها في صمت. وفي ذروة هذا الهدوء، فتح قلبه وذاكرته لقرّاء «زهرة الخليج»، واضعاً النقاط على الحروف ليُجيب ويوضح بعض المسائل التي أثيرت حول اسمه مؤخراً.. ونسأله.

أنت غائب عن الساحة الفنية منذ فترة، لكنك ظهرت كملحّن في «مغناة القدس»، التي قُدّمت في الأردن مؤخراً. لماذا اخترت العودة بهذا الشكل؟
أنا لستُ غائباً، لكني أراقب ما يدور في الساحة الفنية، لكنني أتواجد عندما يكون هناك مناخ إيجابي أقدّم فيه أعمالي، وهذا الذي حصل مؤخراً في «مغناة القدس»، التي قدّمتها في افتتاح «مهرجان الفحيص» في الأردن عبر أصوات شبابيّة جميلة، أمثال محمد عسّاف، ديانا كرزون، حازم شريف، زين عوض، نداء شرارة، طوني قطان وصابرين كمال، وقصدنا من المغناة التي كتب كلماتها الشاعر رامي اليوسف، شجْب تَغوّل الأميركان والصهاينة في القدس، والدفاع عن حق العرب والمسلمين فيها، وبفضل إصرارنا جميعاً ستبقى القدس عربية إلى يوم الدّين.

تُذكّرني المغناة بأوبريت «الحلم العربي»، الذي شاركت في تلحينه قبل 20 عاماً، ونحن منذ ذلك الوقت لا نزال نشجب ونستنكر...
(مُقاطعاً): نحنُ سنبقى مُصرّين على توصيل رسالتنا، فالفنانون لا يملكون إلّا أصواتهم للدفاع عن قضاياهم المصيريّة.
 
«ألبوم» مع ذكرى

ما حقيقة الألبوم الغنائي الذي صدر مؤخراً للمطربة الراحلة ذكرى من ألحانك، وذلك بعد مرور 15 عاماً على رحيلها؟
فوجئتُ به، كما فوجئ بطرحه عبر «اليويتوب» الجمهور ووسائل الإعلام، والألبوم المفترَض أن يحتوي على ثلاث أغنيات، اثنتان منها من ألحاني هما «فرصة أخيرة» و«طلع القمر»، ولا نعرف حتى الآن مصدر هذه الأغاني. وبصراحة، أفكر في رفع دعوى قضائية على من قام بتسريبها، بهدف حفظ حقوق الملكيّة لي كملحن، وكذلك للشاعر والموزع الموسيقي.

لكن الجمهور العربي الذي سمع أغنية «فرصة أخيرة» بصوت ذكرى، كان قد سمعها سابقاً بأصوات سميرة سعيد، شيرين عبد الوهاب، ماجد المهندس وأميمة طالب.. فلمن الأغنية؟ وكيف قدّمها كل هؤلاء؟
الأغنية أساساً للراحلة ذكرى، وكان مُقرّراً أن تصدر ضمن ألبومها «الله غالب»، لكنها فضلت تأجيلها إلى «ألبوم» لاحق ولم تقدمها. وبعد رحيل ذكرى بسنوات، عرضتها على سميرة سعيد وسجلتها بصوتها، لكنها تقاعست عن طرحها، لأعرضها بعد ذلك على شيرين عبد الوهاب التي سجلتها بدورها، لكنها لم تطرحها رسمياً، وبعد فترة التقيت ماجد المهندس، الذي كان يرغب في ضم أغنية مصرية إلى ألبومه الغنائي «اذكريني»، الذي طرحه عام 2009، فسمع العمل وأعجبَهُ وطرحه في الألبوم بشكل رسمي، ثم فوجئت بأن سميرة وشيرين طرحتا الأغنية عبر «اليوتيوب»، وبعد ذلك سجل الأغنية عدد كبير من الفنانين، ومن حُسن حظ الأغنية أنها انتشرت بأصوات كثيرة.

ومَن المطرب الذي أدّاها بشكل أفضل من غيره؟
بلا شك الراحلة ذكرى.

حقيقة الخلاف مع وردة

هل كنت على خلاف مع المطربة وردة قبل رحيلها، ورفضت التلحين لها مُجدداً؟
لم أكن على خلاف معها إطلاقاً، لكنني رفضت التعامل مع وردة منذ أن فكرت في أن تغنّي من ألحان موسيقيّين لا يرتقون إلى قيمتها الفنية، وفوجئت عندما علمت بأنها تنوي الغناء من ألحان تامر حسني «هو نجم صحيح كمغنّي، بَسّ ألحانه مش بمستوى وردة»، لذلك قلت حينها «مقدرش أجاريها بحاجة متلقش بيها».

وهل طالبتها بالاعتزال فعلاً؟
طبعاً، وكان مُبرّري الوحيد، رغبتي في أن تحافظ على مكانتها، لكنها بعد ذلك أصدرت ألبوماً غنائياً مع «روتانا»، بعنوان «اللّي ضاع من عمري» ومَـرّ عادياً. لكن أغنيتها الأخيرة مع الملحن بلال الزين بعنوان «أيام» أنقذت تاريخها الفني.. فبلال أنقذها من تامر حسني.

هل تقول إنّ بلال الزين أنقذ وردة من تامر حسني؟
فعلاً، هذا صحيح؛ لأن أغنية «أيام» من الأعمال الفنية المهمّة موسيقياً.

