تغوص الفنانة التشكيلية ميسون آل صالح إلى أبعد من المعاني الظاهرة للقصص وحكايات الماضي، وتستخرج من نسيجها المنسي هياكل عظمية تبث فيها حياة في لوحاتها، وتدعها تروي الأحداث. وكما في لوحاتها غرابة، كذلك هي طريقة تعبير آل صالح عن فنها، لكونها أول فنانة إماراتية رسمت لوحات تحت الماء.

هياكل عظمية تخبر قصصاً

تنسج ميسون آل صالح من العظام والجماجم قصصاً تتجاوز العمر والجنس. في كل لوحة، تكشف تراكيب الهياكل العظمية قصصاً مستوحاة من الحياة الإماراتية وثقافتها وتاريخها، فتخلق الفنانة من خلالها معنى جديداً تبث فيه روحاً من المرح للتخفيف من حدة المشهد، ولتقوّض الارتباط الرمزي للعظام بالموت.
غرابة فنها ومهاراتها المميزة في صنع حكايات سريالية من عظام، لا تشي بأن مصادر إلهامها هي أمور عادية قد تصادفنا في حياتنا اليومية.تقول آل صالح: «أعمالي مستوحاة جزئياً من الفن التمثيلي التاريخي، وتحديداً من مطبوعات  Calaveras (الجمجمة) الشهيرة في أوائل القرن الـ20 للفنان المكسيكي خوسيه جوادلوب بوساد، أما مصادر إلهامي فليست إلا الأشخاص من حولي وقصص واقعية حدثت في الإمارات، وقد شذبت مهاراتي خلال نشأتي بحضور الكثير من ورش العمل وقراءة الكتب التي أسهمت بشكل كبير في تطوير عملي».
 
لوحات تحت الماء

خلف لوحات الجماجم وما تبثه في النفس من خوف ورهبة، تكمن شخصية مبدعة عشقت الرسم والتصوير منذ نعومة أظفارها. وما ساعدها على تطوير موهبتها عائلتها الفنيّة، فوالدتها تهوى تصميم الأزياء، ووالدها مصّور فوتوغرافي محترف، وخالتها فنانة تشكيلية، وقد بدأت الرسم في طفولتها بمساعدة خالتها. تخرجت في جامعة زايد عام 2010، وحصلت على شهادة في التصميم الداخلي. وكان أول معرض منفرد لها في مركز مرايا للفنون بالشارقة في خريف 2010. وقد عُرضت أعمالها في بلدان عدة حول العالم، مثل: فرنسا واليونان وإيطاليا وبريطانيا وسنغافورة وإسبانيا والولايات المتحدة، إضافة إلى بلدها الإمارات.

في عام 2013 أقامت ميسون آل صالح معرضاً بعنوان «الأحداث التَّاريخية لسفينة دارا» الذي استوحت فكرَته من قصّة السفينة دارا التي كانت تبحر بين الهند والخليج، وحادثة غرقها في الثامن من إبريل عام 1961 في الخليج العربي، بناء على روايات سمعتها من جدها النَّاجي من الحادث، ولم تكتفِ آل صالح بالروايات المتناقلة، إذ قامت برحلة غوص استكشافِية في مكان غرق السفينة، ورسمت لوحاتها تحت الماء باستخدام أقمشة معالجة مقاومة للماء وألوان خاصة، والتقطت صوراً فوتوغرافية استهلت بها معرضها المنفرد الثالث. تقول آل صالح «أشعر بالفخر لأنني تمكنت من المشاركة في كل هذه المعارض الدولية، وسعيدة جداً بما حققته إلى الآن، ولاسيّما بقدرتي على الرسم في قاع البحر وبتمكني من افتتاح شركة خاصة بي».

دافع وشغف

عن التحديات التي واجهتها تقول آل صالح: «خلال تأسيس أي شركة قد نصادف تحديات عديدة، لكن من دونها لن نتذوق طعم النجاح. أما لناحية فنّي فلم أواجه أي صعوبات تذكر، وأعتقد أن المثابرة وحب العمل والإخلاص له تفتح أبواباً كثيرة للنجاح».

ولعلّ ما سهل الطريق أمام آل صالح لتحقيق طموحاتها كون المرأة الإماراتية عموماً «محظوظة لوجود قيادة تدعمها وتمكنها في المجتمع لتبدع، فتدفعها إلى المزيد من النجاحات» على حد قولها، وتضيف: «المرأة الإماراتية في المقابل قادرة على بلوغ كل الأهداف التي تطمح إليها إذا كان عندها الدافع والشغف لإنجازها».

 ثقة الرجل

تعتبر آل صالح أنه ليست هناك حقوق لم تحصل عليها المرأة الإماراتية بعد، وتقول: «شخصياً لم أواجه أي عوائق استلزمتني المطالبة بشيء، فالدعم كبير وتمكين المرأة يحصل في أعلى المناصب، وهناك حرص على المساواة بينها وبين الرجل إلى درجة أن المرأة الإماراتية أصبحت نموذجاً عالمياً للإنجازات المجتمعية، وهذا يعود إلى الجهود المخلصة التي بذلها مؤسس الدولة وباني نهضتها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في دعم المرأة وتمكينها. وهذا الدعم إن دلّ على شيء، فعلى الثقة التي منحها الرجل، سواء بصورة القائد أو الأب أو الأخ أو الزوج، للمرأة الإماراتية عبر تشجيعها على صقل مهاراتها لقيادة مشاريع عدة في الدولة وخارجها».

تنظيم ودقة

من وجهة نظر ميسون آل صالح «المرأة تستطيع أن تحصل على كلّ شيء في آن من دون أن تضطر إلى التخلي عن شئ لصالح شئ آخر. أي أن ليس هناك ما يعيقها عن تذوق النجاح المهني وبناء عائلة واختبار الأمومة في آن، إذا عرفت كيف توازن بينها جميعها».
وهو أمر تحرص عليه آل صالح بشدة، وتقول: «أنظم وقتي ولا أترك شيئاً للصدف... الأشخاص الذين يعرفونني عن قرب يعرفون مدى دقتي والتزامي بالوقت وبتسليم المشاريع قبل الموعد. أما في حياتي الخاصة فأحرص على قضاء وقتي مع العائلة بعد العمل من دون التلهي عنها بأمور أخرى، وللحفاظ على نشاطي أمارس الرياضة بشكل يومي وأتبع نظاماً غذائياً صحياً».