تعود فكرة بناء «قصر البارون» إلى إدوارد إمبان، الذي كان يحمل لقب بارون، بعد أن منحه له ملك فرنسا عقب تنفيذه مشروع بناء مترو باريس. وقَدِم البارون إلى مصر بعد افتتاح قناة السويس، وعرض على الحكومة المصرية فكرة إنشاء حي في الصحراء شرق القاهرة، ويعرف اليوم بهليوبوليس (أي مدينة الشمس)، حيث قرر إقامة قصره الأسطوري الذي لا تغيب عن حجراته وردهاته الشمس. فما هو هذا القصر، وأي قصص تُحاك عنه؟
يقع القصر على مساحة 12 ألف متر، وقد صمّمه المهندس المعماري الفرنسي «ألكساندر مارسيل» Alexandre Marcel، على الطراز الهندي، وزخرفه «جورج لويس كلود» Georges Louis Claude، واكتمل بناؤه عام 1911. واختيار التصميم يعود إلى أن البارون أثناء إقامته في الهند مرض مرضاً شديداً، فاعتنَى به الهنود وأنقذوه من الموت، فقرّر أن يبني أول قصوره على الطراز الهندي عرفاناً منه بالجميل لهم.
متحف
شُرفات القصر الخارجية محمولة على تماثيل الفيَلة الهندية، وينتشر العاج في الداخل والخارج، وترتفع النوافذ وتنخفض مع تماثيل هندية وبوذية، أمّا داخل القصر فهو عبارة عن متحف يضم تحفاً وتماثيل من الذهب والبلاتين، كما يوجد داخل القصر ساعة أثرية قديمة لا مثيل لها إلا في «قصر باكنجهام» الملكي في لندن، توضح الوقت بالدقائق والساعات والأيام والشهور والسنين، مع تغييرات أوجه القمر ودرجات الحرارة.
تماثيل هندية
يتكون القصر من طابقين وسرداب، وبرج كبير يدور على قاعدة متحركة دورة كاملة كل ساعة، ليُتيح للجالس فيه مُشاهدة ما حوله في جميع الاتجاهات، ويتألف هذا البرج الذي شُيّد على الجانب الأيسر من القصر، من أربعة طوابق، يربطها سلّم حلزوني مكسوّة جوانبه الخشبية بالرخام، بينما يزدان سُوره بنقوش من الصفائح البرونزية المزيّنة بتماثيل هندية دقيقة النحت. أما أرضيّات القصر فصُنعت من رخام ومَرْمَر، تم استيرادها من إيطاليا وبلجيكا، وتتصدّر مدخله تماثيل الفيلة، كما تنتشر أيضاً على جدران القصر الخارجية والنوافذ زخرفات من الطراز العربي.
ويتكون الطابق الأرضي من صالات ضخمة تحتوي عدداً كبيراً من الأبواب والشرفات، وقاعة مائدة كبيرة توزعت على جدرانها رسومات مأخوذة من «مايكل آنجلو» و«ليوناردو دا فينشي»، وحمل كل ركن في الغرف تمثالاً رائعاً من التماثيل الهندية الثمينة. كما يضم السرداب في هذا الطابق مجالس واسعة وأماكن إقامة الخدم، وأفراناً ضخمة، ومَغاسل رخامية، بينما تتصل إحدى الغرف بحُجْرة الطعام عن طريق مصعد فخم مصنوع من خشب الجوز·
ويحتوي الطابق الثاني من القصر على غرف عديدة واسعة، تطل على شوارع القصر الأربعة (شارع العروبة، ابن بطوطة، ابن جبير، حسن صادق). وغُطيت أرضيات شرفات غرف الطابق الثاني بالفسيفساء الملونة، كما توجد في كل شرفة مقاعد ملتوية لو جلس أحد على أي منها، أحاطت به التماثيل من كل جانب. وللوصول إلى سطح القصر يجب الصعود على سلم مصنوع من خشب الورد الفاخر، وكان السطح أشبه بمنتزه أسطوري يُستخدم في الحفلات التي يقيمها البارون، رُسمت على جدرانه رسوم نباتية وحيوانية وكائنات خرافية.
تُحف القصر
معظم التماثيل الموجودة في القصر جلبها البارون إمبان من الهند، كما يوجد عدد من التماثيل أوروبية الطراز، المصنوعة من الرخام الأبيض، وهي ذات ملامح رومانية تشبه فرسان العصرين اليوناني والروماني. وعلى الرغم من السرقات التي ذهبت بكثير من التحف والتماثيل النادرة والقديمة التي كانت موجودة في القصر، إلا أنه لا يزال هناك الكثير لرؤيته في «قصر البارون»، من تحف نادرة إلى تماثيل تعود لراقصات يؤديّن حركات تشبه حركات راقصات الباليه، وتماثيل الأفيال المنتشرة على مدرجات القصر وفي شرفاته، إضافة إلى أبوابه المرسومة بزخارف الإغريق القديمة ذات الجمال الأخّاذ.
قصر الأساطير
توفي البارون إمبان في 22 يوليو 1922، فأهمل القصر لسنوات طويلة، وتحولت حدائقه إلى خراب، إلى أن اتّخذت الحكومة المصرية قراراً بضمّه إلى هيئة الآثار المصرية، ليتم ترميمه وتحويله إلى متحف أو أحد قصور الرئاسة المصرية.
وإغلاق «قصر البارون» المستمر، دفع الناس إلى نسج الكثير من القصص الخيالية حوله، لاسيّما بعد أن أقام بعض الشباب حفلاً صاخباً انتهى بقضية جنائية شغلت الرأي العام المصري في عام 1997، وبات الجيران يتناقلون حكاية مشاهدتهم أضواء ساطعة، وصخباً وضجيجاً ورقصاً كل ليلة داخل القصر. ومن بعض الغموض الذي يُحيط بالمنزل، الغرفة الوردية التي حرّم «البارون إمبان» دخولها حتى على ابنته وأخته البارونة «هيلانة» ولم يُعرف أحد السبب. وما أدّى إلى زيادة الغموض هو مقتل «البارونة هيلانة»، بعد سقوطها من شرفة غرفتها الداخلية عندما كان يدور البارون ببرج القصر ناحية الجنوب، وتوقف قاعدته عن الدوران في تلك اللحظة.
وارتبطت سيرة «قصر البارون» بقصص خيالية شجّعت على ظهور كتب عديدة عنه، حتى إن شركات الأفلام الأجنبية صوّرت داخل القصر مشاهد رعب لأفلام مثل «كونت دراكولا»، ما يشير إلى أن قصة القصر وصلت أصداؤها إلى خارج مصر.