من رحم وطن يهتم بنجاح أبنائه ولد إبداعها، وعلى أرضه تغزل قصص أفلامها مشاهد تلامس الواقع بنكهة عالمية. إنها المخرجة نايلة الخاجة، التي تحدت المعوقات وكافحت بعناد إلى أن نجحت في إثبات نفسها في عالم الفن السابع، وأصبحت عنصراً أساسياً محرّكاً للعمل السينمائي في بلدها.

منحة الراحل الكبير

المشوار لم يكن سهلاً ولولا مثابرتها ودعم دولتها لما تمكنت من تحقيق حلم راودها منذ الطفولة، تتذكر بداياتها قائلة: «أهلي محافظون جداً وكانت فكرة السينما غير واردة بتاتاً، ولكي أحصل على ما أريده كان عليّ أن أحارب بـ«شق النفس»، لأن شغفي بهذا المجال خرافي». 
الخطوة الأولى في هذا المشوار كانت المنحة الدراسية التي أتاحتها لها الإمارات، والتي لولاها لكانت الصعوبة مضاعفة، تقول: «منحة الشيخ زايد، رحمه الله، كانت نعمة، لأن الدراسة في الخارج مكلفة، ولولا دعم دولتي لكان من الصعب أن أتابع مشواري. لقد أعطتني دراستي في مجال الإخراج وصناعة الأفلام في كندا نوعاً من الأساس الصلب لأنطلق».

تغيير الصورة النمطية

ما قدمته الخاجة في المقابل هو جهدها وإصرارها على نقل الصورة الجميلة لبلدها إلى الخارج، وتقول: «أحاول بقدر ما أستطيع أن أرد الجميل بتحدثي في كل المنابر العالمية التي تستضيفني بإيجابية عن بلدي وعن التطور الحاصل فيه، وما يساعدني كوني متحدثة لبقة باللغة الإنجليزية، كما أنني أسعى لمحو الأفكار السلبية والخاطئة عن الإمارات وعن المرأة الإماراتية في أفلامي واجتهاداتي على المسرح. فللأسف الفكرة النمطية عن المرأة ما زالت موجودة في الغرب، لكنها تحسّنت مقارنة بما كانت عليه قبل 10 سنوات».
تُنتَقد الخاجة غالباً على كثرة استخدامها للغة الإنجليزية في أعمالها لكنها ترد على الانتقادات مبررة: «أركز دائماً على إيصال رسالتي باللغة الإنجليزية، لأننا نحن أهل البلد نعرف وضعنا جيداً، لكن الأجانب لا يفهمون ثقافتنا، وهذه فرصة لنا لنأخذ مادة موجودة عندنا ونترجمها لتصبح عالمية. ينبع هذا من إيماني بأن كل مبدع هو بمثابة سفير لبلاده، وشخصياً أحاول أن أكون سفيرة لبلدي من خلال الفن السابع، الذي هو من أقوى الفنون».

سقف زجاجي

ما الذي يمكن للمرأة أن تقدمه بشكل مختلف عن الرجل في السينما؟ تجيب الخاجة: «المرأة متعددة المهام وعاطفية وممكن أن تضيف عمقاً للقصة. فمعظم الأفلام الدرامية في الفترة الأخيرة سطحية، بلا روح، وليس بالضرورة أن يعتمد كل فيلم على المؤثرات الخاصة لينجح. نحن بحاجة إلى مؤثرات خاصة في مجال العواطف، وهذا ما يمكن للمرأة أن تضيفه للسينما».
لكن الخاجة تعتبر أن «هناك سقفاً زجاجياً لا يمكن للمرأة أن تتخطاه في قطاع السينما الإماراتية. وهو ينبع غالباً من كون المجال جديداً يفتقر إلى البنية التحتية التي تخلق جواً إبداعياً، ولكون البيئة الإماراتية محافظة ولا تحبذ مثل هذه المهن». تستطرد الخاجة مفسرة: «إذا كان المجال مواكباً للعادات والتقاليد تكون المرأة في وضع ممتاز، لكن إذا لم يكن فهناك صعوبة». ومع ذلك تحرص الخاجة في كل أعمالها على احترام عادات بيئتها ومجتمعها، ولا يهمها تخطي الخطوط الحمراء للمزيد من الشهرة. ففي رأيها، من الغباء أن تضر بمجتمع يحضنها ويحميها ويدعمها. وتضيف: «أحاول أن أكون صادقة وأن تكون رسالتي شفافة وأن يعكس عملي ما بداخلي بكل إخلاص، لكنني في الوقت نفسه أفهم البيئة التي تحضنني، ولا يمكنني أن أقوم بعمل يضر بمجتمعي».

ملهمتها

المرأة التي تلهم نايلة الخاجة ليست إلا والدتها، لأنها، بحسب تعبير الخاجة، مثابرة وتتمتع بقوة داخلية هائلة، وهي في كل الظروف شخص فرح لا يتذمر ويرى في كل حادثة سلبية شيئاً إيجابياً.أما ما يقف في وجه نجاح المرأة عموماً فهي «المرأة نفسها، بالطبع إذا لم تؤمن بنفسها ولم تثابر ولم تقيّم واقعها جيداً» على حد قول الخاجة التي تتابع قائلة: «على المرأة أن تكون واقعية، وتحدد العوائق التي تواجهها وكيفية تخطيها، وأن تتعلم من الأمثلة الناجحة المحيطة بها».

يوم المرأة والرجل

يوم المرأة الإماراتية بالنسبة إلى الخاجة هو مناسبة للتذكر أن المرأة الإماراتية أخذت حقوقها في المجالات كافة، ولهذا تدعو إلى جعله أيضاً يوماً للرجل الإماراتي. وتضيف: «جميل أن نخصص يوماً للمرأة ولكنني أشجع أيضاً على تخصيص يوم للرجل، من منطلق المساواة بين الجنسين، مع أنني فعلياً لا أؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة في كلّ الأمور، لأنها بيولوجياً مستحيلة، إذاً لِمَ لا يكون هذا اليوم للجنسين لأنهما يكملان بعضهما؟ بهذه الطريقة تشعر المرأة بأنها مكرمة فعلاً وأنها ليست في موقع الضحية التي لم تحصل على كامل حقوقها. أقول هذا لأننا كنساء أخذنا حقوقنا وزيادة في الإمارات، ويجدر ألا ننسى الرجل لما لعبه من دور في تمكين المرأة».

شريكة في الإنجاز

وتذكّر الخاجة بأن المرأة الإماراتية لطالما كان لها دور كبير في مجتمعها وكانت دائماً مكرمة ولها مكانتها وشريكة للرجل في الإنجاز. هي لم تكن يوماً ضعيفة أو غير فاعلة وذلك منذ أيام الأجداد. فعندما كان الرجال يذهبون للصيد ويمضون أكثر من 4 أشهر في البحر كانت المرأة هي التي تدير شؤون قريتها. تضيف الخاجة في هذا السياق: «ربما دخلت الإماراتيات الحياة السياسية في وقت متأخر قليلاً، لكن لو قارنّا عمر دولتنا مع التطور الهائل لأوضاع المرأة، لوجدنا أن ما حققناه إلى الآن مدهش فعلاً ويستحق التقدير».