اعتدتّ الذهاب لأفلام الرعب وحيداً، لأن وجود الأصدقاء يحوّلها إلى أفلام كوميدية، حيث تتعالى الضحكات كلما صرخ أحدهم فزعاً أو سقط عقاله عن رأسه أو وضع يده من دون أن يشعر في جبنة «الناتشوز» الخاصة بالشخص الجالس بجواره. كما أن الرفقة تمنحك شعوراً بالأمان والحماية وسط المشاهد المخيفة، في حين أنني أرغب أن أعيش تجربة الرعب كاملة وكأنني إحدى الشخصيات المتورطة في الفيلم، وقد يبدو هذا الاستمتاع بالرعب - الذي يجمّد الدم في العروق - نوعاً من المازوخية! وهكذا؛ ذهبت بمفردي لمشاهدة فيلم The Nun، واخترت مقعداً على الطرف، بينما تجمهر بقية الحضور القليل في منتصف القاعة، ولسوء حظي كانت السمّاعات الضخمة قريبةً من رأسي، وبدوتُ طوال فترات الفيلم مثل أرنبٍ وحيد يرتعد في العراء.

أحداث غامضة

تدور قصة الفيلم في خمسينات القرن الماضي، حين يُرسل الفاتيكان أحد رجاله للتحقيق في حادثة انتحار راهبة في ديرٍ قديم برومانيا، وترافقه في رحلته شابة تدرس الرهبنة، ليُعايشا بعد وصولهما سلسلة من الأحداث الغامضة والمخيفة، وجميعها تُشير إلى حضورٍ شيطاني خارق في المكان. ظهرت شخصية The Nun من قبل في الجزء الثاني من سلسلة The Conjuring، وعلى الرغم من قلة مَشاهدها في ذلك الحين إلا أنها كانت أكثر ما أرعبني في الفيلم، ولعل هذا كان السبب في إنتاج جزء خاص يحكي قصتها، وتستفرد بنجوميته.

الخروج عن التقليدية

يتجسد الرعب في الفيلم في ثلاثة عناصر؛ أولاً: الزمان، حيث إن زمن الخمسينات أضفى طابعاً من البدائية التي لم نعِشها، مما أسهم في زيادة التحفز والترقب والرغبة في الاستكشاف لدى المشاهد، وكلها فواتح شهية تهيئك لوجبةٍ دسمة من الرعب. ثانياً: المكان، فمعظم الأحداث تجري في ديرٍ للرهبان بُني قبل وقتٍ طويل في قريةٍ نائية تعيدك لأجواء العصور الوسطى، وفي هذا خروجٌ عن تقليدية البيت المسكون والعائلة المنتقلة حديثاً والأطفال الذين يكوّنون صداقةً مع الأرواح التي تسكن الخزائن. ثالثاً: اللغة، فبعض الحوارات بالرومانية تضفي جواً من الغرابة، وتبدو في بعض الأحيان كتعاويذ مخيفة، بجانب اللاتينية التي تتردد بها الصلوات والتمتمات في أروقة الدير.

قصص جانبية

أما سلبيات الفيلم، فيتمثّل أولها في حشو بعض القصص الجانبية التي لم تُضف كثيراً إلى الحبكة، بل كانت عنصراً مشتتاً يخرجنا عن المسار الرئيس للأحداث، كما أن الكثير من مشاهد الرعب كانت تقليدية ومتوقعة، حيث تعتمد على الصدمة الصوتية التي تخلع قلبك، مما دفعني إلى محاولة تخمين اللقطة التالية لأغوص في مقعدي وأخفي نصف وجهي بيدي. يقول المخرج العالمي الشهير ألفريد هيتشكوك: «الضربة لا تُرعب، ما يُرعب هو انتظارها»، وهذا الانتظار هو ما افتقدناه في فيلم The Nun، حيث بدا من الواضح أن الفيلم يحاول إخافتك بأن يحشرك في زاوية ويوجّه لك سيلاً من اللكمات المتلاحقة عوضاً عن أن يتركك تنضج على نارٍ هادئة من الرعب. أخيراً فإن الكثير من مشاهد الفيلم كانت تجري في إضاءة خافتة شبه معتمة، وأتفهم أن الليل يعدّ بيئةًخصبة للرعب، إلا أن الأمر كان مزعجاً.

عالم من الرعب

لعل أكثر ما يميّز سلسلة The Conjuring هو أنها توسّعت لتشكّل عالماً من شخصيات الرعب، حيث تضمّ أيضاً Annabelle وThe Nun، والمتابع لهذه الأفلام سيلاحظ الربط الرائع بين القصص، مما يذكّرني بعالم مارفل التي تربط ببراعة بين قصص الشخصيات الخارقة. إنّ ندرة أفلام الرعب التي تستحق المشاهدة قد تدفع الجمهور إلى المبالغة في مديح فيلم من نوعية The Nun وإن لم يرقَ إلى مستوى التوقعات، لكنه في المجمل فيلم جيد يمنحك حصتك من المتعة والتشويق، وقد يجعلك تتفقد أسفل سريرك قبل النوم فقط من باب الاحتياط.