في عام 2013 يلفت انتباه المتابع السينمائي ومحبي الوثائقيات، أحد الأفلام الجديدة لمخرج شاب ليست له تجارب سابقة يتحدث في فيلمه الأول عن شخصية تبدو مثيرة جداً للاهتمام، على الرغم من أنها لم تكن معروفة مطلقاً حتى وقت وفاتها عام 2019، وهي في سن الثالثة والثمانين، ومجهولة من قبل إنتاج هذا الفيلم. فما الذي حدث؟ وما أهمية هذه الشخصية؟

لنقل إن الصدفة وحدها قادت إلى اكتشاف أعمال فنية جميلة ورؤية واقعية لمجتمع الخمسينات في شيكاغو، وشخصية ذات حس فني، وعين حاذقة تجيد التقاط الأشياء حولها. ففي عام 2007 كان الشاب جون مالوف يعمل على كتاب يؤرخ فيه لحيه عبر بعض الصور، ولذا كان من حسن حظه، أن وجد مجموعة كبيرة من الصور لا يعرف صاحبها، في أحد مزادات البيع وقام بشرائها وتخزينها في بيته لمدة سنتين، كان خلالهما قد نما لديه الشغف بالتصوير، والقدرة على قراءة الصور الفوتوغرافية واكتشاف جمالياتها، مما دعاه إلى استخراج تلك الصناديق المليئة بعلب النيجاتيف لمئات الصور، والتي كان قد حصل عليها في المزاد، وقام بإنشاء غرفة تحميض في بيته، ليفاجأ فيما بعد بمستوى الجمال والروح الفنية والتأريخ الاجتماعي عبر هذه الصور التي لا يعرف من صاحبها، مما اضطره إلى تحميل العديد منها على موقع الصور الشهير Flickr في محاولة البحث عن معلومة تفيده عن صاحب هذه الصور... وهنا تمت إعادة إحياء مصورة الشوارع فيفيان ماير!

مصورة الشوارع

ما تمت معرفته عن فيفيان ماير، هو أنها كانت مصورة شوارع هاوية، أميركية ولدت عام 1926 في نيويورك، ونشأت في فرنسا، ثم عادت مرة أخرى إلى أميركا - شيكاغو، لتعمل ولمدة أربعين سنة مربية أطفال من دون أن تتخلى يوماً ما عن كاميرتها الفوتوغرافية Rolleiflex التي حملتها على خصرها. لالتقاط صور فوتوغرافية بالأبيض والأسود التي تتنقل بها بين شوارع أميركا، بالإضافة إلى صور تتضمن رحلاتها ما بين دول العالم، مثل تايلند ومصر وإيطاليا، وبعض مدن أميركا الشهيرة. وتكشف المقابلات التي أجريت مع من قاموا بتوظيفها كمربية لديهم أن فيفيان كانت ذات شخصية معقدة وغامضة وكأنها تخفي جانباً سرياً على الرغم من قوة شخصيتها وطريقتها في التعبير عن آرائها، لكن صورها سجلت تأريخاً مهماً وأرشيفياً لطبيعة الحياة العامة في شوارع شيكاغو فترة الخمسينات من القرن الماضي، مما أجبر الفنانين والمهتمين على إقامة سلسلة من المعارض لصورها في أميركا وألمانيا وإنجلترا والدنمارك والنرويج، إضافة إلى انتشار صورها في عدد كبير من الصحف الأوروبية.

عين فنية

المتصفح الآن لمجموعة الصور التي التقطتها فيفيان سيدرك العين الفنية التي كانت تتم عبرها، ومستوى الشغف الذي كانت تحمله، على الرغم من صعوبة هذا العمل، كما تحدث بذلك جون مولوف نفسه الذي تتبع تلك الشوارع والأماكن التي التقطت فيها فيفيان صورها في شيكاغو. ليقدم فيلمه الوثائقي الرائع عام 2013 والذي تم ترشيحه للـ«أوسكار» Finding Vivian Maier، إضافة إلى ترشيحه في جوائز «البافتا» البريطانية، و«مهرجان برلين السينمائي»، وحصوله على تقييمات نقدية عالية وآراء إيجابية للغاية حول الفيلم وفيفيان نفسها. ففي حين يعتقد الناقد بات بادوا أنه «من الضروري على كل شخص مهتم بالتصوير الفوتوغرافي في الشوارع خاصة، أن يشاهد هذا الفيلم بقصته الرائعة». يقول أيضاً الناقد توم لونق من صحيفة «أخبار ديترويت»: «في كل مرة تومض فيها إحدى صورها على الشاشة، لا يمكن إنكار عبقرية المرأة».

«لغز فيفيان ماير»

بينما يصف مارك فيني من «بوستون غلوب» الفيلم وعمل المخرج جون مالوف قائلاً: «هذه حكاية مدهشة، جاهد فيها مالوف بقوة لإخراجها. وبشكل غريب تقريباً كغرابة ماير نفسها».
كما يرد أيضاً في مجلة The Sun البريطانية تقديراً عالياً للفيلم وأعمال فيفيان ماير من خلال الإجابة عن السؤال: «لماذا يتم صنع فيلم عن مربية مجهولة من نيويورك؟ الجواب هو أن فيفيان التقطت صوراً جميلة وقوية كتلك التي التقطها أي أعظم المصورين».
يمكن الإشارة أيضاً إلى أنه في عام 2013 نفسه، كان منتج ومخرج الوثائقيات البريطاني جيل نيكولاس، قد قدم فيلماً قصيراً أيضاً لا يتجاوز الساعة عن فيفيان ماير بعنوان «لغز فيفيان ماير» The Vivian Maier Mystery لم يصل بطبيعة الحال لمستوى وشهرة فيلم جون مالوف، التي استحقها ببحثه الجاد واستقصائه الموضوعي، وتحويله لتلك المصادفة الجميلة لكشف عمل فني كان مجهولاً.