«الناس يأتيهم العيد كي يفرحوا.. ونحن يزورنا العيد لنحزن، لكن قَدّر الله وما شاء فعل، رحم الله «أبو زيد» وأسكنه فسيح جنّاته». كان هذا ما قاله لـ«زهرة الخليج» عدد من أقارب الفنان الأردني الراحل ياسر المصري، نجم الدراما البدوية والعربية، بعد وفاته في حادث سير مُروّع ثالث أيام عيد الأضحى، على أثر زيارة كان يقوم بها لمنزل شقيقه في محافظة الزرقاء، وكعادته بما اشتهر به من شهامة ونخوة في أعماله البدوية، أراد مساعدة جار شقيقه في تشغيل «باص» لا يعمل، فهَمّ بذلك من خلال فكرة خطرت على باله ونفّذها، تمثّلت في إنزال الباص بسرعة على منحدر، ومن ثم محاولة تشغيله أثناء نُزوله، إلّا أنه فقد السيطرة على الباص، ما أدّى ذلك إلى اصطدامه بسيارة كانت متوقفة وبجدار، وبالتالي وفاته على الفور، وإصابة شخص آخر في المكان إصابة بليغة.

فنان بلا أعداء

وياسر المصري الذي تم دفنه في مقبرة الهاشمية، برهنت جنازته على مقدار الحب والاحترام الذي كان يحظى به، ليس فقط لموهبته ونجوميته كفنان، بل أيضاً لإنسانيته الكبيرة التي كان يتمتع بها، ولذلك شاهدنا الكبير والصغير يدعون له بالرحمة بعد وفاته، كما رثاهُ الكثير من الفنانين في عالمنا العربي عبر حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل. ومن مقر إقامته في كندا، تحدث لـ«زهرة الخليج» المنتج والمخرج إياد الخزوز عن صديقه الراحل قائلاً: «من أهم ميزات ياسر المصري التي أعرفها كصديق وقد لا يعرفها غيري، أنه كان لديه التزامات إنسانية كبيرة تجاه عديدين، فكان بعد أن يأخذ أجره المادي على عمل ما، يصرف 50% منه على المحيطين به، وأشْهَد أنه حتى العاملين من البسطاء في المسلسلات التي كان يُشارك فيها ياسر، لهم منه دائماً لفتة كريمة، لذا نجدهم سُعداء إذا ما اشتغلوا في مسلسل يمثل فيه ياسر. وصدقاً، كان الراحل إنساناً خلوقاً وشهماً وكريماً، ولا يُغضب أحداً، مُلتزماً بحضوره ومواعيده في أي عمل فني، يُحب شغله، ومثالياً بشخصيته.. وحقاً لم يكن له أعداء.. على الرغم من أنه من الصعب أن تجد فناناً بلا أعداء في زماننا الحالي».

شخصيتان لقادة كبار

«لقد رَحَل في قمّة عطائه».. هذا ما يُجزم به المخرج إياد الخزوز وهو يواصل حديثه معنا عن ياسر المصري، قائلاً: «رحيل ياسر عدا كونه خبراً صادماً ومزعجاً على الجانب الإنساني، هو خسارة فادحة للوسط الفني، قد افتقدنا فناناً «جُوكر» يلعب كل الأدوار.. البدوي والقروي والمودرن والتاريخي، كدوره الأخير الرائع «يحيى البرمكي» في مسلسل «هارون الرشيد» الذي عُرض في رمضان الأخير. وأعتقد أنه كان منطلقاً وبقوة في اتجاه الدراما والسينما المصرية، حيث قدّم أعمالاً مهمّة لقادة كبار، حيث جسّد دور القائد الملهم المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيَّب الله ثراه)، في مسرحية «زايد والحلم»، وشخصية الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في مسلسل «الجماعة».. بالتالي غيابه سيترك أثراً ليس فقط في الساحة الأردنية، بل والعربية بشكل عام، الله يصبّر أهله ويُعوّض الوسط الفني بهذه الخسارة».