صدارة الأغنية العربية

كيف ترى حال الغناء العربي اليوم؟ ومَن يمتلك السّبق؟
«الأغنية بعافية اليومين دُول»، لكن الخليج العربي مُحتفظ بقوامه الموسيقي وهوّيته الفنية، ولهذا السبب الرّيادة لهم حالياً.. ففي مصر يوجد ضَعفٌ كبيرٌ في ظهور الأصوات وفي تناول الأغنية، ومُصرّون على التوجّه إلى النمط الغربي أو الكلمة المسَفّهة، وأخشى على لبنان من أن تلحَق بمصر.

ألهذا السبب انتقدت أغنية «3 دقات»، على الرغم من كونها «كسّرت الدنيا»...
(مُقاطعاً): أنا اعترضت على أن تكون الرقم واحد في مصر، على الرغم من اعترافي بأنها حققت اكتساحاً كبيراً في سوق الغناء، هي وأغنيات مثل «إلعب يَلَا، وسيجارة بني، والنعنع»، لكنني ما زلت مُصرّاً على أن هذه الأغنيات لا ترتقي إلى مستوى تمثيل مصر أو الوطن العربي.

وكيف تُقيّم الأغنية؟
بلا شك أنّ «أبو» مُلحّن شاطر، قدّم أغنية فيها «جملة حلوة، وقوام لحني جميل، بسّ لو تبُصّ، حتلاقي يسرا محشورة في الغنوة»، وكاتب الكلام سيناريست وليس شاعراً غنائياً، وتقييمي الحقيقي للأغنية، هو أنني أمنح اللحن 10 من 10، والتوزيع الموسيقي 8 من 10، والكلام 5 من 10، أمّا الغناء فأعطيه 4 من 10.

حكاية اكتشاف المواهب

أين أنت من برامج اكتشاف المواهب التي تَعجّ بها الفضائيات؟
منتجو هذه البرامج يبحثون عن نجوم الشبّاك، بهدف جذب الانتباه إلى برامجهم واستقطاب أكبر كم من المعلنين، فهذا هو الهدف الرئيسي وراء إنتاج هذه البرامج. فبعد «استديو الفن» لم يأتِ برنامج هدفه الرئيسي اكتشاف الأصوات وتبنّيها وتقديمها للجمهور فعلاً.

وكيف تُقيّم نجوم لجان التحكيم في هذه البرامج؟
كما قلت لك، همّ أصحاب هذه البرامج المال وليس شيئاً آخر، لذلك هم يبحثون عن الفنانين أصحاب الجماهيريّة. فهل من المعقول أن نأتي بإليسا وحماقي وتامر، ليُقيّموا أصوات المواهب؟ هم نجوم لكن «بدري عليهم»، ومعهم شيرين عبد الوهاب، بينما كاظم وصابر وراغب وعاصي يستحقون التواجد كمحكمين، وكما قلت لك، الهدف جذب الانتباه إلى هذه البرامج ليس أكثر.

أخيراً.. قيل في بعض وسائل الإعلام، إنك تحضّر أعمالاً سيقدّمها المطرب اللبناني فضل شاكر، بعد أن أعلن عودته للغناء؟
بالفعل تواصلتُ معه هاتفياً، بمجرد سماعي نبأ رغبته في العودة إلى الفن، حيث اتصلت بالصحافي الدكتور جمال فياض، الذي أوْصَلني مشكوراً إلى فضل، الذي أعتبره من الأصوات التي تملك إحساساً هائلاً، ومستحيل أن ينساه الجمهور، وباب التعاون معه مفتوح بالتأكيد في الوقت الذي يريده.

تجربتي مع كاظم الساهر لاقت بعض النجاح وهو ملحن خطير

يصف الملحن صلاح الشرنوبي تجربة تلحينه لأغنية «أجمل العالم» التي قدمها المطرب كاظم الساهر، وهو المعروف بأنه يصر على تقديم معظم أغانيه من ألحانه كونه موسيقيا بالأساس، بالناجحة ويقول الشرنوبي: «كاظم، أنا أحَيّيه كمطرب وملحّن مُلتزم، فهو السبب في أن تعود القصيدة المغنّاة إلى الجمهور ويُحسب له ذلك، وأنا أحترم فيه تقديره لما يقدمه زملاؤه من المطربين والملحنين، ولا أنسى إعجابه بلحن أغنية «كرهتك»، الذي قدّمته المطربة لطيفة بصوتها من ألحاني، عندما قال إن اللحن يُذكره برقصة الطير المذبوح. وبالنسبة إلى تعاوني معه، فقد كانت الفكرة بترشيح من كاتب الأغنية تركي آل الشيخ، ورحّبت بالفكرة حينها، كون أن يغني كاظم الساهر وهو الملحن الخطير من ألحاني، شيء يُحسب لي فنياً». ولدى سؤالنا حول أن الأغنية لم تحظى بشهرة كبيرة حال أغاني الساهر الأخرى، بين الشرنوبي أن الأغنية حظيت ببعض النجاح، لكنها «وفق تعبيره» انتشرت بشكل كبير بين جمهور كاظم، وأنه يكون سعيدا عندما يسمع الساهر يغنيها في حفلاته، وإته غناها آخر مرة في حفل «مهرجان سوق عكاظ» بالسعودية.ولأن الساهر معروف أنه موسيقي متمكن، وله باع طويل في تلحين القصائد الفصحى والأغاني باللهجات العراقية والخليجية واللبنانية وحتى المصرية، سألنا الشرنوبي إن كان لكاظم ملاحظات حول اللحن الذي منحه إياه، فقال: «لم يكن للساهر أي ملاحظة على اللحن الذي قدمته، وغناه كما هو، بعد أن سجله مع الموزع الموسيقي خالد حلمي. لكن الاختلاف الوحيد في الأغنية، هو غناء كاظم للأغنية بلهجته، وليس باللهجة المصرية كما كان مقرّراً».