من المفترض أننا سنشهد هذا العام فيلماً رابعاً بعنوان «برلين، أنا أحبّك» يُعاود الفكرة نفسها، وربما يواصل الانحدار الملحوظ نفسه في مستوى الفيلم حسب تقييمات الجمهور وآراء النقاد.

 وحْدَة الفكرة والمكان

الفكرة باختصار هي مجموعة من قصص الدراما الرومانسية تحدث في مدينة واحدة يتولى كل قصة أحد المخرجين. فهو إذن بالمعنى العام، مجموعة من الأفلام القصيرة مُضمَّنة في فيلم واحد ذات ثِيمَة واحدة ومُحدَّدة تشترك فيها جميعاً. كانت الفكرة بدأت بشكل ناجح للغاية، وربما أحد أفضل أفلام تلك السنة 2007، وهو «باريس، أنا أحبك».حيث تضمّن 18 فيلماً قصيراً لعدد من أشهر المخرجين السينمائيين حول العالم، مثل الأخوة كوين وألفونسو كوران، وألكسندر باين وغس فان سانت، وأوليفر أساسيس، ووالتر ساليس، وتوم تيكوير، وعدد آخر من المخرجين الشباب والمتمرّسين من فرنسا وأستراليا واليابان وجنوب أفريقيا وإسبانيا، والذين تفوّق بعضهم في تقديم فيلمه القصير حتى على كبار المخرجين المشاركين في هذا الفيلم. حيث لا يربط بين كل هذه الأفلام وقصصها المتميّزة سوى وحْدَة الفكرة والمكان، فقد كان على كل مُخرج أن يقدّم الحب حسب رؤيته من خلال قصة تجري وقائعها في باريس، وهنا تحديداً سيكون المشاهد مع متعة هذه التعددية الإخراجية واختلاف التناول وتنوّع الرؤية، وسيغمرهُ الإعجاب من روعة هذه الأفلام التي تنجح في تحقيق هذا الشيء خلال فترة الفيلم القصيرة، وبالتالي فيبدو هذا الفيلم أفضل ما يمكن مُشاهدته لصنّاع الأفلام القصيرة وكتّابها، للاطّلاع على جمال هذا التناول وتألّق رُؤى هؤلاء المخرجين المبدعين، والتي ينعكس أغلبها على معرفة المشاهد بأساليب ومُعالجة هؤلاء المخرجين، من خلال أفلامهم الشهيرة التي شاهدناها لهم من قبل. لذا، فقد عَلّق الناقد بيت هاموند، من مجلة «ماكسيم» على الفيلم، بأنه «رحلة فانتازية إلى مدينة النّور عبر عيون بعض أعظم ممثلي السينما ومخرجي الأفلام، وأنه تجربة فيلميّة لا تُنسى وليست لها مثيل»، بينما يقول عنه الناقد روبيرت بتلر، من كنساس سيتي ستار «من الكوميديا إلى الدراما أنطلوجيا متنوعة تستحق الارتحال معها»، وسيُفاجأ المشاهد بعدد من الرُّؤى الغريبة في تقديم الحب بأشكال غير تقليدية تماماً، تصل إلى مستوى علاقة انجذاب بين شاب وفتاة مسلمة في باريس، حتى علاقة حُبّ شرسة بين مصّاصي دماء أو انجذاب عاطفي عابر بين ممرضة معالجة في الإسعاف، وشاب مطعون على أرصفة شوارع باريس المزدحمة أو مُمثلي إيماء يلتقون ذات ليلة في السجن، وكعادة الأفلام القصيرة تأتي النهايات بشكل مُفاجئ وغير مُتوقَّع، تحمل قدراً من التأثير والطرافة أيضاً.

رؤية خاصة

وفي الحقيقة، إنّ هذه الفكرة الاستثنائية بحشد مجموعة من أشهر المخرجين لتقديم أفلام قصيرة ليست حديثة العهد، ولعلّنا لا ننسى ذلك الشريط السينمائي الذي قدّمته شركة CIH Shorts، تحت عنوان «11›09››01 - September 11» عام 2002، والذي جمعت فيه 11 مخرجاً من أمثال أليخاندرو غونزاليس، والياباني سوهي إيمامورا، والإيرانية سميرة مخلمباف، والأميركي شون بين، والهندية ميرا نير، والمصري يوسف شاهين وغيرهم، لتقديم رؤيتهم الخاصة في تناول عدد من الأفلام القصيرة التي تتمحور موضوعاتها حول أحداث (11 سبتمبر/‏‏ أيلول)، من وجهة نظر كل مخرج على حِدَة، وحقق الفيلم حينها نجاحاً وشهرة جيّدين.
وبالعودة لفيلم «باريس، أنا أحبّك» سنجد أن الفكرة تم تكرارها عام 2008 بفيلم «نيويورك، أنا أحبك»، بمستوى أقل لم يُعجب النقاد، بينما حصل على تقييمات متوسطة من الجمهور، وبوجود أقل من المخرجين الكبار، على الرغم من وجود أمثال التركس فاتح أكين، والهندية ميرا نير، وشيخار كابور والصيني وين جيانغ.

 «ريو، أنا أحبك»

وللأسف ستُواصل هذه الفكرة انحدارها في الفيلم التالي عام 2014 «ريو، أنا أحبك»، وتقييمات مُتدنّية نقدياً وجماهيرياً، حيث تنتقل قصص الحب والكوميديا الرومانسية من باريس مُروراً بنيويورك، لتحطّ في المدينة البرازيلية الشهيرة ريو جانيرو، وبمخرجين أقل شهرة، حيث لا يبرز منهم سوى الإيطالي بأول سورنتينو، مخرج الفيلم الفائز بـ«أوسكار» أفضل فيلم أجنبي «الجمال العظيم» The Great Beauty، والبرازيلي فيرناندو ميريليس، مخرج الفيلم الشهير المرشح لـ«أوسكار» أفضل فيلم أجنبي «مدينة الرب» City of God، كما شاركت المخرجة اللبنانية نادين لبَكي في الفيلم أيضاً.
ولذا، فمع تكرار هذه الفكرة وابتذالها واستمرار تقديمها بصورة رديئة لم تَعُد تُعجب أحداً، فإنه لا يبدو أن الفيلم الرابع «برلين، أنا أحبك» سيكون محل الانتظار أو التطلعات.