تحدٍّ لكل الفنانين الموهوبين

ويكشف إياد الخزوز عن أن ياسر المصري الذي اشتغل معه في ستة أعمال درامية بدايةً من: «سلطانة»، «أبناء القلعة»، «شوق»، «دوائر الحب»، «أوراق الحب» و«بيارق العَرْضا»، كان هناك عمل سابع جديد بدويّ يستعد ياسر لبطولته، من إخراج الخزوز، بعنوان «فتنة» كي يُعرض في رمضان المقبل، وتم الاتفاق على تصويره مطلع عام 2019، لكن وكما يُقال «أنا أريد.. وأنت تُريد.. والله يفعل ما يُريد».
واختتم الخزوز كلامه عن الفنان الراحل قائلاً: «الذاكرة الفنية التي تركها ياسر ستُشكل تحدّياً لكل الفنانين الموهوبين أن يقتدوا بها، ذلك أن الفنان الحق.. غيابه يُشكل حضوراً تاريخياً لأن عبَقه يستمر كشاهد حيّ يُعلّم الأجيال، ويقودهم إلى معنَى الفن الحقيقي. فالفن هو الجوْهَر لا المظْهَر.. العُمق لا السطح، وياسر كان فناناً من الصميم ومن الأعماق، رحمه لله.. إنه الغائب الحاضر».

الفنانة السورية وزوجة الراحل

قد لا يعرف كثيرون أن الفنان ياسر سبتي محمد المصري، والذي ولد في الكويت يوم 22 نوفمبر 1970، وتوفي يوم 23 أغسطس 2018، (48 عاماً)، هو متزوج من الإعلامية الأردنية نسرين الكرد، أخت الفنانة السورية كندة علوش غير الشقيقة، حيث تزوجت والدة كندة من أردني بعد طلاقها من علوش، وأنجبت منه نسرين، لذلك استغرب كثيرون من روّاد مواقع التواصل نعي كندة علوش الفنان ياسر المصري، إذ اكتفت بوصفه «الصديق المحترم»، ولم تبح بالسر وتذكر أنه زوج أختها غير الشقيقة. وكان ياسر الذي ينتمي إلى عائلة مكوّنة من سبعة أشقاء وشقيقات، قد رُزق في حياته بثلاثة أبناء، هم: (زيد، راية وجنى) قبل أن يُودّعهم.


«بنو عثمان»

كان ياسر المصري قبل رحيله قد نشر عبر حسابه على «فيسبوك» مقطع «فيديو» وهو يتدرب فيه على رياضة الرماية، وتُفيد مصادرنا أن هذا التدريب مرتبط بعمل فني بوليسي كان يستعد للمشاركة فيه إلى جانب الفنان المصري خالد النبوي، بعنوان «بنو عثمان»، وهو إنتاج عربي إيطالي سيتم تصويره في تونس. وكان ياسر قد أطل صباح يوم وفاته على جمهوره يُعايدهم عبر برنامج «صباحات العيد» في التلفزيون الأردني، متحدثاً عن كيفيّة حفاظه على محبّة جمهوره، قائلاً: «التوفيق يأتي بفضل الله ثم محبة الجمهور الذي يتقبّلك في كل الأدوار على الرغم من وجود بعض الهفوات. الكمال لله عَزَّ وَجَلَّ، لكن دائماً عندما يحب الجمهور أحداً يكون قريباً منه»، مُشيراً إلى حرصه الدائم على البحث والقراءة والمطالعة للشخصيات التي يؤدّيها، وتابع كلامه: «أطرح أسئلة على المخرجين والكتّاب وصُولاً إلى الإمساك بروح الشخصية، سواء أكانت شرّاً أم خيراً، والتي لها تفاصيلها ومعالمها وتاريخها، نحن في صراع دائم مع هذا الكون، وأي شيء نُخزّنه نحاول توظيفه في الشخصية الدرامية التي نؤدّيها».